دهليزرئيسي

(أيلول صنعاء وتشرين عدن) توأمة الكفاح وروح الثورة

“شباب هاوس”
تقرير/ عصام علي

قرن ونيف من الاستعمار البغيض، الذي أذاق اليمنيين في جنوب الوطن ويلات وويلات؛ لتجيء ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963، وقد انطلقت أولى شراراتها من جبال ردفان جارفة كالسيل، مُزيحة ليل العبودية، ومؤذنة ببزوغ شمس الحرية للشعب اليمني الأبي في الجنوب.

 وها هم شباب اليمن، شمالاً وجنوبًا، يحتفلون بالذكرى الثامنة والخمسين لثورة أكتوبر المجيدة، ذكرى النضال والخلاص، ذكرى رحيل الاستعمار البريطاني إلى الأبد عن التراب اليمني الطاهر.

ومع هذه الصراعات التي تعيشها اليمن في العقد الأخير، يتساءل البعض عمّا إذا كانت هذه الرابطة النضالية الوثيقة بين صنعاء وثورة أكتوبر في عدن، ما زالت تحتفظ بالزخم الثوري الفرائحي.

 

موكب التحرير ألّفت القلوبا

تحتفظ ذاكرة اليمن واليمنيين بأعظم حدثين تاريخيين، صنعا الفجر الجديد بشطريه الشمالي والجنوبي، وقد شكّل خلالهما شبيبة وطلبة الشطرين أنموذجًا للنضال الثوري منذ أربعينيات القرن الماضي، وحتى قيام الثورتين الخالدتين.

ولا يمكن أن نذكر الثورة السبتمبرية دون ذكر عدن التي آوت الثوار والمناضلين من الشمال، ودور طلابها المبتعثين ومشاركتهم مع رفاقهم طلاب الشمال في الندوات والفعاليات الدبلوماسية ونقل معاناة الشعبين للعالم.

كما لا يمكن ذكر ثورة أكتوبر، دون ذكر تعز التي كانت معسكرًا لثوار الجنوب، ولا الشيخ راجح لبوزة صاحب أول طلقة رصاصة ضد الاستعمار من جبال ردفان بعد مشاركته في معارك التحرير بصنعاء وحجة، ومعسكره الذي أقيم في تعز، وتشكيل جبهة التحرير الوطنية ضد الاستعمار بدعم القيادات الجمهورية الشمالية، ومكتبها الذي كان مقره في تعز أيضًا.

 

وتوحدنا شمالاً وجنوبًا

ولكن رغم هذا الانسلاخ السياسي الذي تعيشه صنعاء في الآونة الحالية من زيها السبتمبري الجمهوري مجبرةً ومكرهةً، إلا أن ثورتي سبتمبر وأكتوبر تبقى خالدة في قلب كل شاب يمني يقطنها، وكيف لا، وهم أبناء أيلول صنعاء وتشرين عدن؟!

يقول الشاب محمد عبدالمغني، لمنصة “شباب هاوس”، وهو شاب ينتمي إلى شمال اليمن: “إذا تحدثنا عن صنعاء كشارع ومجتمع، فهم يشاركون عدن في كل مناسبة منذ القدم، إنها مشاعر نضالية مشتركة لم تتشكل اليوم فقط، بل منذ انطلاق ثورة أكتوبر في عدن”.

محمد بانتمائه إلى شمال الوطن يؤمن بأن الثورة الأكتوبرية لم تكن مجرد مسار نضالي خاص، خاضت معركة مسلحة مع القوات البريطانية، بل كانت نتيجة تنسيق وتكامل بين ثوار سبتمبر في الستينيات وثوار أكتوبر، وأسست مجتمعات متكاملة شمالاً وجنوبًا، ومشاريع تاريخية نقلت الشطرين من عصور الظلام إلى النور، وذلك نتيجة النضال المشترك.

ويعتقد بأن مشاركة صنعاء في الاحتفال من قِبل سلطاتها منزوعة الاعتراف، والحديث عن أيّ شكل من أشكال النضال التاريخي من قِبلها، ما هي إلا مغالطات عبر إعلان التمسك بالنضالات التاريخية أمام الناس، بدليل واقعها العقائدي المدعوم من دول الإقليم والمعادي للجمهورية، واغتصابها السلطة بقوة السلاح منذ العام 2014.

ويرى الحقوقي أكرم المجاهد، من أبناء تعز، بأن ثورة أكتوبر هي امتداد لثورة سبتمبر، “ثورتان بروح واحدة، ونحن الشباب من أبنائها وتلاميذها، كانت وما زالت ثورة عدن معلمًا وعيدًا سيحتفي به كل أبناء شمال الوطن، الذين تعلموا منها معاني البطولة والنضال الثوري ضد الاستعمار الغاشم.

وتمثل ثورة 14 أكتوبر لأكرم والكثير من الشباب في شمال الوطن، ثورتهم الأم أيضًا، فلا يمكن التفريق بينها وبين ثورة سبتمبر، وشباب هذا الجيل، وريث هذين الحدثين العظيمين.

 

تشرين عدن

عدن قلب الجنوب النابض وملتقى الثوار، ومدرسة النضال العريق، فوهة البركان الثوري الأكتوبري، وحاضنة النضال السبتمبري، تأثر أهلها بالخطابات الثورية في المنطقة، والتي كان لها دور في تنامي مشاعر الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني.

الناشطة رندا محمد، من فتيات عدن، تتحدث عن هذه المناسبة، قائلة: “ثورة أكتوبر حدث عظيم، لأنها كانت  شعبية خالصة، ثارت كبركان ضد الاستعمار والاحتلال الذي دام لأكثر من 120 عامًا، وكانت رد اعتبار ومُستقبل للجميع، خاصة للشباب الذين جاءوا بعدها”.

وتضيف رندا لـ”شباب هاوس”: “نحتفل بها الآن رغم كل الذي نمر به، لأننا في أشد الحاجة إلى إعادة روح النضال الأكتوبري، والتآخي الذي كان سببًا للنصر في الثورة”.

وعبّرت رندا عن رفضها وامتعاضها من بعض الأصوات التي أصبحت اليوم تبجّل الاستعمار البريطاني وتتمنى عودته، مشيرة إلى أن تلك الأصوات ما هي إلا تعبير عن غضب ورفض للوضع الذي آلت إليه الأمور في الجنوب حاليًّا، مؤكدة أنه لا أحد سيقبل بعودة المستعمر من جديد.

الشاب أحمد السويدي، من أبناء عدن، من جانبه يقول إن ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول ستبقى علامة فارقة في ذاكرة الشعب، ففيه استطاع كسر القيود والتحرر من الاحتلال البغيض واستعادة كرامته وحريته والسيادة على أرضه.

ويضيف السويدي لـ”شباب هاوس”: “أن الانظمة التي تقلدت الحكم بعد خروج الاحتلال البريطاني فشلت في تحقيق آمال الشعب وتطلعاته في بناء دولة متقدمة حديثة دفعت بالكثير من الشباب للحنين إلى الاحتلال البريطاني نتيجة لفشل الأنظمة بتلبية احتياجات الشباب واحتوائهم”.

السويدي يرى في ثورة أكتوبر، التي وصفها بـ”المجيدة،” بأنها تمثل الكثير للشعب عامة، والشباب خاصة؛ كونها علامة مضيئة في تاريخ اليمن الحديث، وعنوانًا بارزًا لعزة وكرامة وشموخ الشعب اليمني، ولإرادته الحرة التي لا تقهر، وترفض الضيم والخنوع والاستسلام.

جاءت ثورة 14 أكتوبر لتكون امتدادًا لثورة 26 من سبتمبر، وكنتيجة حتمية لكون هذا الوطن لا يستطيع التنفس برئة واحدة، ولا التحليق بجناح واحد، فكانت الثورتان اللتان جاءتا نتيجة النضال المشترك للشباب والطلاب والأحرار، داخل وخارج الوطن، لتشكّلا النواة الأولى لوحدة شعبين عاشا الظلم سويًّا، وتقاسما النضال والحرية والكفاح سويًّا أيضا.

ولعدة عقود ظلت صنعاء ترتدي زي الأفراح ابتهاجًا بالنصر الثوري في عدن، كما كانت عدن، وما زالت، تبتهج بذكرى شعلة الثورة السبتمبرية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى