رئيسيشبـاك

من أزقة إب إلى مهرجانات عالمية..
فيلم “عبر الأزقة” ليوسف الصباحي

شباب هاوس.. عمران مصباح

ثمة شحة في الإنتاج السينمائي اليمني، وفي حال أُنتج فيلم ما، يرافقه فقر كبير في الانتشار الداخلي بسبب قلة فرص العرض، إلا أن العروض عبر المهرجانات العالمية، وخارج الحدود اليمنية، تعطي تقديرًا من نوع خاص للمجهود الذي أُنتج فيه العمل، من قِبل الفريق القائم عليه، وكذلك للبلد بشكل عام، وفي سياق هذا الموضوع، نتناول تجربة “فيلم عبر الأزقة” الذي أُنتج مؤخرًا، وحصل على بعض العروض خارج اليمن، ومع مخرج العمل الشاب: يوسف الصباحي، والذي يجيب عن تلك العروض، وفرص العرض في اليمن، وكذلك أجواء الإنتاج، وكل التفاصيل المتعلقة بالفيلم: من الفكرة، والقصة، وسبب اختياره لها، بالإضافة للإمكانيات المتاحة، وفريق التمثيل، وكل ما يخص أجواء الإنتاج.

فكرة الفيلم

عن الفيلم المعروض، والقصة التي يتناولها، وكذلك مدته، يتحدث يوسف الصباحي، مخرج فيلم “عبر الأزقة” لمنصة (شباب هاوس)، قائلاً: “هو من نوع الأفلام القصيرة، ومدته واحد وعشرين دقيقة، كما أنه فيلم روائي، والفيلم ببساطة يحكي قصة طفل أمرته والدته بالذهاب لشراء خبز قبل الغداء بسرعة قبل أن يصل الضيوف، لكن الطفل ذو السبع سنوات، يقوم بالعكس مما طلبت منه أمه، ولا يذهب بسرعة، بل يتوه بأزقة، وشوارع إب القديمة، ويشوف الناس، كما أن الفيلم ببساطة أيضًا، هو قطعة من الحياة اليومية، لا يوجد فيه أحداث خيالية، وقصص تغيير الحياة، بقدر ما يستكشف لهجة إب القديمة، والحكايات هناك، ويعرض بشكل خفيف جزءًا من الحياة اليومية لمدينة إب، واليمن بشكل عام”.


في ما يخص الفكرة التي أراد توصيلها الصباحي في هذا الفيلم تحديدًا، يتحدث يوسف: “ما أردت إيصاله، لا أملك الحق في الحديث عنه، لأنه موجود في الفيلم ذاته، لكن الفيلم أولاً وأخيرًا، وقبل الرسائل والمعاني، وكل ذلك الكلام الكبير، هو قصة طفل كجزء من الحياة اليومية، كما أن الأهم، وما سيشعرني بالرضا، هو أن مشاهد الفيلم يشعر باستمتاع، ويجد ذاته في الفيلم، أو بالأصح ذكرياته، وحياته بشكلها البسيط جدًّا والعادي، بالإضافة إلى أن الفيلم لو حرك مشاعر من نوع ما، أيًّا كانت، ذلك سيرضيني، بغض النظر عن ما أردت إيصاله”.

لماذا “إب” بالتحديد؟
اختار المخرج يوسف الصباحي جزءًا من حياة إب، كي يعكسها في فيلم “عبر الأزقة، وعن سبب اختياره لذلك، يجيب: “السبب ببساطة لأنني من إب، والمناطق التي صورت فيها، هي لأماكن لعبت فيها في طفولتي، أو مررت منها كثيرًا، ولو كنت ولدت، وعشت طفولتي في الجحملية، أو صنعاء القديمة مثلاً لأنتجت فيلمًا فيها، وهذا الحب والارتباط فطري، ولا تفسير له، لكن – أيضًا – أجد أن إب القديمة مكان جميل، وناسها رائعون، وهذا ليس مغريًا فحسب، بل من الغباء عدم استغلال ذلك الملمح الجميل من الحياة، وإنتاجه بعمل فني”.
ولأنّ كل عمل ما، وبالأخص إذا كان فنيًّا، يقف خلفه دافع ما، وإن كان مجهولًا.. عن ذلك يقول الصباحي: “منذ فترة طويلة، وبالتحديد من بداية دراستي الجامعية، وهذا الفيلم بالذات يمثل لي حلمًا، ودائمًا ما تخيلت بأن أصور فيلمًا في إب القديمة، وأنا سعيد بأنه حصل في هذا الوقت، وليس في وقت مبكر أكثر؛ لأنه عندي نظرة ما عن السينما، بينما لو أتت لي الفرصة قبل سنتين، أو ثلاث سنوات، لن يكون هذا الفيلم بالتحديد، بل سيكون مختلفًا تمامًا، وحتى لو تأخر، كان سيختلف، لكني سعيد بالعمل فيه بهذه اللحظة”.
وعن الأسلوب الذي اتخذه في مسار الفيلم، يضيف الصباحي: “اتخذت أسلوبًا غير مثقل، ولا محمل بأشياء كثيرة”.

عن عروض الفيلم
يعاني اليمنيون المشتغلون في الجانب السينمائي من قلة العرض لمنتجهم الفني، في ظل بلد بلا سينما، إلا أن فيلم (عبر الأزقة)، والذي أُنتج قبل فترة قصيرة، حصل على بعض العروض الخارجية، يتحدث عن ذلك يوسف: “الفيلم حتى اللحظة عرض في مهرجانين، مهرجان ساينت لويس الدولي، في نسخته الرابعة والثلاثين، والمهرجان العربي للسينما في أمريكا، تقريبًا في نسخته الرابعة والعشرين، كما أن هناك عرضًا في الوقت الحالي سيتم في مهرجان البحر الأحمر، وهو العرض الثالث، وما زلنا نتوقع عروضًا أكثر في المستقبل، وبالتحديد عبر المهرجانات”.
عن العرض الداخلي للأفلام، والتي لا تتاح فيه الفرصة إلا نادرًا، يقول المخرج الصباحي: “نأمل بأن يكون هناك نسخ مصغرة للمهرجانات تقام داخل اليمن، وهناك محاولات منذ العام السابق، وما قبله، لإقامة مهرجانات في اليمن لصنّاع الأفلام، ونحن نأمل أنه في هذا العام، أو العام القادم تقام مهرجانات، ويعرض عبرها الفيلم، أو عبر فرص أخرى، كما أننا أيضًا عندنا خطط بديلة، ففي حال لم يحدث ذلك العرض، سنحاول الترتيب لعروض صغيرة بطريقة ما، لأنه مهم أن الناس تشوف الفيلم، بل إن ذلك غاية قصوى للفيلم”.

الفيلم: بين الإمكانيات المتاحة والرضا عنه
أما مدى رضا المخرج يوسف الصباحي عن فيلم عبر الأزقة، يقول: “لا أستطيع القول إنني راضٍ، أو لست راضيًا، الموضوع أكثر تعقيدًا، كما أنني مدرك بأنه تنتاب الشخص مشاعر وقت الإنتاج بأنه كان يمكن عمل شيء أفضل في هذا المشهد أو ذاك، لكنك تصل إلى نوع من التصالح مع شكل الفيلم الذي ليس صناعتك أنت وحدك، بل السياق الذي أنت صنعت فيه الفيلم، وهذا بصرف النظر عمّا إذا كان جيدًا، أو سيئًا؛ لكنه يمنح الفيلم خصوصيته”.
من المعروف أن صناعة الأفلام في اليمن لم تقطع الكثير من الخطوات، بل ما زالت في بدايتها، وهذا يجعل من الإمكانيات المتاحة بمستوى بسيط.. عن أمنيات يوسف الصباحي في العمل ضمن إمكانيات أفضل، يرد: “بكل تأكيد، كنت أتمنى أن ينجز العمل في ظل إمكانيات، ومعدات أفضل، وميزانية أكبر، لكن – حرفيًّا – الفيلم هذا بجهود ذاتية، ودعم الوالد، وكذلك دعم الأستاذ فواز الرياشي – رئيس الجالية اليمنية في كاليفورنيا.
وبشكل عام الميزانية كانت صغيرة؛ إذ إنها لو كانت بشكل أفضل ستصنع لك بالطبع خيارات أوسع، لكن هذا هو الفيلم، وأعتقد أن شكله الحالي، يجعله ابن المرحلة”.
بالتأكيد أن كل منتج يتمنى العمل بأدوات أفضل، لكن بعيدًا عن الإمكانيات التي أنجز في ظلها الفيلم، يقول الصباحي: “طاقم العمل كلما كان أكبر، كلما خفف الضغط على الفريق، وتعد هذه فرصة لكي أشكر الشباب الذين ساعدوني في صناعة الفيلم، الشباب الذين وقفوا معي، ومعظمهم أصدقاء نزلوا طواعية حب في الفيلم والقصة، وقدموا كل ما عندهم، بل وأكثر، وهذا الفيلم تم بسببهم، وأنا مدين لهم”.
بشكل عام، يتجنب يوسف الصباحي استحضار ميزات الفيلم، أو إخضاعه للنقد الذاتي، قائلاً إن ذلك يعود للمشاهد فقط.. ويضيف: “الاعتقاد بأن لدى الناس الوقت لكي يعبروا عن رأيهم اتجاه الفيلم، قد يكون فيه بعض الادعاء، لكن بشكل عام، كما قلت سابقًا، يكفي بأن يصنع الفيلم مشاعر من أيّ نوع كانت في داخل المُشاهد”.

أجواء الإنتاج ومعاناته
في ظل وضع صعب، تتضاعف فيه معاناة كل من ينتج عملًا فنيًّا في اليمن، يتحدث المخرج يوسف الصباحي عن تجربته، قائلاً: “بالتأكيد كانت مليئة بالمعاناة، لكنها لا تختلف عن كل معاناة يتعرض لها كل المخرجين في اليمن، والسبب يعود لأن ثقافة البلد ما زالت غير منتشرة، كما أن هناك تشديدًا على الإنتاج، وهذا يجعل كل إنتاج هو معاناة بحد ذاته، وهناك قصص تعتبر كوميديا سوداء”.
وعن فريق التمثيل، يتحدث الصباحي، قائلاً: “جميعهم من إب القديمة، تحديدًا حارة الجاءة، باستثناء شخصية الأم، وكانوا يتعاملون مع الفيلم بكرم بالغ، وبجدية مذهلة، وهؤلاء أشخاص عمرهم ما قد وقفوا أمام كاميرا، ومع ذلك يتعاملون مع الأداء باحترافية، ويأخذون المشروع على محمل الجد، وهذا شيء ملهم بالنسبة لي، وأنا مدين لهم لأنهم كانوا على قدّ التحدي، وأشعر بالفخر بهم”.
ويختتم المخرج يوسف الصباحي، منتج فيلم عبر الأزقة، حديثه لـ”شباب هاوس”، عن الجو الذي عاشه في إنتاج الفيلم، قائلاً: “المذهل في الموضوع، هو ذلك التكاتف الذي يحدث معك، وأعتقد أن عملية الإنتاج البصري في اليمن تكتسب حميمية مميزة، لأنه فيها ذلك الجو التعاوني، حتى أنك مثلاً لا تضطر لاستئجار فندق، وتقوم باستضافة طاقم العمل كله في منزلكم، وتجتمعون على وجبة الغداء من طبخ الوالدة، وتبقون مع بعض، تتناقشون في أمور مختلفة طول اليوم، عن العمل وغير العمل، ذلك الجو يصنع للعمل نكهة مختلفة، ومشاعر قد لا تجدها حتى في أعظم الأعمال الإنتاجية التجارية في العالم”.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى