رئيسيشُرْفة

11 فبراير الحقيقة والأحلام

كتب/ أوراس الإرياني


بعد سقوط بن علي في تونس، ومبارك في مصر، في يناير 2011م.. بدأت المظاهرات في اليمن لإسقاط نظام علي عبدالله صالح، فخرج بعض شباب الأحزاب إلى الشارع، ثم خرجت الناس وشباب مستقلين وأولاد الحواري ونساء وشيوخ ورجال، باحثين ومطالبين بحياة كريمة ومستقبل أجمل.. خرجوا بصدق، والكتابة عنها يجب أن تكون أيضًا صادقة .

في 11 فبراير تشكلت الساحات، وكان كل شيء جميل كحلم.. رجُل من خولان أخبرني في الساحة أنهم سئموا وملّوا من حمل السلاح، فخرج رغبةً أن يكون ابنه في المستقبل يحمل “لابتوب”..
كانت الساحات تحلم بيمن سعيد.. خالية من مظاهر السلاح، وسلمية مئة بالمئة.

 

*المنصة:

كان أمام كل خيمة أغانٍ ورقص وفرح.. الجميع منصة عظيمة، خيمة فيها فعالية ثقافية، وأخرى استضافت شاعرًا.. كان هناك تنوع جميل.

وفي فترة الحلم القصيرة أعلنت أحزاب المعارضة لنظام صالح، وعلى رأسهم حليف صالح القديم، الانضمام.

وبدأ الصراع على المنصة.. كنت أظن أن تحتها نفط.. وهذا أول خندق ضيّق لأحلام الناس..!

أذكر أنهم ضربوا مجنونًا أعرفه منذ خمس عشرة سنة يتواجد في سوق القات بشارع الزراعة بتهمة أنه مُخبر على الثوار.

بدأت خِيَم الأحزاب ترفع صور زعمائها وشعاراتها، حتى تلاشت أحلام المستقلين وأولاد الحارة والعاطلين عن العمل.
لم يجدوا من يرفع أحلامهم ويحتضنها..!

وبعد جمعة الكرامة، 21 من مارس، انضم قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر، وتغيّر كل شيء، تحولت من ثورة شبابية إلى ثورة حزبية.. حتى المظاهرات التي تقول وتهتف “لا حزبية.. لا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب”، تنظمها أحزاب، ويُخرجون فيها شبابهم.
أذكر بعد جمعة الكرامة بأسبوع أنني ذهبت للجان الأمنية، وسألتهم: أين هم القتلة الذين قتلوا الشباب في جمعة الكرامة؟

قالو لي بصفتك مَن تسأل؟
قلت بصفتي شخصًا موجودًا في الساحة، ربما أُقتل غدًا.

اتهموني بأني مندسّ! وسألوني أين خيمتك؟.. وأخذتهم لخيمة تيار المستقبل، التي كنت من شبابها، ووجدت صديقًا قال لهم هذا معنا هنا، ونجوت.. حينها كانت قيادات الأحزاب تشتغل سياسة باعتبار أن أعضاءهم في الساحات يعملون ثوّارًا.

حتى الصحف التي كانت تصدر داخل الساحات، صحف تتبع أحزابًا يمينية ويسارية.
أما المستقلون وأولاد الحارات وبعض شباب الأحزاب الذين يعتبرون الوطن أهم من أمينهم العام، لا يملكون سوى أحلامهم ببناء وطن جميل .

المنصة حرموا منها من كانوا أكثر عرضة للتهم والقمع؛ فغادر معظمهم الساحات.. وما تبقى منهم غادروا بعد تشكيل حكومة الوفاق.

هناك بعض مشاهد حدثت في الساحة، أتذكرها.. مثلاً: أن تكون هناك خيمة فيها ندوة عن المواطنة أو الحكم الرشيد، أو أو أو..

والحضور يقعدون على الكرسي، وعند بوابة الخيمة تجد بعض الواقفين من أبناء القبائل يستمعون.

لن يتكرم أحد من منظمي الفعالية بالترحيب بهم.
كان هناك تعالٍ على هؤلاء الناس.. هؤلاء تركوا أسلحتهم في البيت، وأتوا للساحة، وأتوا إليك.

كان الاشتراكي يتكلم مع الاشتراكي، والناصري يتكلم مع الناصري، والإصلاح يتكلم مع الإصلاحي.. كل الأحزاب تُكلّم نفسها، وتتحالف مع بعضها.. لم يتحالفوا أو يتحالف أحد منهم مع أحلام الناس.

كانت أحلام الأحزاب لا تشبه أحلام الناس البسيطة، وستجد ابن الحارة والمستقل يستشهد ولن تُطبع له صورة.. سيكتب قصيدة ولن يصعد إلى المنصة ويلقيها..!

تلاشت أحلام الثورة التي بدأت بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” إلى شعار “كلما زدنا شهيد يا علي اهتز عرشك”.

أصبحت ثورة لإسقاط صالح فقط، بغير أحلام ولا أهداف .

حتى عندما وقعت حادثة النهدين ذُبِحت الأثوار، وأقيمت الاحتفالات .
تلاشت سلمية الثورة.. كما تلاشت وتفتتت قضايا وأحلام جميلة، انطلقت في بداية الثورة.
أضحكني أحد الأصدقاء قائلاً لي: إنّ كل الذين نصبوا عليه في حياته وجدهم في الساحة.. هذا قبل انضمام كل الذين نصبوا على الوطن إلى الساحة.

والعمل الثوري أصبح مناكفات وتبادل تهم داخل الساحات.

إلى أن جاءت لحظة تسليم صالح السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، وتشكيل حكومة الوفاق، فأنهت العمل الثوري للشباب والأحزاب، ومات الحلم الميت، وأصبح لهم مطالبهم الخاصة عند وزرائهم، وأصبحت المظاهرات تخرج من أجل رفض الحصانة التي مُنحت لصالح وغيرها من التفاصيل التي أزاحت وقضت على أحلام الناس (كرامة، حرية، مساواة، عدالة اجتماعية).. كل هذا انتهى..!

أما الشاب المستقل، ابن الحارة البسيط، فستجده نادمًا لخروجه، بينما بعض الشباب المنتمي للأحزاب يرى في هذا الشاب أحمق، وأن زعيمه عفاش مجمد في الثلاجة.
وهذا الحدث الكبير لثورة فبراير كان عظيمًا بخروج الناس بصدق، حاملين أحلامهم التي لم يحملها أحد.

سيقول أحدهم إن الثورات تُحقق أهدافها بعد فترة من الزمن.. لا أعتقد ذلك؛ لأن ثورة فبراير دُمّرت وهي في الساحة.. لهذا لن تجد مستقلًّا، أو ابن حارة يذكرها ويحتفي بها.
من يكتب ويحتفي بها هم المنتمون للأحزاب.. جعلوا الثورة مثل شخص دخل الحمام واستحم ولبس نفس الثياب.

تحية لكل الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل حياة كريمة، عدالة، مساواة، ولم يتحقق شيء سوى الخذلان.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى