رئيسيصـالون

محمد القحوم..مفتاح دور الأوبرا العالمية للموسيقى اليمنية

شباب هاوس/ عمران مصباح

هناك إرث ثري في مخزون الفن اليمني، لا شك في ذلك، وقد صنع تراكمًا غنائيًّا كبيرًا للبلد، استفاد منه الجيل الجديد من الفنانين، وأطرب المستمعين المحليين بما فيه الكفاية، إلا أنه أصبح يتطلب العمل عليه لكي ينتشر خارج الحدود الجغرافية اليمنية بشكل أكبر، بالإضافة إلى إنقاذه من التقادم، وتقديمه بوسائل حديثة، وبشكل يلقى القبول من الأجيال المعاصرة، ولأجل هذه المهمة، وجد الكثير من الشباب الذين يحاولون بطرقهم المختلفة الاشتغال على هذا الموروث، أحد هؤلاء وأبرزهم، المؤلف الموسيقي الشاب، محمد القحوم، والذي عرف بالسيمفونيات التراثية..

في هذا السياق، أجرينا في “شباب هاوس” مقابلة حصرية معه، ابتدأنا بالتطرق لمعرفة خلفيته، وتجربته الموسيقية، مرورًا بالنقاش عن التراث الفني اليمني، والإنتاجات الشبابية الجديدة، وانتهاء بفعاليات السيمفونيات التراثية، لمعرفة هدفها، والإضافات التي يدخلها على التراث في هذه العروض، إضافة إلى الجديد الذي سيقدمه في قادم الأيام.

البداية والتجربة

انتشر اسم محمد القحوم عبر السيمفونيات التراثية أكثر، لكن هذا الظهور لم يأتِ إلا بعد عمل طويل في مجال الموسيقى، حصل فيه ابن حضرموت على تراكم كبير، جعله مؤهلًا لفكرة الخوض في مغامرة العمل على التراث.. يتحدث المؤلف الموسيقي محمد القحوم عن الطريقة التي حصل فيها على خبرته، قائلاً: “جزء منها، حصلت عليه عبر التعليم الأكاديمي، من خلال كورسات في كلية التربية الموسيقية، بالقاهرة – حلوان، توزيع موسيقي، كما درست تأليف وقيادة موسيقية في المعهد الوطني بعمان – الأردن، والجزء الأخر اكتسبته بالتجربة، واستدامة الممارسة، لأن شغفي بالمجال ابتدأ منذ سن مبكر، تقريبًا عندما كان عمري 13 سنة”.

بعد 19عامًا من العمل بشكل متخصص، وتحديدًا منذ 2004م، أصبح لدى محمد القحوم تجربة ثرية، يتحدث عن أبرز ما يقدم، قائلاً: “عملت كثيرًا في مجال الإنتاج الموسيقي سواء للمسلسلات، أو للأفلام، لكن الأهم ما عملت فيه مؤخرًا عبر مشروع السيمفونيات التراثية، وقد أقمت ثلاث فعاليات حتى الآن، الأولى في كوالامبور 2019، وفي القاهرة 2022، وفي باريس 2023”.

ويضيف أن لديهم الكثير من الفعاليات التي سيقدمونها.. مختتمًا بالقول: إن أهم ما في هذه الحفلات، أو بالمجال الموسيقي بشكل عام، هو قدرتك على تقديم رسالة سامية تصل بها إلى الجمهور.

عن التراث الفني اليمني

لدى اليمن تراث ثري في مجال الفن، وهذا بإمكانه أن يمد الشباب بالكثير، سواء لتجديده والعمل على انتشاره أكثر، أو للإضافة عليه، يتحدث القحوم عن الفن اليمني، وكيف يمكن للشباب أن يستفيدوا منه، قائلاً: “لدينا فن غزير، ومتنوع، وزاخر، وهذا بإمكانه مساعدة الشباب كثيرًا، وهناك نوعان من الشباب، البعض منهم ذهب لتقديم شيء جديد، وآخرون حافظوا على الفن القديم، وبقوا يغنونه بصورة جميلة، أو يحدثونه، أو يقدمونه بشكل أوركسترالي، وجميعهم على صح، لأنه بشكل أو بآخر، هذا النشاط يخدم الفن اليمني، كما نتطلع للمزيد من العمل الفردي والجماعي، لأنه لا يمكن لأي شيء أن ينجح دون جهد، سواء الفن أو غيره”.

القحوم كأحد أبرز الشباب الذين يقدمون التراث الفني اليمني بشكل جيد، وقد أقام ثلاث فعاليات شهيرة خارجية لأجل ذلك، والتي أطلق عليها السيمفونيات التراثية، يتحدث عنها، وما يقدمه فيها، قائلاً: “في كوالامبور كانت عبارة عن ست مقطوعات من اللون الحضرمي، وفي موسوعات القاهرة تسع مقطوعات من عدة ألوان يمنية، وفي حفلة باريس توسعنا أكثر، وقمنا بإضافة ألوان جديدة، وجميعهم مشروع واحد، أقوم فيه بتقديم مقطوعات موسيقية، مستوحاة من ألوان تراثية، مصاغة في قالب أوركسترالي”، وطبعًا هذه الفعاليات خلفها الكثير من الجهد، يصل فيه عدد الفريق إلى 350 شخصًا، وعمل يتجاوز أربعة أشهر.

السيمفونيات التراثية: الحلم وتحقيقه

من خلال متابعة ما يقدمه عبر السيمفونيات التراثية، بكل تأكيد أن لدى القحوم رؤية فنية واضحة، وعُكست واقعيًا.. عن تشكلها، وما الذي لديه، يقول: “لدي مشروع فني واضح جدًّا، وأقدم نوعًا فنيًّا واضحًا، وبالرغم أنني ابتدأت بالتأليف الموسيقي، والأعمال التجارية الخاصة، وما إلى ذلك، لكن مشروع السيمفونيات تحديدًا، كان لدي تصور مكتمل عنه، وكل ما أقوم به الآن، رسمته في ذهني مسبقًا، وأتمنى المضي به حتى النهاية، مع تطويره في كل مرة أكثر، لأستطيع إعطاء صورة جيدة عن الفن اليمني”.. ويضيف أن الداعم الثابت، والدائم لمشروع السيمفونيات التراثية يتمثل بمؤسسة حضرموت الثقافية.

عن تقييمه لما قدمه حتى اللحظة، وفيما إذا كان قد حقق ما يريد، يجيب القحوم: “بشكل عام أنا شغوف بالموسيقى، وأريد تقديم رسالة عبره، وبالفعل استطعت إيصال الرسالة التي أريدها، بالإضافة إلى أنه حققنا أهدافًا أخرى، أهمها، تكوين قاعدة جماهيرية نتج عنها تواصل من قبل دور أوبرا من أماكن مختلفة بالعالم، وتطلب منا تنفيذ هذه الفعاليات عندها، بشباك تذاكر، وقد كنا ماضين في الطريق، وكان هناك حفلة في الكويت، تم فيها بيع كل التذاكر، وهذا مؤشر إيجابي، قبل أن يتم التأجيل إلى ديسمبر بسبب أحداث غزة”.

ويضيف بأن هناك فعاليات متعددة، ستشمل مناطق مختلفة بالعالم، وسيعلن عنها في وقتها، وقد أعلن عن فعالية دار الأوبرا السلطانية في مسقط، كما يخص “شباب هاوس”، بالخطوة التالية، والتي يتم الترتيب لها، قائلاً، بأنها ستكون في أمريكا، وعند إتمام ما تبقى من الإجراءات اللوجيستية، سيتم نشر باقي التفاصيل.

لمعرفة الإسهام الموسيقي الذي يقدمه القحوم عبر السيمفونيات التراثية، أي الإضافة الموسيقية الخاصة التي يقوم بها على الأعمال التراثية، يقول القحوم: “أشتغل مقطوعات بشكل فني معين، ممكن القول بأنه خاص بي، أقوم فيه باستلهام المقطوعات من ألوان تراثية، أو إيقاعات معينة، وأصيغها بقالب أوركسترالي يعتمد على خطوط الهارموني الأوركسترالية مع الجمل التراثية، وسواء كانت من تأليفي، أو مأخوذة من جمل تراثية معروفة، روحها تبقى تراثية”.

ويضيف: بأن الجديد في الموضوع يكمن في أن الآخرين ممن ليس لديهم معرفة بتراثنا، أصبحوا يسمعون شيئًا جديدًا، يمزج التراث بالأوركسترالي، وهو شيء مفهوم، ومستساغ أكثر.

للتوضيح أكثر، وتحديداً لغير المتخصصين في الموسيقى، يعرف القحوم للجمهور دور الإدخالات العملية التي يقوم بها في هذه العروض، كـ “الأوركسترا، الهارموني”، قائلاً: “الأوركسترا عبارة عن الفرقة الموسيقية، وتتكون من مجموعة عوائل موسيقية (الوتريات، عائلة النفخيات الخشبية، عائلة النفخيات النحاسية)، وكل عائلة تتكون من مجموعة آلات، فمثلاً الوتريات تتكون من الكمنجات، والفيولا، والتشيلو، والكونتر باص، وما إلى ذلك، لذا فكرة عمل الأوركسترا أن مجموعة الآلات الموسيقية تعزف لحنًا غير المجموعة الأخرى، ولكن يشكلوا مع بعض صوتًا منسجمًا وجميلًا ( صوت تكاملي هارموني)، ومن هنا سنعرف الهارموني، والذي هو الانسجام بين العوائل، والآلات الموسيقية بشكل يجعلك تسمع الموسيقى بطريقة رائعة وشكل جميل”.

آراء الجمهور: الكثير من المدح، القليل من النقد

يتلقى المؤلف الموسيقي محمد القحوم الكثير من المدح عما يقوم به، لكن، وككل الأعمال، يتعرض لبعض الانتقادات أيضًا، أو يمكن تسميتها بالملاحظات.. في هذا السياق، يوضح بعض النقاط التي تنشر عنه، قائلاً: “بشكل عام، الانتقادات حالة صحية جدًّا، وكل مشروع يتعرض لانتقاد، وكذلك للإشادة، والجميل في مشروعنا أن الحديث الإيجابي هو الأكبر، بل يصل إلى تسعين في المئة، والانتقادات هي مهمة، ونتفهمها، ونستوعبها، وتساعدنا في التحسين من عملنا”.

هناك انتقادات محددة قدمها الجمهور على شكل آراء شخصية، وكان من المهم نقلها للقحوم، وهنا يرد عليها، قائلاً: “الانتقادات في ما يخص اختيار الموسيقيين غير سليمة، لأن كل الموسيقيين الذين نختارهم، يقدمون ما عليهم بكفاءة عالية، وهذا ليس حديثي، بل حديث كل المتخصصين الذين نعمل معهم، وكل من سيحكم بشكل متجرد، كما أن الاختيار يتم على حسب الاحتياج، فكل مقطوعة تحتاج إلى آلات معينة، ونحن نقوم باختيار موسيقيين متخصصين لهذه الآلات، ولدينا معيارين أساسيين: كفاءة الشخص، وقدرته على العمل رفقة الفريق”.

أما عن الانتقاد بأنه يقدم التراث، ولا يضيف شيئًا، فيجيب: “هذه آراء شخصية طبيعية، لكننا نقوم بتقديم شيء نعتبره مهمًّا، ومن حق الناس أن تعجبهم، ومن حقهم ألّا تعجبهم، لكن، بالمقابل نجد آراء إيجابية مختلفة، وجميع الآراء محل ترحيب، وبالأخص الآراء التي تساعدنا على تقديم الأفضل”>

دور الشباب في الفن اليمن

هناك مواهب جديدة أمامها فرصة الاستفادة من هذا التراث، لتقديم شيء بمستوى عالٍ.. عن مدى إمكانية تحقيق هذا الأمر، وهل بإمكانهم تقديم إنتاجات جيدة، يقول محمد القحوم: “هناك مواهب عدة رغم كل الظروف السيئة التي تمر بها البلد، وعدم وجود الدعم، والموارد، إلا أنهم يقدمون نموذجًا رائعًا جدًّا، يقدم مواهبهم، والتراث معًا، وعلى مختلف الأصعدة الفنية، وتحديدًا، الموسيقية، والغنائية”.

ويرى بأن ما يتم تقديمه إذا ما تم مقارنته بالوضع، وقلة الإمكانيات، فهو أكثر من المتوقع بكثير.

ويختتم القحوم حديثه برسالة مهمة للشباب، قائلاً بأنه يجب على الجميع الاستمرار في العمل على تطوير الفن اليمني، وتقديم الجديد المواكب، والمتطور، مع إظهار القديم المليء بالثراء، لأجل نقول للعالم بأن لدينا ما ننافس به، وعن طريق الفن والموسيقى نعكس صورة جميلة عن بلدنا التي بقيت تعرف بالحروب، والصراعات.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى