الطلاب في اليمن.. حقائب مفخخة

شباب هاوس.. عصام علي

“أنت كافر كاليهود لا تؤمن بأولياء الله وأعلام الهدى “، هكذا يتحدث طفلٌ في ربيعه العاشر، بعد عودته من مدرسته بالعاصمة صنعاء، لوالده الذي وقف مصعوقًا مما سمعه؛ فما تعلمه هذا الطفل ليس أبجديات التعليم الذي تُبنى به الأوطان والحضارات، وإنما منهج جديد يخدم مشاريع وتوجهات سلطة الأمر الواقع.

ينظر المجتمع اليمني بخشية إلى انسلاخ الجيل الجديد من هُويته الوطنية التي ورثها على مدى آلاف السنين، والإيمان بمعتقدات دخيلة، في مناطق سيطرة سلطات الأمر الواقع جماعة الحوثيين “أنصار الله” والتي دأبت، منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، على إعادة تشكيل المجتمع، وتعديل المناهج الدراسية، بما يخدم سلطتها وبقاءها.

غزو ثقافي وتعليمي

أجرت جماعة الحوثيين “أنصار الله” تغييرات في المنهج التعليمي الأساسي تتركز في خمس مواد، وهي: (القرآن الكريم، والتربية الإسلامية، واللغة العربية، والتربية الوطنية، والتاريخ)، والتركيز على هذه المواد بالذات يأتي لكونها هي المتعلقة بثقافة الجيل الجديد وهويته التاريخية والوطنية ومعتقداته.

نذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، بعض التغييرات التي أُجريت على المناهج، ففي القرآن الكريم قامت جماعة الحوثيين “أنصار الله” بتغيير تفاسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وفق توجهها العقائدي، وإضافة صور وشعارات تكرس نهجًا طائفيًّا وعنصريًّا.

ومن ذلك قيامها بتغيير تفسير الآية: “اهدنا الصراط المستقيم” بـ(طريق المهتدين كالأنبياء وأعلام الهدى)، ويُقصد بأعلام الهدى عند “أنصار الله” قادتها ورموزها الدينيين، مما يعني اتّباع رموز وقادة هذه الجماعة، وإقرانهم بالأنبياء والرسل، ومَن خالفهم سيصبح من المغضوب عليهم في الدنيا والآخرة.. وأيضًا تفسير “المغضوب عليهم” بـ”اليهود وكل من اتبعهم وتولاهم”، حيث يعتبر الحوثيون أيّ شخص يعاديهم، هو عدو لأعلام الهدى.

وكذلك تفسير التواصي بالحق في الآية: “وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر”، بالجهاد في سبيل الله وفق التوجه الطائفي لها.
ومن هذه الآيات فقط يمكن إنشاء جيل جديد يحمل فكرًا عقائديًّا يقدّس الولاء لشخوص سلطوية، باعتبارهم أولياء الله على الأرض، واتّباعهم في خير أو شر كأمر محتوم، وبالتالي تصبح السلطة والحُكم حقًّا دينيًّا بالمفهوم الذي غُرس في عقلية هذا الجيل، لا بِيَد الشعب كما كان جمهوريًّا ديمقراطيًّا.
ومَن سيقاتل عليها، ويثبّت ملكها، ويرسي مداميك سلطانها، هو الجيل الجديد بنفسه، الذي لُقِّن الولاء والطاعة، وعُلِّم في المدرسة بأن أعلام الهدى هم الأنبياء والرسل والأئمة من آل البيت تباعًا حتى عودة المهدي المنتظر، حسب معتقداتهم.

ويقول تربويون لمنصة “شباب هاوس”: “إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تهدف من هذه التغييرات، إلى استغلال الطاقات الشابة والناشئة كوقود لحروبها، لا من أجل التنمية والإعمار”.

ففي مادة التربية الإسلامية مثلاً، أضيف نشيد “يا ربّ”، وفيه إشارات سياسية حول العِداء للأمة الإسلامية، وكذا نشيد “القرآن”، وفيه إشارات للجهاد ومعارك الميدان، وأُضيف أيضًا نشيد بعنوان “هو الله”، وفيه دعوة للجهاد والتجنيد.
تحتوي التغييرات كذلك على ما سمته الجماعة “وسائل الدفاع عن الوطن”، لتحفيز الأطفال على “المشاركة في حماية الأمن الداخلي، والإبلاغ عن المندسين”، بحسب التوصيف، في حثٍّ واضح للطلاب بالتجسس على أهاليهم وجيرانهم.

 

تاريخ وهُوية

وبحسب بعض التقارير التي تتبعت هذه التغييرات، عمدت الجماعة إلى حذف وحدة كاملة من كتاب التاريخ القديم، اسمها “مظاهر الحضارة اليمنية القديمة”، واستبدالها بـ”القصص الحق”، بهدف إبدال الهوية اليمنية بهوية طائفية جديدة.
كما أضافت في كتاب الوطنية، ثورة الإمام القاسم 1597م، وثورة الإمام المنصور وابنة يحيى حميد الدين 1892م، وكان في المنهج السابق وحدة بعنوان “شخصيات يمنية خالدة” غُيّرت إلى “أعلام يمانية”، وحُذِف منها الإمام الشوكاني، ومحمد محمود الزبيري، وعلي عبدالمغني، واستبدلتهم بالإمام القاسم بن محمد، والرئيس إبراهيم الحمدي، والشاعر عبدالله البردوني.

 

الجامعات

أكاديميًّا، سعت جماعة “أنصار الله” لفرض السيطرة على الصروح الأكاديمية الواقعة تحت نطاق نفوذها، بإضافة مناهج جديدة، وتعديل في المقررات الدراسية السابقة، واستبدال اتحاد الطلاب بملتقى الطالب الجامعي الذي يتبعها، وإعادة هيكلة الجامعات إداريًّا وأكاديميًّا، وفقًا لِما يخدم مشروعها.
كما أدخلت الجماعة بعض المواد، مثل الصراع العربي الإسرائيلي، ومادة الثقافة الوطنية، والذي من خلالها تنشر الجماعة أفكارها الخاصة كما عمدت على تغيير مادة الثقافة الإسلامية.
يقول أحد الطلاب في كلية التجارة، والاقتصاد إن التغيير اقتصر على هذه المواد، لصعوبة تغير المواد الأخرى، لأنها تخصصية جدًّا، ولا يوجد فيها مساحة لإدخالات جديدة مثل المواد المحاسبية، والاقتصادية، وما إلى ذلك.

طلاب في جامعة صنعاء شكوا من تلقّيهم محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، بشكل إجباري أثناء تواجدهم في قاعات المحاضرات، وفي بعض مواعيد محاضراتهم يتفاجأون بدخول أحد المنتمين للجماعة لتلقينهم محاضرات من ملازم مؤسس الجماعة حسين بدر الدين.
وبحسب تقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وصندوق النقد الدولي للحقوق والحريات، فإن جماعة الحوثي تستخدم نظامًا تعليميًّا يحرّض على العنف، ويعلِّم أيديولوجيتها من خلال محاضرات خاصة داخل المرافق التعليمية الرسمية لملء الطلاب بأفكار متطرفة وتشجيعهم على الانضمام إلى صفوفها للقتال.

وكان السفير البريطاني السابق لدى اليمن، مايكل آرون، قال إن الحوثيين يغيّرون المجتمع اليمني والمناهج الدراسية في المدارس، ويسيطرون على الجامعات ويغيّرونها، ويرسلون الطلاب للدراسة في “قُم” بإيران.

وبحسب آرون، فإنه كلما مر الوقت دون إنهاء الحرب والبدء في إعادة بناء المجتمع اليمني، زاد النفوذ الإيراني في الشمال، وسيتغير المجتمع اليمني بالكامل بسبب النفوذ الإيراني وأيديولوجية الحوثيين وتقاليدهم.

 

السبيل إلى العودة

يتساءل اليمنيون عن السُّبُل الممكنة للخلاص من الوضع الذي يعيشه التعليم الأساسي والجامعي في هذه المناطق، بعد أن طال أمد الحرب، وفُقِد الأمل منها، وأصبح الجيل الجديد بذرة التحول المجتمعي.

ويعتقد أكاديميون، تحدثوا لمنصة “شباب هاوس”، بأن هذه التغييرات لا يمكن معالجتها واستعادة الهوية الوطنية، وإعادة بناء المجتمع، وغسل الأفكار الطائفية والعنيفة، في ظل سلطة الأمر الواقع التي تفرضها بقوة السلاح، حتى وإن مُورِس عليها ضغوط شعبية أو دولية، وقد حدثت وتجاهلتها، موضحين بأن هذه التغييرات لا يمكن أن تزول إلا بزوال سلطة الأمر الواقع.

ويرون أن من الواجب على كل أسرة أن تحافظ على أبنائها ومعتقداتهم، بتلقينها إياهم في المنزل، وتحصينهم تمامًا ضد الأفكار التي يتلقونها في المدرسة، وبهذا يمكن الحفاظ على الأبناء وهويتهم، ولو بشكل جزئي.