شباب هاوس.. عمران مصباح
ظاهرة أصبح من الملاحظ انتشارها بشكل كبير في الآونة الأخيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي توجُّه الكثير من الشباب نحو مواكبة الترندات بكل أنواعها، بالإضافة إلى الخوض في مواضيع يكون أكثرها خارج سياق حياتهم.
منصة “شباب هاوس” تحاول، مع مجموعة من أبرز الشباب اليمنيين، فهم ظاهرة الترند وتفسيرها.
ظاهرة الترند غير صحية
عدد ممن التقتهم منصة “شباب هاوس” اعتبروا الترند ظاهرة غير صحية؛ حيث إن اهتمام الشباب بالنشر يكون محصورًا وفق رأيهم بمواكبة الترند.
يقول الشاب جمال عبدالمغني في حديثه لـ“شباب هاوس“، إن “الغالبية من الشباب يتماشون مع الترند، بهدف الحصول على اللايكات والمتابعين، حتى وإن كان الترند رديئًا، فالمهم بالنسبة لأيٍّ منهم هو أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع أو ذاك، فبالإضافة إلى إشباع الفضول، هو أيضًا بهذه المشاركة يريد القول أنا موجود، فقط“، مشيرًا إلى أنه – بشكل عام – يعتبر الترند ظاهرة غير صحية.
الشاب حمزة القاضي يعتبر الترند من أسوأ الظواهر الاجتماعية التي انتشرت مؤخرًا، وذلك لِما لها من أثر سيئ على شخصية الفرد واهتماماته، بحسب رأيه.
ويقول حمزة لـ“شباب هاوس” إن ظاهرة الترند تدفع الفرد للإفتاء بمواضيع لا علاقة له فيها، مضيفًا: “هذه الظاهرة التي يعتبرها البعض عادية، تطمس الهويات الفردية، فيصبح الكل يشارك نفس المواضيع، ويسير بشكل أعمى لمواكبة الترندات“.
وفيما إذا كان الهوس بهذه الظاهرة في كل مكان، أو في اليمن فقط، يقول بشير سنان بدوره: “بالتأكيد هي ظاهرة غير صحية، ولا تقتصر على بلادنا فحسب، بل لدى دول الجوار أيضًا، وتعد السوشال ميديا قوة ناعمة للتعبير عن حالة المواطن في كثير من الحالات، والمواقف اليومية“.
نوعية الموضوع هي التي تحدد رداءة الترند وجودته
أما عهد ياسين، فتتحدث عن ظاهرة الترند، وما إن كانت أمرًا مزعجًا أو لا، بالقول: “أعتقد الموضوع ذاته هو من يحدد إذا كانت ظاهرة الترند جيدة أو سيئة، أي إذا الترند المتداول جيدًا، يكون أمرًا إيجابيًّا، والعكس“.
مشاعر المتصفحين
عن الانطباعات التي يخرج بها المتصفح لمواقع التواصل، تقول آية خالد إن ما يحدث يشتت المتلقي، وبذلك تفقد مواقع التواصل جزءًا كبيرًا من هدفها الرئيسي في صنع التواصل، مضيفة لـ“شباب هاوس“: “أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة تشهير وقذف وشتم وتحريض، كما تدعو للكراهية، عدا القليل منها، والتي ما زالت متمسكة بالهدف الاجتماعي والترفيهي، كما أن الصفحة العامة أصبحت ممتلئة بأخبار السياسة والحرب والدماء، وذلك يبعث على الطاقة السلبية، وقد ينفر الكثير ويدفعهم لإغلاق حساباتهم بحثًا عن الهدوء النفسي“.
بدوره، يتحدث جمال عبدالمغني لـ“شباب هاوس“، قائلاً: “الترندات مؤذية، صحيح أنه من الممكن أن يقول شخص رأيه في ترند معيّن، لكن ما يحصل هو أن أكثرهم لا يكتفي إلا بعدد كبير من المنشورات، وكل هدفه من ذلك هو التفاعل وتجميع اللايكات والمتابعين، بينما قد تجد أنه حتى هو نفسه غير مقتنع بالترند الذي ينشر عليه، وليس له وجهة نظر فيه“.
قد يبعث ضجيج المنشورات المكررة حول موضوع غير مهم على نفور المتصفح، إلا أن لدى عهد ياسين رأيًا مختلفًا، حيث تقول: “في اعتقادي لا يعتبر ضجيج المنشورات باعثًا للنفور دائمًا، بل حسب المضافين عندك، وفي الأخير علينا أن نتكيف مع الجانب الصحي فيه، وهناك ناس كثيرون يتفاعلون مع الترندات، كما أنها أصبحت جزءًا من حياتنا“.
وفي هذا الموضوع هناك أيضًا وجهة نظر لبشير سنان، حيث يقول: “لأكن صريحًا معك، للأسف سوق التفاهة جذاب، وكثير من المواضيع المفيدة لا ينظر إليها كما في القضايا غير المهمة، مع ملاحظة تأثير ذلك، سلبًا، على شريحة قليلة من المجتمع“.
دافع الشباب
وعن الشيء الذي يدفع البعض لمشاركة أشياء لا تضيف إلى حياتهم الشخصية شيئًا، تقول إحسان جمال لـ“شباب هاوس“: “في البداية يكون دافع الشباب في المشاركة بسبب امتلاكهم الطاقة واتساع الفراغ لديهم، كما أن إقصاءهم من المشاركات في الفعاليات الواقعية دفعهم إلى هذا النشاط على مواقع التواصل“.
وتؤكد إحسان أن انعدام الفرص فيما يخص الأنشطة والعمل على تطوير الذات لمواكبة الحاضر أسوة بما تمضي عليه بقية الشعوب، جعل الفرد يكتفي بركوب موجة الترندات، وإمضاء الساعات في تصفح السوشال ميديا.
وتواصل إحسان حديثها بالقول: “هذا التصفح هو إدمان إلكتروني أكثر من كونه هروبًا من الواقع، وبحسب رأيي فإن هؤلاء الشباب قد اكتفوا بالتعليم التقليدي، ولم يستطيعوا الاستفادة مما تقدمه لهم التكنولوجيا في مجال التعليم الذاتي، واكتساب مهارات جديدة لمواكبة الحاضر، وتوفير مصدر دخل لهم“، وبالتالي، بحسب إحسان، فإن جنوح الشباب عن الاستفادة الجيدة للإنترنت صنع هذا الواقع.
في هذا الخصوص يرى حمزة القاضي أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي من أهم الأسباب التي تجعل الشباب يشارك في العديد من المواضيع الرائجة التي لن تضيف لحياتهم أيّ شيء.
ويشير حمزة إلى أن نظرية الـ FOMO والتي تعني خوف الأشخاص من الغياب عن مواقع التواصل، تُمثل سببًا مهمًّا لجعل العقول تشارك وتحاول الظهور بأيّ شكل من الأشكال“.
دور الحرب
لا شك أن حالة الحرب التي تعيشها اليمن خلقت شعورًا باليأس لدى الكثير من الشباب، فأصبح ما يحصل على أرض الواقع وكأنه حدث لا يعنيهم، ليجدوا أنفسهم مضطرين للهروب إلى السوشال ميديا للترويح قليلاً عن أنفسهم.
يتفق جمال عبدالمغني مع ذلك قائلاً: “إن للحرب دورًا كبيرًا في ذلك؛ لأنها حدّت من تطلعات الشباب، بحيث تجد أيّ شخص يتحدث عن سينما أو رياضة، أو أيّ اهتمام آخر، يتلقى ردودًا من قبيل: البلاد في حرب، وأنت تهتم بهذه الأشياء! وبالتالي أصبح الحديث حول الحرب هو الطاغي في كل مكان، فيهرب الشباب إلى تلك الترندات في مواقع التواصل، ويكون هذا الهروب على حساب مواهبهم التي يمتلكونها“.
لكن الهروب إلى مواقع التواصل ليس حلاًّ؛ حيث تجد غالبية الصفحات تضج بالعدوانية.. عن ذلك يقول بشير سنان: “قد تكون الحرب سببًا رئيسيًّا لذلك الهروب من واقع أليم، بالإضافة إلى أن الحرب سببت غياب الدولة وانعدام الضوابط القانونية لمواقع التواصل الاجتماعي“، وبالتالي عكست الحرب تداعياتها على مواقع التواصل التي من المفترض أن تكون ملاذًا للهروب منها.
لكن آية خالد لديها رأي مغاير بخصوص الرابط بين الحرب وبين ما يتم نشره في مواقع التواصل، حيث تقول إن ما يحدث ليس هروبًا من الواقع، بقدر ما هو نقل الواقع للعالم الافتراضي، مضيفة: “أصبحت الخلافات الشخصية تُدار عبر المنشورات، هذا على المستوى البسيط، بخلاف التوجهات السياسية المختلفة، والنعرات الطائفية التي يعبّر عنها الناس في صفحاتهم“.
وتختم آية حديثها لـ“شباب هاوس” بأن هذا الضجيج في السوشال ميديا أصبح وسيلة للعقاب والتشهير والانتقام.
فقر الاهتمامات
قد يكون هذا النزوع نحو الاهتمامات الهامشية ناتجًا عن افتقار الشباب إلى الاهتمامات المجدية كالأدب والسينما والرياضة والموسيقى.. وفي هذا الشأن، يقول حمزة القاضي إن “الفراغ الذي ولده غياب الملتقيات الثقافية، الأندية الأدبية، دور السينما، والنوادي الرياضية، جعل من الشباب مفرغين من الاهتمامات، ولا يوجد لديهم ما يحفز للبحث عنها أو حتى تطويرها، لذا دائماً ما يسعى الشباب نحو المشاركة في أي ترند لشغل هذا الفراغ، وتجنباً للشعور باللا هوية بالنسبة لهم، وهذا أمر مؤسف ومُحزن للغاية“.
وعن انجرار الشباب وسعيهم نحو تلك الاهتمامات، تقول إحسان جمال: “الشباب يوفرون على أنفسهم الجهد في الاستفادة من المجالات الجيدة، يوهمون أنفسهم بأنهم يكتسبون ثقافة من خلال التصفح السطحي، والاطلاع على كل حدث جديد، ثم يبدؤون بتناولها كآراء تجلب التفاعل.. هذا الوهم في الثقافة، هو سبب ضياعهم“.
وتضيف أن “هذه الثقافة السطحية جعلت الغالبية تنحاز للصفحات الساخرة والفن الهابط، وتأجيل العمل الجدي والمثمر، ولا أجد مبررًا في ذلك؛ لأننا في الحرب نكون في أمسّ الحاجة للوعي“.
تتفق عهد ياسين مع فكرة أن قلة الهمة جعلت الشباب يهتمون بهذه الأشياء غير المهمة، وتضيف: “لكن علينا أن نعرف بأن هؤلاء الأفراد هم ضحايا، ولم يكونوا السبب، لأن البلاد نفسها لا توفر مناخًا للاهتمامات الجيدة، وتجعل الشباب ينشغلون بأشياء مفيدة“.
تصوّر الصفحات الشخصية
لكل شخص تصور خاص عمّا يجب أن تكون عليه صفحته الشخصية في وسائل التواصل، إلا أن الترند يجعل الجميع يتشابهون من حيث الاهتمام والنشر، ويؤدي إلى اختفاء الفوارق بين الأشخاص، فيعتبر مسيئًا في حق كل فرد، حسب حمزة القاضي الذي يقول: “أصبحت الصفحة الرئيسية مليئة بالفكرة ذاتها، وبصيغ مختلفة وآراء متنوعة، فالجميع أصبح يهتم بالترند نفسه، ولهذا أصبح الشباب نسخًا مكررة، وفي رأيي إن الصفحة الشخصية مقتصرة على أفكار واهتمامات وإنجازات الفرد التي يريد مشاركتها مع المحيط الشخصي له“.
وعن أهمية الصفحة الشخصية للفرد، تقول إحسان جمال: “نشاطي بالصفحة هو شيء يخصني، وأستطيع نشر اهتماماتي فيها، فالصفحة الشخصية هي الوحيدة التي يستطيع الشخص تقديم نفسه إلى العالم بالصورة التي يفضلها، حتى لو لم يكن حقيقيًّا، ليس مهمًّا، كما يهم أن يكون طرح الفكرة حقيقيًّا لا يستخدم لأغراض لا إنسانية“، مضيفة أن غياب العدالة على أرض الواقع هو السبب في تحويل الصفحات إلى بقع من الدم، كتوثيق للجرائم التي تحدث.
وعن نوعية المنشورات يقول بشير سنان: “الصفحة الشخصية كالمرآة تعكس حياتنا اليومية، ومع ذلك حتى وأنت تنشر أشياء شخصية تجد المتنمر والساخر… الخ“، ويختتم حديثه بالقول إنه “في حالة النشر عن شيء يجب الالتزام ببعض القيود“.