جمال طه
انتقلتُ بعد زواجي للسكن في شقة صغيرة وسط حيّ تبدو عليه آثار رُقي قديم مطموس الملامح، و فاقد لصفات الأحياء الراقية، لكنه وبرغم ذلك ما يزال يحتفظ ببعضها ليثبت لنا – ربما – أنه لا يكذب، وأنه فعلاً كان “ابن عز” لولا الظروف ومنعطفات البلاد الخطيرة التي سلكناها منذ اليوم الأول للكرة الأرضية.
هنا لا يلعب الأطفال في الشارع.. لا كرة قدم، ولا صراخ، ولا أحذية فارغة تلعب دور المرمى. لا ألعاب نارية، ولا مشاكل بين الجيران.
لا جيران هنا باستثناء عائلة المؤجر الطيب، لا جيران غيرهم، حتى “فاروق”!.. أي نعم حتى فاروق. هو صاحب “البقالة” البعيدة نسبيًّا عن منزلي.. يحفظ الوجوه ويتعامل بودّ مع الجميع لدرجة أنه أخبرني بعد فترة قصيرة، ودون أنْ يخضعني لاختبار تحديد مستوى في الذمة والأمانة والثقة، بأنني قد أصبحت وبصورة رسمية زبون VIP، ويحق لي أخذ ما يلزمني من البقالة في أي وقت سواء قمت بدفع الحساب في حينه أو في نهاية الشهر. شعرت حينها أن فاروق قد أصبح رسميًّا أول جيراني خارج أسوار “العمارة”، وفورًا بادلته الوفاء بالوفاء، وقمت بترقيته إلى رتبة (جار VIP).
فاروق العزيز، ورغم أنّ صداقتنا ثابتة، لكنه لا يحفظ الأسماء. يناديني كل يوم باسم جديد حسب الظروف السياسية والاقتصادية والمناخية والدينية في البلاد.
لا يسجّل ديوني في دفتره لأنها في الغالب بسيطة ولا أتأخر عن سدادها أكثر من يومين.
اليوم وفي رأس السنة الهجرية ناداني بـ محمد.. وقبلها كان اسمي حسين، وفي موسم الأعراس يناديني بصفات تثير القلق مثل (يا قلبي).. في موسم الأمطار اسمي غيث، وفي ليالي دوري أبطال أوروبا يصبح اسمي صلاح، وفي موسم الحج عرفات، وفي رمضان يوحد أسماء الزبائن ويناديهم جميعًا باسم اللهم إني صائم، أو استغفر الله العظيم..
ما الذي كنت أريد قوله؟ لقد نسيت…
لحظة، لقد تذكرت.. الهدوء هو السمة السائدة في الحي ليلاً ونهارًا.. في ليالي رمضان وصباح العيد. الهدوء المبالغ فيه.. الهدوء خليل الأثرياء وصاحبهم. الهدوء لا ينسى.. ما يزال واقفًا بمدخل الحارة منذ سنين ينتظر عودة أصحابه الحقيقيين. نحن بالنسبة له مجرد دخلاء ومستوطنين، وسنعود إلى مكاننا الطبيعي عمّا قريب.
الهدوء هنا مُبالغ فيه.. يحكم كل زاوية في الحارة إلا رأس فاروق المزحوم بالدوشة والنسيان.
الله عليك ياااا ريس
محباااات
الله
وبصفتي من سكان الحي العتيقين
لا توجد كلمات يمكنها ان تصف حال الحي مثل كلمات المبدع جمال طه (الريس)
حقا مازلت هنا على حافة الشارع انتظر الهدواء والاحبه.
الله الله رائع ماكتبت منتظر المزيد
الله