شباب هاوس.. عمران مصباح
كمواكبة لعالم ما بعد واقعي، والتي تقترب فيه الحياة بخطى متسارعة، نحو الوجود الافتراضي كأساس ليمارس الفرد روتينه اليومي عليه، هناك الحب أيضًا يمضي نحو هذا التحول، فلم تعد الأساليب القديمة التي بقيت لقرون تجمع الأفراد على الأرض هي وسيلة اللقاء الوحيدة بينهم، بل أصبح التواصل الافتراضي يعزز صناعة قصص الحب تلك، وقد تكون تلك القصص ناجحة، وتتوج بالزواج، أو قد تكون فاشلة، وتنتج الابتزاز.
منصة “شباب هاوس” تفتح هذا الموضوع الصحفي والتعمق فيه من خلال استطلاع آراء عدد من الشباب في محاولة لمعرفة أكثر لمدى نجاح وفشل تلك التجربة، وهل هي ظاهرة صحية؟
الحب الافتراضي
هناك الكثير من علاقات الحب يكون منشأها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والسؤال الدائم: هل يوجد حب حقيقي على المواقع الافتراضية، وهل هي المشاعر نفسها على الواقع.. على ذلك تجيب خبيرة الدعم النفسي، ليلى خليل، قائلة: إن “الحب من خلف الشاشات الزرقاء لا يكون كالواقع، بل في الأساس إقامة علاقة افتراضية، هو في الأساس هروب من واقع مؤلم، إلى علاقة يكون فيها الكثير من المخيلات الواسعة، ونعتقد فيها أننا نعيش المشاعر الصحية للحب الحقيقي، لكنها تظل فكرة غير صحية، ولا سليمة”.
الفرق بين الواقعي والافتراضي
الكاتب شوقي نعمان يقول إن الحب قيمة إنسانية سامية، ولا بد أن يكون متواجدًا في كل حياتنا، ومسيرتنا، سواء الواقعية، أو الافتراضية.
ويضيف شوقي: “الحب طوفان يجتاحنا من دون إذن، ولكن في رأيي، أن التواصل الافتراضي أفقد الحب الحقيقي المتمثل بالشوق ومرارة الغياب الدائمة، لأن الحب فيه أيضًا معاناة البحث عن غياب ما نحب؛ لذا نحن نفتقد عن حب الحياة البدائية، بينما حب هذا العالم (حب مواقع التواصل الاجتماعي) يشبه العدم”.
مهما ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في بناء علاقات حب، يبقى الحب الواقعي مختلفًا.. يرى شوقي نعمان أن الحب الواقعي يعتمد على أساس قوي، عكس المواقع الافتراضية.
ويقول شوقي قد يكون تعليق على منشور في وسائل التواصل الاجتماعي سببًا في إنهاء علاقة بين محبوب وحبيبته الافتراضية.
ويضيف: “الحب الافتراضي غالبًا يعتمد على الشكل والمظهر بعيدًا عن الجوهر الروحي، إنه صوري وخالٍ من المعنى، ولا يمكننا تسميته حبًّا، بقدر ما نسميه إعجابًا بصفات معينة ظاهرة بين طرفين في هذا التواصل، بغير وعي لبقية الصفات”.
بينما عن هذا الفارق – بين الواقعي والافتراضي – تقول ليلى خليل: “إن هناك اختلافًا كليًّا، فالحب الواقعي تكون المشاعر المتبادلة فيه واضحة، وصادقة، وحقيقية، سواء سلبية أو إيجابية، وحتى بعد نهايتها، يبقي ما حصل قصة شيء حقيقي، بينما عبر مواقع التواصل، يبقى افتراضيًّا، إلى أن يلتقي الطرفان على أرض الواقع، ويفهم كل منهما الآخر، من عقلية، وشخصية، وتصرف”.
مدخل لابتزاز النساء
هناك من يقول إن الحب الافتراضي هو أكثر قُربًا للقصص الفاشلة، والكذب، وقد يؤدي في النهاية إلى ابتزاز النساء، رأي ليلى خليل في ذلك كان بالتأييد، والتي تقول إن السبب في أن تلك القصص تكون في بدايتها أقرب إلى الأسطورة، ودائمًا ما ينسجها خيال المتلقي، ويحيكها الرجل.
وتضيف ليلى: “إنني لا أحبذ الحب الافتراضي، وأجده بلا معنى، ولكن إذا حصل يجب أن يكون خطوة أولية فقط للقاء عبر الواقع؛ لأن غير ذلك قد يكون مدخلًا لابتزاز النساء، فهما لا يعرفان بعض في الأساس”.
ليلى ترى أن المجتمع لا يرحم، ويقيد الحب، فمجرد إرسال صورة لها لشخص لا تعرفه جيدًا، تصبح عرضة للابتزاز، وما إن يحدث ذلك، يصبح اللوم على البنت.
منوهة إلى أن نسبة كبيرة من تلك القصص تحولت إلى قضايا ابتزاز.
أما في ما يخص إمكانية الفشل، وتحول الحب إلى ابتزاز، يقول شوقي نعمان إن : “العشاق كثر، وهناك قصص تكون ناجحة، وأخرى فاشلة، سواء على أرض الواقع، أو العالم الافتراضي، لكن التحول إلى ابتزاز فذلك من صُنع الجبناء، وعديمي القيم، والأخلاق، فالمحب الحقيقي لا يؤذي، حتى وإن فشل حبه”.
في السياق يرى شوقي نعمان أن المضايقات لم تقتصر على الواقع، بل امتدت للمواقع الافتراضية عبر الذباب الإلكتروني، وللحياة بكلها، لكن وحسب نعمان فإن الحب الحقيقي والصادق لا يمكن لشيء أن يقف أمامه، أو يعيقه مهما كان؛ لأنه ينشأ ويستمر في أيّ وضع.
التكتم عن القصص الناجحة
هناك قصص كثيرة ابتدأت بالحب عبر المواقع الافتراضية، واكتملت بالزواج، ورغم نجاحها بقيت سرية وطيّ الكتمان.
شوقي نعمان، يقول إنه يعرف قصصًا كثيرة من هذا النوع، ويرى أنها ليست مشكلة.. مضيفًا: “لأن تفكير البعض في اليمن، وحسب ما نعرف أن الزواج يجب أن يقوم على اختيار امرأة من أسرة معروفة كاملة، وعائلة لها امتدادها، وما إلى ذلك، وهذا يدفعهم للتكتم”.
ليلى خليل، تفسر هذه الحالة، قائلة إن نسبة الزواج من خلال العالم الافتراضي في الأساس هي قليلة، وعن سبب تكتم طرفيها تقول: “في رأيي الشخصي؛ لأن المجتمع الشرقي يسقط أحكامًا عليهم، ويكون فيها طعن بشرف البنت؛ لأنها عاشت قصة حب افتراضية مع رجل لا تعرفه”.
الحب الافتراضي في عصر الحوثي
في مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن، ومضايقتها للاختلاط بين الشباب والشابات، جعل فرص الالتقاءات الواقعية تتضاءل، وهو ما قد يعزز من التعارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر، في هذا الشأن تقول ليلى خليل: “مجتمعنا في الأساس منغلق، ويحاصر وقوع قصص حب في الواقع، ويعتبرها مشاعر عار، وجاء الحوثي ليكمل هذه الفكرة ويعززها؛ فبالتالي هناك كبح لهذه المشاعر الصحية والفطرية بين الرجل والمرأة قدر الإمكان، وبالتالي تظهر بسرية، من ضمن مجالات ظهورها مواقع التواصل الافتراضية”.
في الأخير، وبالرغم من أن النقاش المنحصر في الموضوع على الحب الافتراضي، وإمكانية نجاحه، أو فشله، إلا أن ما يجب الإشارة إليه، أنه وفي ظل هذا الوضع الدامي في اليمن، يزيد الحب أهمية، سواء أكان افتراضيًّا أو واقعيًّا، لما له من قيمة في تعزيز المشاعر الإيجابية بين الشباب، ويساعدهم على البقاء في الحياة بوضع نفسي أفضل.