كتب/ جمال طه
مساء الخير أيها الوطن الجميل.. أكتب إليك من القاهرة.. الأجواء جميلة للغاية.. إنها الواحدة بعد منتصف الليل، والناس هنا يرتدون القمصان الصيفية العادية.
درجة الحرارة العالية هنا لا تطاق.. الجميع يحاول أن يخرج من هذا الصيف بأقل الخسائر الممكنة من العطش.. الجميع في هذا المكان الذي أجلس فيه منذ ساعتين يرتدون ما خفّ وزنه، وغلا ثمنه، وأنا أحاول قدر الإمكان أن أظهر ماركة القميص الذي أرتديه.
أتذكرك أيها الوطن، ويحملني الشجن الكبير إليك.. قد أبدو مأفورًا “أي بالغت” نوعًا ما لأنني سأعود إلى أحضانك بعد أسابيع.. الأمر لا يستدعي كل هذا الحزن والاشتياق.
بقيت لأيام أتساءل بيني وبين نفسي لماذا أشتاق إليك رغم أن البُعد حالة مؤقتة، لكنني اكتشفت أن هذا الاشتياق ساكن بداخلي منذ سنوات، حتى وأنا معك.. لقد فقدتك دون أن أنتبه.. فقدتك منذ حاصرتك الهموم الكبيرة والمتاعب، منذ أن أصبح صاحب العِقال وصاحب القميص المُغلق أوصياء عليك.. أوصياء علينا جميعًا.. لا أفهم كيف يتحمل سفير العِقال وسفير القميص المُغلق درجة الحرارة العالية.. يقفون بثبات بملابسهم المرتبة، يصدرون لك الأوامر والأحكام.. يتعرقون وتصعد رائحتهم، ولا ينفر منهم أحد!.
إنه الصيف أيها الوطن الفارغ من الأمل.. ليالي الأغاني والاحتفالات.. مهرجانات التسوق والأفلام.. متى ستنام؟ أين ننام؟.. نحن هنا في العراء، نستظل خارج بابك الموصود، ونأمل الدخول.. السفراء في الداخل ينهشونك، يعاتبونك ويحكمونك.. يدسون سم الموت في بقاياك، ويلعنون أحلامك.. يبدو أنني قد (أفورت) أي بالغت.. متى نستريح؟ متى تخف الريح؟ السفير بقميصه المحكوم بالأزرار.. والسفير الذي لا ينام إلا بالعقال.. متى يموتون؟ متى يرحلون؟ هل أفورت؟ أقصد هل بالغت؟.. إنهم يقفون بثبات بملابسهم المرتبة، يصدرون لك الأوامر والأحكام.. يتعرقون وتصعد رائحتهم.. ولا ينفر منهم أحد! حتى أنت..!!