عن اليوم الأول في تيدكس صنعاء 15 ديسمبر 2021
كتبت/ بنيان جمال
كان قد مضى علينا وقت طويل جدًّا منذ أن حضرنا نشاطًا نجد فيه ناشطي وناشطات المجتمع المدني مجتمعين يناقشون قضايا فكرية تهمهم وتجدد فيهم الطاقة للبناء والمبادرة والتفكير.يملك الشباب اليمني مخزونًا هائلًا من الطاقات المتفجرة، يملك مخزونًا هائلًا من الحب، وأؤمن أنه سيحارب به الظلام، ويخرج بنا إلى الضوء.
جلستُ مشدوهة في قاعة ممتلئة أشاهد عددًا كبيرًا من الشباب ينظم ويبدع ويضحك، وكلٌّ في مجاله فنان، كان اليوم الأول من فعالية تيدكس صنعاء ١٥ ديسمبر ٢٠٢١.
سيأتي من يشكك في نواياهم، وسيأتي من ينتقد أولوياتهم، ولكننا جميعًا نعلم ماذا يعني اليوم أن تقول سننظم فعالية عالمية داخل اليمن، ونعلم مقدار الإرهاق النفسي والجسدي الذي تتعرض له لكي تتم يومك بنجاح، وتقول نقف هنا اليوم لننقل أنفسنا من الهامش الذي يرمينا العالم فيه إلى بقعة من الضوء.
المساحة المدنية في تقلص في شمال البلاد وجنوبها، وكأن أحدهم يضيّق علينا الخِناق في كل مرة، وبالتدريج حتى نفقد الأمل في التنفس، ولكن النضال أشكال، ومن أشكاله اليوم هؤلاء الشباب والشابات الذين يلقون بكل شيء خلف ظهورهم ليقدمون ما يلهمون به الناس، بمعايير عالية، وأفكار مبتكرة، قدموا مجموعة ملهمة من الأشخاص الذين يحملون الهمّ العام فوق ظهورهم، ويعملون لبناء ذواتهم ومجتمعهم بشغف وحب.
دخل ثلاثة فنانين، أصواتهم جميلة، يغنون أغنية يمنية مدموجة بلحن عالمي، الأغنية الأصلية من التراث اليمني، غناها هؤلاء الثلاثة، بأصواتهم، وبشغفهم وبقلوبهم، وغنى جميع الحضور معهم، وصفقنا كأنْ لا حرب تقف فوق قلوبنا، ولا نحنُ نحزن.
خرج الثلاثة، ولأول مرة من بداية الفعالية، صاح جميع الحضور بصوت واحد “عيدوها، عيدوها، عيدوها”، وأنا أسمع الهتاف الموحد بصوت النساء والرجال، عدتُ إلى وقت كان قبل أن يتراكم الهمّ على قلوبنا والدمار والموت والأيديولوجيا.
في وقت كان الناس فيه يهتفون للحياة والحب والفن والأوطان، هتف الناس “عيدوها” وهم يقصدون الحياة التي فقدوها في خضم حرب أكلت أرواحهم.. هتفوا “عيدوها” وهم يقصدون حرياتهم التي سُلِبت، وأنغامهم التي طُمِست.. هتفوا “عيدوها” وهم يقصدون تفاصيل حياتهم وأمانهم وسلامهم، وشيئًا كان يشبه الوطن أُخِذ منهم عنوة.
هي مجرد فعالية ونشاط يفترض أن يكون عاديًّا، وقد يتساءل أحدهم ما المهم في هذا؟.. وهو تساؤل منطقي لمن لا يعرف جملة “فين التصريح؟” التي تقضّ مضاجع حتى المبادرات الشبابية التي كانت توزع بطانيات الشتاء وسِلال الغذاء.
لمن لم يُسأل من قبل “تبع من أنتم؟”، لمن لم يتعرض للتخوين والتخويف في تعاملاته وفي تنقلاته وفي أفكاره في شمال البلاد وجنوبها، شرقها وغربها.
في خضم كل هذه العتمة نحن شعرنا بلحظة الضوء، وسنمضي نتمسك بهذه اللحظات هنا وهناك لتقينا باقي الظلام الموحش.
كلام جميل
جميل جدا 😍🔥