دهليزرئيسي

“جوازي بلا وصاية” بين منتقد ومؤيد

شباب هاوس.. استطلاع/ غدير طيرة

#جوازي _بلا_وصاية.. اختلفت الآراء حول هذه الحملة بين من يجد أنها تدعم حق المرأة اليمنية في حرية التنقل والسفر، وبين من يناهضها ويرى أن الإجراءات بوجود وصيّ أثناء استخراج الجوازات لا تُمثل عائقًا أمام النساء، وأن الحملة تلك ليست بمنطقية.
مؤخرًا، نظّم عدد من الناشطات وقفة نسوية حاشدة أمام مصلحة الهجرة والجوازات في مدينة تعز، حضرها جمع كبير من نساء ونشطاء وصحفيين ومراسلي قنوات، وذلك للتعبير عن سخطهم لِما يحصل من تمييز ضد المرأة في مصلحة الجوازات بتعز، والمحافظات اليمنية الأخرى.


جاءت الوقفة ضمن حملة في مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “جوازي بلا وصاية” لمطالبة وزير الداخلية ورئيس مصلحة الجوازات بالعمل بالقانون رقم 7 لسنة 1990 الخاص بالجوازات ولائحته التنفيذية، وذلك لكي تتمكن النساء من استخراج وثيقة سفر بلا وصاية من أحد، أي دون الحاجة إلى إذن من الأوصياء أو مرافقتهم.
وبالرغم من أن الحملة تهدف إلى تمكين النساء من نيل أحد أهم الحقوق المدنية المستحقة لهن، وإيصال أصواتهنّ إلى صنّاع القرار والرأي العام والمنظمات المحلية والدولية، وكل المهتمين، إلا أنها أثارت جدلاً واسعًا بين أوساط اليمنيين بين مُساندٍ وناقد، وداعمٍ ورافض، حتى أصبحت أكثر رواجًا على منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
من خلال هذا الاستطلاع الذي نفذته منصة “شباب هاوس”، نستعرض مجموعة من آراء متباينة لعدد الشباب المتابعين للحملة.



تطبيق القوانين في اليمن

سامي عبدالرزاق، والذي يعمل في مهنة هندسة الكهرباء، يقول لـ”شباب هاوس”، إن “الحملة لم تكن لتظهر لو كان هذا الحق مُصانًا ومطبقًا من الناحية القانونية ليشمل كل بالغ عاقل، بغض النظر عن النوع، فهو حق طبيعي، لا رقابة ولا وصاية عليه، كحق الحصول على شهادة ميلاد أو بطاقة هوية شخصية أو شهادة جامعية”.
ويضيف: “البعض يقوم باستخدام أو تفعيل المادة القانونية الموجودة في الدستور اليمني وقتما يريد فقط، والبعض الآخر لا ينظر إليها حالما تريد المرأة الحصول على جواز سفر؛ فالقانون اليمني إجمالاً موجود على الرفوف، ولا يتم تطبيق الكثير من مواده إلا وفق مزاج القائمين على السلطة”.
ويرى سامي أن هناك جهلاً وتجهيلاً، أحدهما بسبب ارتفاع نسبة الأمية والآخر بغرض الاستفادة من المواد القانونية بحسب المكان والزمان والمصلحة، ما يظهر في بعض الأحيان تحيزًا للذكور بما يتعلق بالقانون وعدالته عندما تكون مواده قاسية نوعًا ما.
ويتابع سامي في حديثه لـ”شباب هاوس”: “أما بالنسبة للجوازات في اليمن، هناك العديد من النساء اللواتي حصلن على جوازات دون أيّ تقييد أو وصاية في الفترات الماضية، وكتب الكثير منهن عن ذلك، فهل كان القانون عنهن غافلاً، أم أنه أخذ غفوة؟!”.

القانون يعطي الحق باستخراج جواز سفر لكل يمني


تنص المادة رقم (6) من قانون الجوازات اليمني، على الآتي: “تُصرف جوازات السفر العادية ووثائق السفر لكل من بلغ سنّ السادسة عشرة من العمر ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية، أما القصَّر فيُضافون في جواز سفر أحد الأبوين، إن كان مسافرًا بصحبته، ويجوز صرف جواز للقاصر عند الضرورة، وبعد موافقة وليّ أمره”.
يليه مباشرة “قانون الجوازات” رقم 7 لسنة 1990 الذي أعطى الحق لكل من يحمل الجنسية اليمنية أن يستخرج وثيقة سفر، عدا الأطفال دون سن 16 عامًا؛ إذ يشترط هنا – في ما يخص الأطفال – موافقة وليّ الأمر، وأيضًا المادة 3 من القرار الجمهوري رقم 2 لسنة 1994 بشأن لائحة الجوازات، ويتكرر هذا النص أيضًا في الدستور اليمني بالمادة الـ41.

إسقاط الوصاية مصطلح ذو حدّين


أما وجهة نظر د. أميرة بافضل، من محافظة حضرموت، حول الحملة فتلخصها لـ”شباب هاوس” بالقول: “لم تكن الحملة الإعلامية موفقة للأسف، ولم تخدم الجهود، وذلك باستخدام صياغة غير مناسبة للمطالبة بتنفيذ القانون في ما يخص استخراج جواز السفر.. وهنا أتحدث عن مصطلح (إسقاط الوصاية) عن الجواز! وهو مصطلح قد يتم استخدامه كسلاح ذي حدّين في مجتمع يسوده العرف والعادات القبلية”.
وتضيف بافضل: “ذلك لأنّ البحث عن حلول لأيّ مشكلة يكمن في البداية بعمل دراسة كاملة لحجم المشكلة وأسبابها، ثم تقييمها لمعرفه حجم الضرر الواقع على النساء من عدم استخراج جواز السفر لهن.. وللأسف فإنّ مطالب الحملة الإعلامية بإسقاط الوصاية عن جواز السفر دون دراسة مسبقة وإحصائيات لعدد النساء المتضررات من عرقلة استخراج جواز السفر وأسبابها ثم الجلوس مع الجهات المعنية لحل المشكلة، ولتطبيق القانون وتسهيل الإجراءات، ليست منطقية”.
وتواصل: “أما القفز على هذه الخطوات الأساسية وعمل زوبعة إعلامية باستخدام مصطلح إسقاط الوصاية فيعتبر أضعف هدف في هذه الحملة بالرغم من أن القانون اليمني يخدم الهدف الأساسي، وإن وجدت المشكلة فهي تكمن في عدم التقيد في تنفيذه”.
وفي سياق آخر، تقول بافضل: “استطعتُ أن أستخرج جواز سفري بنفسي، وذلك بإحضار الوثائق المطلوبة والرسوم المحددة، ولم أتعرض لأيّ عرقلة.. وأيضًا هناك العديد من الزميلات والأخوات ممن استخرجن جواز سفرهن بأنفسهن، مثلما أن القانون اليمني في استخراج الهوية (بطاقة شخصية، جواز سفر) واضح جدًّا، ويخدم المرأة.
وإن وُجِدت بعض العراقيل فهي فردية يتم ممارستها منذ سنوات دون أيّ شكوى، فأصبحت عرفًا مجتمعيًّا قائمًا، وهنا يظهر لنا ضعف تمكين المرأة في معرفة حقها المكفول قانونيًّا”.

لماذا الوصاية؟!


غالبية اليمنيين يرون أن من الضروري التمسك بوجود محْرمٍ أثناء سفر النساء، وعليه كان أنْ خرجت أصوات مناهضة للحملة مع اتهامات بأنها “حركة المنظمات” التي تسعى إلى “خلخلة الثوابت المجتمعية عبر استغلال الثغرات القانونية”.
أيمن إسماعيل، من محافظة الحديدة، يقول لـ”شباب هاوس”: “من حق الرجل رعاية من هم تحت مسؤوليته والوصاية عليهم بالمعروف وليس بالتسلط والقهر، ويتجلى ذلك في شريعتنا الإسلامية السمحة، ولا يوجد عظَمة بعد وصية خير الخلق وهو على فراش الموت حينما قال: أوصيكم بالنساء خيرًا”.
ويضيف أيمن: “لديّ تجربة شخصية باستخراج جواز سفر لثلاث من أخواتي، والأمور جرت بكل سلاسة، ولم يواجهن أيّ مشاكل، أما ما يقال عن تقييد لجوازات سفر النساء في اليمن، فهذا أمر غير موجود، وأما ما نفعله فهو رعاية ومتابعة من وليّ الأمر، ولا نسميه تقييدًا لحقوقهن”.

حراك نسوي مجتمعي

القائمات على الحملة لفتْنَ إلى أن إصدار تعميم “جواز سفر بلا وصاية” سيكفل لجميع اليمنيات التمتع بحرية التنقل، والحصول على وثيقة سفر دون عراقيل أو شروط، مؤكدين أن “الحملة لم تُطلق عبثًا”.
وأكدن لـ”شباب هاوس” أن ما تتعرض له النساء من “تعسفٍ” في مصلحة الهجرة والجوازات وفروعها في المحافظات منذ نحو 25 عامًا هو ما دفعهنّ إلى إطلاق الحملة.


المذيعة أمل علي علقت في حسابها على فيس بوك بالقول: “لا يمكن أن أنسى ما تعرضتُ له أثناء استخراجي البطاقة الشخصية بعد تخرجي من الثانوية، والجواز وأنا في الجامعة”.
وتضيف: “تعرضتُ حينها للابتزاز والتحرش والإهانات على مدى أيام، وبعد دفعي رشوة لأكثر من شخص، انتهى الموضوع في يوم واحد.. لا يمكن أن تتخيلوا المعاناة التي تمر بها ملايين الفتيات والنساء اليمنيات للحصول على أبسط حق في بلد من المفترض أنه بلد جمهوري، من أولى مبادئه العدل والمساواة، وحفظ كرامة وحقوق الجميع”.

قوانين تقلل من مكانة المرأة وتحرمها حقها
بدورها، تقول عايدة الأغبري، شابة من محافظة تعز، لـ”شباب هاوس”: “لقد مررت بصعوبة شديدة حينما بدأتُ بالمعاملة لقطع جواز سفر، وذلك عند حصولي على منحة دراسية خارج البلاد، ولكن لسوء الحظ ضاعت الفرصة بسبب عدم امتلاكي جواز سفر، وكان السبب الأكبر لخسارتي هي العرقلة المتعلقة بإحضار وليّ الأمر (الوصيّ)، ما جعل صدور الجواز يتأخر، حيث لم يكن الأمر بسهولة؛ فللحصول على جواز سفر يجب أولاً إخراج توكيل من المحكمة من قِبَل وليّ الأمر، إذا لم يكن باستطاعته الحضور هو إلى مصلحة الجوازات والهجرة، ثم عمل التوكيل باسم أحد الأصدقاء أو المعاريف المتواجدين هناك لاستخراج الجواز… كل هذه الإجراءات من أجل استخراج جواز سفر، فالمرأة تتحول بهذه الحالة إلى آلة اصطناعية لا تستطيع تقرير أبسط الأمور كاستخراج وثيقة قانونية، تعتبر وسيلة للتعريف بها قبل أن تكون وسيلة للتنقل”.
وتضيف الأغبري: “وبالتالي أصبحت العادات والتقاليد في اليمن أحد الأسباب التي جعلت المشرّع ينصاع إلى مثل هذه القوانين المستهترة بالمرأة وبقراراتها الطبيعية، وأصبح قطْع جواز سفر للمرأة دون موافقة وليّ أمرها عارًا على البعض، ويرون أنه من الممكن أن يسبب فضيحة للأسرة في بيئتهم ومجتمعهم، ومن الممكن أن يضع الفتاة في صورة (الفتاة السيئة)…”. 

وتختتم حديثها لـ”شباب هاوس” بالقول: “لقد اهتم الغالبية بالعادات والتقاليد والأعراف ولم يلتفتوا لأبسط حقوق للمرأة اليمنية، وهو حصولها على وثيقة جواز السفر؛ لذلك أنا لست مع الوصاية عليّ أثناء استخراجي جواز سفر، فتلك الوصاية هي أداة قامعة للمرأة تُقلل من شأنها كإنسانة بمقدورها اتخاذ قراراتها بنفسها، فهي خُلقت حُرة وستموت حُرة، ولم توجد هذه القوانين إلا لتنظم الحياة، لا لتتحول إلى أداة قمع واستبداد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى