شباب هاوس.. عصام علي
من بين الركام تنبت زهرة، ومن الشقوق التي صنعتها آلة الحرب على أسوار المدينة، تزهر الدنيا بألوان الحياة.
أربعة مصورين من أبناء عدن يصنعون أملاً جديدًا بعودة الفنون الإبداعية والفعاليات الثقافية إلى مدينتهم، بعد افتقادها لسنوات.
يأتي معرض صوّارة الفوتوغرافي، والذي أقيم الأسبوع الماضي في مقر نقابة المحامين بمدينة عدن، واستمر لثلاثة أيام، كأول معرضٍ فوتوغرافي ثقافي بأسلوب ستيل سيريز، لصور تتحدث عن قضايا المجتمع والإنسان.
المعرض الذي نفذته مؤسسة عدن أجين الثقافية، بالشراكة مع معهد جوته الألماني، ضمن الشبكة الثقافية اليمنية، يعد الأول من سلسلة معارض ستقام ضمن مشروع ريجاثرد لتدريب وتأهيل الفنانين في ثلاثة مجالات، هي (الرسم، والتصوير، والديجتال آرت).
ضم المعرض 43 عملاً فوتوغرافيًّا حصريًّا ضمن 16 سلسلة فنية، وشارك فيه أربعة مصورين من أبناء عدن، هم: مبارك سعيد، علي الحرملي، صالح باحليس، وأحمد العبّادي.
تنوعت الأساليب ما بين تصوير مفاهيمي، فاين آرت، حياة شارع، ستيل لايف، وغيرها من فنون التصوير.
ملامسة وجدان الناس
في حديثه لمنصة “شباب هاوس” قال مازن شريف العدني، مؤسس ومدير تنفيذي لمؤسسة عدن أجين الثقافية، إن معرض صوّارة هو الأول من نوعه في عدن من حيث استخدم طريقة العرض كسلسلات فنية، مشيرًا إلى أن كل سلسلة تضم مجموعة صور، تناقش العديد من القضايا المجتمعية التي تلامس وجدان الناس، مثل التأقلم مع وضع الحرب، الهوية اليمنية والقيود التي تفرضها على جيل الشباب، فقدان الديار والأهل بسبب الحرب، الهجرة، مشاعر المخاوف، العزلة، التراكمات الداخلية.. وغيرها.
ويوضح شريف أن الهدف من المشروع إنعاش الوضع الثقافي في مدينة عدن المنهكة ثقافيًّا، والمفتقرة إلى الفعاليات الفنية، وهي المدينة التي لطالما عرفت بريادتها في المجال الثقافي والفني.
ويضيف: “كما يهدف المشروع لجمع فنانين وتدريبهم وتأهيلهم حول الإدارة الفنية، ومن ثم تتم عملية إنتاج عمل فني من قِبل المتدربين، تليها مرحلة عرض الأعمال الفنية التي أنتجوها، فيصبح الفنان قادرًا على إقامة معارضه الخاصة مستقبلاً على ضوء الخبرة التي يكون قد اكتسبها من تنظيم معرض فني بإشراف عدن أجين”.
من قاعة مهجورة بدأ التحدي وتحقق النجاح
التحديات التي واجهتها “عدن أجين”، بحسب مديرها التنفيذي، كان من شأنها إيقاف عمله الفني؛ حيث لم يتم العثور على قاعة واحدة مهيأة لإقامة المعرض في مدينة عدن كلها من شرقها وحتى غربها.
يصف شريف وضع مدينة عدن بالقول: “مدينة مُعدمة ثقافيًّا، منهكة فنيًّا، استبيحت كل مراكزها الثقافية والفنية، ولم يعد يملك مبدعوها مكانًا لعرض إبداعاتهم”.
ويضيف: “كان لدينا أربعة مصورين تم تدريبهم وتوجيههم في مشروع ريجاثرد، فاستطاعوا بما يمتلكونه من إبداع، إنتاج أعمال أقل ما يقال عنها إنها عالمية، وكانت أعمالهم بحاجة لعرض حتى تكتمل دائرة الإبداع.
بحثنا كثيرًا، فكرنا أكثر، اقترحنا أماكن وصالات؛ ولكن فوجئنا بواقع صادم، لم نجد صالة حكومية واحدة مهيأة لإقامة المعرض”.
ويتابع: “قررنا تحدي الواقع واختيار قاعة مهملة، بجدران أكلت الرطوبة طلاءها، وأرضية متسخة، وإضاءة شبه منتهية، ولا مقومات تذكر في تلك الساحة لإقامة أي معرض، لكنها كانت الملاذ الأخير، والمفر الوحيد من دائرة اليأس والإحباط”.
وواصل شريف حديثه لـ”شباب هاوس” قائلاً:” تحدّيت الواقع وبميزانية تكاد تقترب من الصفر، استطعت ومن معي تحويل هذه الساحة إلى مكان قابل لإقامة المعرض”.
من قاعة مهجورة بدأ التحدي وتم تجاوز كل الصعوبات في صناعة الأمل، ليقام المعرض الذي حقق نجاحًا باهرًا فاق توقعات الكثيرين، وحضره المئات من الشباب.
كاميرا الهاتف كانت الداية
المصور الفوتوغرافي أحمد العبّادي (18 عامًا)، أحد المشاركين في معرض صوّارة، يقول لمنصة “شباب هاوس”: “دخلت مجال التصوير في سن مُبكرة، وكانت بداياتي بسيطة، حيث كُنت أستخدم الجوال للتصوير، وأعتمد عليه بشكل كبير إلى أن أصبح لي والحمد لله كاميرتي الخاصة”.
وعن مشاركته في المعرض يقول العبادي: “شاركت عن طريق تسجيل استبيان تم وضعه من قِبل صفحات عدن أجين في مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت المشاركة عبارة عن انضمام للدورة التدريبية، تلاه عمل المعرض”.
قدم العبادي مجموعة من الصور وضعها في 4 سلسلات، كل سلسلة تتحدث عن قضية مجتمعية معينة.
ويشير إلى أن اهتمامه ينصب في تصوير المشاهد التعبيرية التي تحكي عن قضايا معينة، كما أنه مهتم بتصوير الأزياء والموضة.
وعن التجربة التي خرج بها من مشاركته، يؤكد العبادي أن المعرض مثل له انطلاقة وبداية جديدة، حيث كانت تجربة جميلة جدًّا، واستفاد منها الكثير.
أحب الضغوطات
علي الحرملي، مصور وصانع أفلام، يقول لـ”شباب هاوس” إن الهدف من معرض صَوّارة هو إلى إيصال رسائل لقضايا مُستلهمة من الواقع، ومتعلقة بالمواطن العدني، خاصة والمواطن اليمني عامة.. منوهًا إلى أن هذا المعرض مثّل له إضافة فنية ومهنية كبيرة.
في 2016 بدأ علي رحلته في التصوير عبر الجوال، الذي ما زال يستخدمه في تلك المهمة حتى الآن.
يقول: “كأي مصور، واجهت الكثير من الصعوبات وعانيت في مسيرتي من الواقع ومن تحديات وأشياء كثيرة، لكن تلك التحديات والصعوبات كانت بمثابة ضغط يولد الانفجار والإبداع”.
ويضيف: “تقدمت عبر مواقع التواصل للمشاركة، ونسيت الأمر، وإذا بي أتفاجأ بأنني سأكون جزءًا من المشروع”.. وعن تجربته في المعرض ومشاريعه المستقبلية يقول علي الحرملي، في حديثه لـ”شباب هاوس”: “طموحاتي كبيرة جدًّا ومُختلفة، وبإذن الله سأصل إليها، وأعتقد أن الانطلاقة ستكون من بعد معرض صَوّارة”.
الشغف بعدسة الكاميرا
مبارك سعيد مصور فوتوغرافي منذ أربعة أعوام، وبالرغم من أن تخصصه بعيد عن هذا المجال، فهو طالب مختبرات طبية، إلا أن شغفه بعدسة الكاميرا وصناعة الأفلام والتقاط المشاهد الإبداعية وتوثيقها كان أكبر من أي تخصص.
يقول مبارك لـ”شباب هاوس”: “تم اختياري من بين 166 شخصًا تقدموا للدورة التدريبية، حيث قدمت صورًا تحكي معاناة المواطن من تدهور سعر الصرف، وأخرى تحكي معاناة الفنان”.
ويعتبر مبارك أن مشاركته في المعرض مثلت له الكثير، كونه الأول بالنسبة له، فضلاً عمّا شهده من إقبال كبير فاق كل التوقعات وترك أثرًا بالغًا في نفوس القائمين عليه.
يطمح مبارك للمشاركة في المسابقات العالمية، وأن يطل بموهبته على العالم، بعد أن أصبح يمتلك من الأدوات والمعرفة اللازمة ما يمكنه من تنفيذ خطواته القادمة نحو النجاح.
تجربة فريدة
أما المشارك الرابع في المعرض، صالح باحليس (بكالوريوس علوم إدارية)، كزملائه، بدأ التصوير بكاميرا هاتفه المحمول عام 2017.
شارك باحليس في العديد من المعارض وحصل على جوائز عدة، أبرزها جائزة بنك اليمن والكويت 2018، وجائزة الصليب الأحمر، لأفضل صورة إنسانية في 2015.
وعن تجرته في معرض صوارة، يقول باحليس لـ”شباب هاوس”: “قدمت في هذا المعرض سلسلتين فنيتين تتحدثان عن الحرب في اليمن وعن التراث اليمني، وسلسلتين أخريين تتحدثان عن المخاوف والعزلة التي يعيشها الإنسان”.
يضيف: “رسالة المعرض هي تعزيز ثقافة التصوير والفن بشكل عام في عدن، ومحاولة أن نجعل المجتمع يتقبل هذه الأمور الفنية ويتيح لها المجال لعلها تسهم في حل الكثير من القضايا والإشكالات المجتمعية”.
ويشير باحليس في نهاية حديثه لـ”شباب هاوس”، إلى أن المعرض كان تجربة فريدة بالنسبة له بالرغم من مشاركته في معارض أخرى.
وبحسب باحليس فإن” معرض صوارة” يعتبر الأول من نوعه، وكان انطباع الزوار إيجابيا ومؤثرا على نفسيته بشكل كبير.
ختاما، وحدها تلك الفعاليات، كمعرض صوارة وغيره، يمكن أن تعيد لمدينة عدن بعض اعتبارها كساحة رائدة للثقافة والإبداع والحياة.