شباب هاوس.. عمران مصباح
لا شك أن الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، واستحواذها على نسبة كبيرة من وقت الأشخاص، قد تركا أثرًا كبيرًا، وعلى كل المستويات، بالنسبة لرواد تلك المواقع.
من ضمن ذلك التأثير الإيجابي رفع الوعي بحقوق المرأة من خلال جعل هذه المنصات وسيلة لإيصال صوتها، ونشر قضاياها، والعمل على الحشد والمناصرة لمحاولة الحد من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء، بكل أنواعها.
ولأنّ اليمن واحد من أكثر البلدان التي تعيش فيها المرأة وضعًا غير جيد على كل المستويات، فقد ساعدت مواقع التواصل في تحسين ذلك المستوى الحقوقي المتدهور.
منصة “شباب هاوس” تحاول في هذا الموضوع، ومع بعض الناشطات، معرفة الأثر الإيجابي الملموس لتلك المواقع، وهل حدث هناك تغيير ما، وما الذي يمكن فعله لجعل واقع المرأة في اليمن أفضل.
سارة العولقي: مواقع التواصل منحت المرأة مساحة كبيرة للتعبير عن رأيها
الكثير من النساء استطعن عبْر مواقع التواصل الاجتماعي نشر قضاياهن وتسليط الضوء على ما يتعرضن له.
بخصوص الأثر الذي أحدثته تلك الوسيلة الرقمية، تتحدث المحامية والناشطة الحقوقية سارة العولقي لـ”شباب هاوس”، بالقول: “بالتأكيد هناك أثر، وذلك لأنّ مساحة التعبير في العالم الافتراضي كبيرة وحرة، وإلى حدّ كبير فإن الكثير من النساء اخترن التعبير عن آرائهن وطرح مشاكلهن، وإنْ كُنّ في أحيان كثيرة تحت أسماء مستعارة بسبب وضع المجتمع ووضع الفرد، وحساسية القضايا”.
وتضيف العولقي: “بشكل عام أثر الإنترنت على الوضع العام في قضايا عالمية، واليمن جزء من هذا العالم، ومن الطبيعي أن يطاله هذا التأثير وعجلة التغيير في هذه المساحات”، مشيرة إلى أن “مجرد الكلام، وطرح العديد من القضايا على الطاولة يعتبر بحد ذاته خطوة متقدمة في طريق التصحيح الإيجابي”.
وعن الطريقة التي يمكن من خلالها الاستفادة من مواقع التواصل للمساهمة أكثر في إيصال صوت المرأة، تقول سارة العولقي: “هناك مدونات وصفحات اجتماعية تهتم بإيصال صوت المرأة لأكبر شريحة ممكنة، أيضًا يمكن أن يسهم في ذلك اليوتيوبرز وصُنّاع المحتوى إنْ وجدوا دعمًا وتوجيهًا للعمل في مواضيع تعني المرأة، حيث لا شك سيكون لعملهم أثر طيب.. وأقصد هنا صنّاع المحتوى الجيد؛ لأنه – وللأسف – ظهر صُناع محتوى ساخرون ومحرضون على نساء المجتمع وطالبات الجامعة، وهذا أثره يعود بالتعبئة السيئة للمجتمع ضد النساء.. لذا، نأمل وجود العكس؛ لِما لهذه الفئة من تأثير”.
وحول مسألة أنّ وضع النساء في الواقع يختلف بشكل كبير عمّا هو عليه عبر السوشيال ميديا، تقول سارة العولقي: “بالتأكيد، فليس كل النساء يملكن حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس كل النساء باستطاعتهن الوصول للمحتوى على الميديا، بسبب وضع المجتمع والتعبئة ضد المرأة وضد إعطائها مساحتها، وبسبب الوضع العام للبلاد والبنية التحتية للاتصالات في اليمن”.
مرام جغمان: مواقع التواصل أحدثت نقلة فيما يخص المرأة
بدورها تتحدث الإعلامية والصحفية مرام جغمان لـ”شباب هاوس” عن الدور الذي لعبته، وتلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في طرح قضايا المرأة، قائلة: “لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي نمطًا من أنماط الحياة المعاصرة، وتحولت من منصات للتواصل إلى نافذة للتعبير عن الرأي، وإيصال أصوات العديد من طبقات وشرائح المجتمع المختلفة، من بينها المرأة، وأصبح من الواضح أن مواقع التواصل أحدثت نقلة في ما يخص المرأة وقضاياها تحديدًا، مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية”.
وتضيف جغمان أنه يمكن ملاحظة ذلك من خلال نقطتين: الأولى تزايُد عدد النساء اللواتي يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي، والثانية تزايُد نشر القضايا المهتمة بالمرأة وحقوقها، وما تتعرض له.
ولأنّ وسائل التواصل تعتبر نوعًا من أنواع التثقيف، منها وعي المرأة بحقوقها، تؤكد جغمان ذلك، بالقول: “باتت هذه الوسائل تسهم بشكل كبير في تثقيف المرأة بمختلف المجالات وفتح الآفاق أمامها تجاه العديد من الأفكار والقيم الحديثة، من خلال ما تتيحه من محتوى رقمي متنوع بإمكانه تعريفها بحقوقها وإكسابها القدرة على التعبير والدفاع عنها”.
وحول فائدة مواقع التواصل الاجتماعي، تضيف مرام: “الآنية والسرعة التي تتمتع بها وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا كبيرً في تسليط الضوء على القضايا الآنية، وتساهم في تكوين رأي عام ضاغط ومؤثر، يمكن استخدامه بشكل كبير للدفاع عن المرأة وحقوقها وحمايتها، وممارسة نوع من الضغوط على الجهات المختصة للتصرف إزائها”.
أما عن قدرة السوشيال ميديا في الحشد والمناصرة، فتقول مرام: “قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على نقل الأفكار والآراء المتعلقة بقضية معينة لعدد كبير من الأشخاص في مناطق مختلفة من العالم كبيرة جدًّا، ذلك يتيح المجال أمام قضايا المرأة لبلورة رأي عام قد يكون محليًّا أو دوليًّا مساندًا لها، وحتى إنْ لم تساهم في عمل تغيير حاسم وآني، فإنها على الأقل تقوم بصناعة رأي عام من خلال التأثير الكمي، والتكرار يعرف بقيم اجتماعية معينة، ومن ثم يتم التأثير في السلوك”.
وتختتم مرام جغمان حديثها عن الانتقال العصري الذي أحدثته السوشيال ميديا، سواء في إعلاء كفاءة المرأة، أم في ممارسة حقها وإيصال صوتها، قائلة: “أتاح فضاء الحرية والجرأة الذي تتمتع به وسائل التواصل الاجتماعي المجال للمرأة للمشاركة في العديد من الفعاليات، والنقاش حول مختلف القضايا، وهذا بدوره يقوم بإثرائها علميًّا، ويتيح المجال لها لتكون ندًّا يمتلك من المعرفة والخبرة ما يجعلها مؤهلة للحديث عن العديد من القضايا، وأن تكون أيضًا شخصًا فاعلاً مساهمًا في صناعة القرارات”.
جهينة عبده: السوشيال ميديا جعلت المرأة اليمنية أكثر قربًا من تجارب شقيقاتها
ساعدت طفرة الانتشار الكبير للسوشيال ميديا في السنوات الأخيرة على إظهار الانتهاكات التي تطال المرأة.. الإعلامية والصحفية جهينة عبده تؤكد ذلك، بالقول: “بالطبع أثرت السوشيال ميديا في إبراز قضايا المرأة بشكل واسع من قِبل مختلف شرائح المجتمع، وفئاته العمرية، وتناولها على محمل الجد، سواء أكانت قضايا تعليمية أم في ما يتعلق بتمكينها الاقتصادي أو قضايا التحرش والعنف، وغيرها، إضافة إلى أن مواقع التواصل أتاحت مساحة كبيرة للمرأة للتعبير عن رأيها ومعاناتها بكل حرية، وكسب تأييد الرأي العام لحقوقها الإنسانية”.
وعن الكيفية التي تحاول المرأة اليمنية من خلالها أن تنشر عن حقوقها، تقول جهينة: “جعلت السوشيال ميديا العالم يبدو صغيرًا وقريبًا من بعض، وهذا ما جعل المرأة العربية أكثر قربًا من تجارب شقيقاتها وإدراك حقوقها، ومكانتها وقدراتها التي لا تقل عن قدرات غيرها من نساء الدول المتقدمة والمتحضرة، وهذا ساعد على رفع مستوى الوعي لدى الرجال والنساء بحقوق المرأة ودورها الذي لم يعد يقتصر على الزواج والمطبخ وتربية الأطفال والتزام الصمت تجاه العنف وعدم مساواتها بالرجل”.
بالرغم مما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي، يبقى هناك مساحة أوسع يمكن الاستفادة منها، وبشكل إيجابي، عن ذلك تقول جهينة: “يمكن الاستفادة من مواقع التواصل في إيصال حق المرأة وصوتها من خلال نشر التجارب الناجحة أكثر للنساء المتعلمات والعاملات والقويات، وتوعيتها بحقوقها التي يكفلها القانون ودعمها في نشر تجاربها ورأيها”.
آثار شمشير: تأثير السوشيال ميديا ذو بُعدين
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مركزًا إعلاميًّا مهمًّا، وكثيرًا ما يعود بالفائدة عن أي قضية تُنشر.
بخصوص ذلك، تقول المحامية والناشطة الحقوقية آثار شمشير، لـ”شباب هاوس”: “إنّ تطور وسائل الإعلام، وهذه الثورة في نظام الاتصالات والسوشيال ميديا، منح هذه الوسائل أهمية كبيرة في مخاطبة الناس، ويعتبر آلية قوية في التأثير في القضايا، وتشكيل قيمنا وآرائنا، سواء عن حقوق الإنسان، أم حقوق المرأة على وجه التحديد.. لذلك، هناك تأثير كبير في هذا الجانب، ويتمثل في بعدين: الأول في نشر كل ما يخص المرأة من قِبل المؤسسات المختصة بحقوق المرأة وقضاياها، والثاني: البعد الجماهيري، وهو الأهم، سواء من ناشطين وناشطات أو غيرهم، وفي ما يتناولونه من قضايا تخص المرأة في الإعلام، وهذا يقوم بدور وقائي للحد من انتهاكات المرأة”.
وبخصوص احتمالية تأثير الحرب في اليمن على مواقع التواصل وانعكاس ذلك سلبًا على مصلحة المرأة، تقول آثار شمشير: “هناك أضرار كبيرة تنتج عن الحروب، سواء في المدى البعيد أو القريب، لذا من ضمن هذه الأضرار تراجع الجانب الحقوقي، وعدم تقدم كبير، وبشكل متسارع في ما يخص ملف حقوق المرأة في اليمن”.
وعن الكيفية التي قد يتم بها الاستفادة من وجود مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث آثار قائلة: “بالإمكان الحديث عن عدة طرق، تعمل على تثقيف المجتمع بهذا المجال، منها: نشر الاتفاقيات الخاصة بحقوق المرأة، والقرارات الأممية، والتوعية فيها، وكذلك النشر عن الأنشطة المحلية والإقليمية التي تقوم على المرأة، أيضًا يمكن تخصيص زوايا إعلامية معينة لتقديم استشارات قانونية للنساء في ما يخص الانتهاكات، بالإضافة إلى عقد لقاءات خاصة بين المجتمع، وخبراء ومتخصصين، ومنظمات مسؤولة بهذا الشأن، للتعريف عن حقوق المرأة، أيضًا العمل على وضع سياسات عامة داعمة لحقوق المرأة”.
وحول القول إن مواقع التواصل الاجتماعي مقتصرة على النخبة، بينما الواقع مختلف، فإن آثار شمشير تخالف تمامًا هذا الرأي، قائلة: “موضوع غير واقعي، لأنه ومن خلال مناقشة قضايا المرأة عبر مواقع التواصل، يتبين مدى التأثير الذي قد تركته في الجميع، بحيث إن الكل يناقش، وكذلك يتم تداول أي قضية عن المرأة تصل للسوشيال ميديا، سواء أكانت من النخبة أم لا”.
في الأخير نستطيع القول إن مواقع التواصل الاجتماعي صنعت نقلة في نشر قضايا النساء، والعمل على صناعة وعي في حقوق المرأة، ومن المرجح أن استمرار الاهتمام بتلك القضايا أكثر، قد يحد من الانتهاكات مستقبلاً، ويرتقي بوضع المرأة في اليمن إلى مستوى أفضل.