شباب هاوس.. تقرير/ عمران مصباح
كان لانقطاع خدمة الإنترنت عن اليمن مدة 4 أيام كاملة انعكاساته على شريحة واسعة في أوساط المجتمع اليمني، إن لم يكن على الغالبية العظمى منهم، وذلك لِما أصبح للإنترنت من حضور طاغٍ في تفاصيل حياة الإنسان بشكل عام.
منصة “شباب هاوس“، تحاول عبر هذا التقرير سرد قصص لانعكاس خروج خدمة الإنترنت في اليمن.
أيام مرتبة ومثالية
آلاء علي، تشارك منصة “شباب هاوس” تجربتها في انقطاع خدمة الإنترنت، وكيف قضت وقتها دون إنترنت، قائلة إنها خرجت لأماكن كثيرة، وكانت كل يوم تقيم لقاء مختلفًا مع صديقاتها، وأهلها.
وتضيف: “كنت أنام في وقت مبكر، وأذهب للدوام في الوقت المحدد، وكان يومي مرتبًا جدًّا، وارتحت كثيرًا“.
لكن الأمر مختلف في ما يخص عملها، حيث تقول إن الانقطاع قد أثر فيها بكل تأكيد، كونها تعمل في التسويق الإلكتروني، مضيفة: “لقد تأثرت بشكل سلبي بالنسبة لشغلي، لكن بقية حياتي كانت شيئًا جميلاً، ورجعت للحياة الواقعية، وهو شيء كنت أحتاج إليه جدًّا“.
وتشير إلى أن من ضمن الأسباب التي كانت تريحها، أن ذلك الانقطاع قد شمل الجميع.
ورغم الكثير من الإيجابيات التي عدّدتها آلاء، إلا أنها لم تكن تريد استمرار ذلك التوقف لفترة طويلة، ولا تتمنى أن يتكرر.
صحيح أن انقطاع الإنترنت كان تجربة مكلفة بالنسبة للكثيرين، وأثر سلبًا في عملهم، إلا أنه من وسط سلبيته قد أفاد اليمنيين، وجعلهم مدركين لمدى إدمانهم، وأن عليهم التقنين من استخدامهم للإنترنت.
في النهاية ثمة جوانب إيجابية شعر بها مستخدمو الإنترنت في اليمن، انعكست في تواصلهم الاجتماعي مع محيطهم، وجعلتهم يشعرون بمدى الحاجة إلى الانقطاع عن عالم الإنترنت، لكن بطريقة اختيارية كما يقولون.. آملين ألّا تتكرر هذه التجربة الإجبارية مرة أخرى، لِما فيها من عرقلة كبيرة لسير حياة المجتمع.
خسارة كبيرة ومكلفة
عن تجربته في ذلك التوقف، يتحدث خالد أحمد، لـ“شباب هاوس” قائلاً: “في اليوم الأول كان الأمر صعبًا للغاية، مملاً وكئيبًا، لكن في اليوم الثاني، وما بعده، تأقلمت نوعًا ما، وصنعت بعض الأجواء.. كنت أسهر مع الشباب، ونلعب الدمنة، ونشاهد أفلامًا معًا“.
أما الأثر الذي أحدثه توقف الإنترنت في اليمن، فقد كان كبيرًا بالنسبة لعمل خالد، حيث يقول: “الانقطاع أحدث لي خسارة كبيرة ومكلفة؛ كون عملي كله عبر الإنترنت، وشغلي هو خدمات سفر أونلاين؛ لذلك كنت من أكثر الناس تأثرًا من انقطاع الإنترنت“، واصفًا تلك الفترة بأنها تجربة مزعجة؛ كونها قد خسرته عمليًّا، وكانت إجبارية، إلا أنه لا يخفي بأنها حملت بعض الأمور الإيجابية، تحديدًا في ما يخص الجمع العائلي.
وفي ذروة افتقاده للإنترنت يكتشف خالد، أيضًا، مدى إدمان المجتمع للإنترنت، قائلاً بأنها حالة مرعبة جدًّا.. مضيفًا: “يا ريت لو كل شخص يسوي فترة شهرين على الأقل في السنة دون إنترنت، كما ويفضل التقليل من الاستخدام، أي يخصصه للعمل، ويضع لنفسه ساعة أو ساعتين باليوم للتصفح“.
حياة ما قبل 2010
في حديثها لـ“شباب هاوس“، تسرد خلود الوادعي ما قامت به في أيام انقطاع الإنترنت عن اليمن، قائلة إنها، وبالرغم من اعتيادها على أخذ فترات توقف اختياري من مواقع التواصل بين الفترة والأخرى، إلا أنّ هذه التجربة كانت مختلفة؛ نظرًا لتوقف النت بشكل كلي.
وتضيف: “عدت فيها إلى الحياة الطبيعية التي كانت قبل 2010، وهي أن تنجز أعمالك، وتكمل يومك، دون أيّ عودة للإنترنت لتفريغ طاقتك بنشاط ما“.
وتضيف: “مثلاً في اليوم الأول قمت بكل شيء يمكن أن أفعله، ومع هذا بقي لديّ وقت فائض، قبل أن أمرض في اليوم التالي، وما ضاعف ذلك المرض أنه يبقيك في الفراش دون القيام بأيّ نشاط، مطنن بلا إنترنت؛ والذي لو تواجد فإنه سيخفف عليّ الكثير“، أما بالنسبة لسير عملها، فتقول الوادعي إن انقطاع الإنترنت أثر عليها بشكل كبير.. مضيفة: “كنت أرتب لعمل يعتمد بشكل كلي على النت، وبهذا التوقف ذهب العمل أدراج الرياح، ولم أستطع فعل شيء“.
وفيما إذا كان انقطاع الإنترنت مريحًا، أو مزعجًا بالنسبة لها، تقول خلود إنه، وبالرغم مما حصل من سلبيات، إلا أنها كانت محتاجة للحصول على هذا “البريك“، حتى وإن لم تكن فترة مريحة بالشكل الكافي.
وتؤكد خلود أن هذه الفترات بالنسبة لها وللآخرين، مهمة لمواجهة النفس، دون الهروب إلى أيّ شيء آخر، مثل مواقع التواصل، والفيديوهات، وما إلى ذلك، ويجب على كل فرد أن يقوم بهذا الأمر بين الحين والآخر.
وعن حالة الإدمان التي يسببها الإنترنت، تقول خلود الوادعي، في حديثها للمنصة: “هذا الإدمان راجع إلى كوننا أشخاصًا نشعر بوحدة داخلية غير معلنة، وهذا الشيء يشعر به أيّ شخص يبقى مع نفسه ببساطة، وكيف أصبح بقاء الفرد وحيدًا في عصر الإنترنت صعبًا بالنسبة له، عكس السابق“.
وتتابع حديثها بالقول إن الإنترنت يوفر للفرد وسيلة للهروب، وبانقطاعه تتكشف وحدته، وبأنه حتى لم يعد منخرطًا ضمن تواصل اجتماعي حقيقي مثل ما كان يعتقد، مضيفة أن هذا الانقطاع في حال تكرر ولفترة أطول، ستظهر أشياء سلبية في حياتنا، ستكون بمثابة أعراض انسحابية للإدمان الكبير.
وتختم الوادعي حديثها قائلة: “في الأخير علينا عدم الاستهانة بالعالم الافتراضي أبدًا؛ لأنه، في الحقيقة، لم يعد افتراضيًّا، بل عالمًا حقيقيًّا، ويشكّل جزءًا كبيرًا من حياتنا، وعلينا الاستفادة من هذه التجربة، وأن نقوم بعمل كنترول على استخدامنا للإنترنت، ونرتبط بالحياة الواقعية، وبالإنسان ككيان، وليس كرسائل ومنشورات“.
حربًا أخرى علينا
آفاق الحاج كانت ضمن المتضررين من انقطاع الإنترنت، وتصفه بأنه كان حربًا أخرى على اليمنيين، وعطّل مصالحهم.
وتضيف: “صحيح أن انقطاع الإنترنت شكّل فرصة بالنسبة لي للعودة إلى القراءة التي انقطعت عنها مؤخرًا، وأيضًا إكمال بعض الأعمال التي راكمْتها، لكن بشكل عام، تسبب هذا التوقف بعزل اليمن عن العالم“.
وتضيف آفاق أن هذه التجربة قد أعادت الأجواء العائلية التي يسرقها البقاء في الإنترنت، إلا أنها، ورغم ذلك كانت فترة طغت عليها الرتابة والملل والتذمر، على حد تعبيرها.
وتتابع آفاق الحاج، المقيمة في محافظة تعز، وتعمل لدى إحدى القنوات اليمنية خارج البلاد، قائلة: “لقد توقف عملي الإعلامي، وتعرقل بسبب هذا التوقف، ومثلي الكثير، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية الإنترنت لدى الجميع، والذي أصبح جزءًا مهمًّا في حياة الناس، ويأخذ معظم وقتهم، ويسيطر على تفاصيل حياتهم“.
فترة غير مريحة
أما الصحفي مبارك اليوسفي، فيحكي لـ“شباب هاوس” محاولة تأقلمه مع الوضع المفاجئ الذي نتج عن انقطاع خدمة الإنترنت، ويقول إنه حاول ذلك على المستوى الشخصي، لكنه ترك أثرًا في الجانب العملي عنده، بصفته صحفيًّا، ويحتاج للتواصل المستمر، حسب قوله.
ويضيف مبارك: “التوقف أثّر بشكل كبير جدًّا في سير عملي، وذلك لأنّ جزءًا كبيرًا منه يتطلب وجود نِت، كما كان لديّ عمل كنتُ ملتزمًا به، ومن الضروري إنجازه خلال الأيام السابقة، ولم أستطع“، مشيرًا إلى أن هذا التوقف في الجانب العملي، انعكس على نفسيته، وجعله متوترًا وقلقًا.
وعن مدى انزعاجه مما حدث، يقول: “كانت فترة غير مريحة على الإطلاق، وأعتبره انتهاكًا جسيمًا في حياة الناس، ومصالحهم، بحيث يجب حماية الإنترنت؛ لأن مصادر دخل فئة كبيرة من الشعب توقفت، وسببت لهم خسائر“.
ويضيف اليوسفي أنه حتى وإن كان الابتعاد عن الإنترنت مريحًا، فليكن اختياريًّا، لا إجباريًّا.
وفي ما يخص الإدمان، يقول اليوسفي إنه في حال كان البقاء في الإنترنت يفيد الفرد عمليًّا، ويستخدمه بالتواصل الجيد لمصلحته، فهو لا يُعتبر إدمانًا، مشيرًا إلى أن الإدمان هو البقاء حتى دون فعل شيء.