كتب/ عاصم الشميري – رئيس التحرير
في قاعة مليئة بالحنين ومكتظة بالدهشة.. حضر اليمنيون بأزيائهم الرسمية، وبكامل أناقتهم وشوقهم وحماسهم.
من دار الأوبرا في القاهرة اعتلت أصوات الآلات الموسيقية وسادت المكان.. تحركت عصا محمد القحوم لتُعلن عن بداية ليلة موسيقية يمنية صاخبة ينتظرها الكثير من الناس في الداخل والخارج.
تخنقك العبرة منذ دخولك القاعة إلى نهاية الحفلة، وأنت تشعر بسعادة بالغة، فيما الحنين يصدع بحشرجة في القلب مفادها البكاء، فتداري دموعك بين مقطوعة وأخرى.
كانت الموسيقى تطبطب على أرواحنا المنهكة، وترسل لليمن أغلى طرود المحبة والسلام.. صنعها عصا المايسترو، وصنعتها الفرقة الكبيرة العظيمة.. الجميع كان يشعر بالفخر والزهو، والجميع أيضًا كان يضحك ويبتسم.. وبدا اليمن واحدًا في القاعة.. الجميع يصفق لكل الفرقة دون استثناء.. لكل الموسيقى، للدان الحضرمي، والبالة الصنعانية.
لم يسبق لنا أن احتفينا باليمن بهذا الشكل، وبهذه الموسيقى المرتبة والأنيقة، الممزوجة بروح الماضي السعيد، وقمم الجبال الشامخة، والسواحل اليمنية.
وعدنا للماضي..
هذا ليس سببًا كافيًا لنجاح الحفلة، ولكن النجاح الحقيقي هو إلهامها للشباب وللناس.. الحفلة دفعت الجميع وأثارت شغفهم لصنع شيء جميل لليمن.. شيء يعكس صورة مُرضية عنه، ترضينا نحن اليمنيين جميعًا.
سئمنا من التعاطف، ونحن الذين نمتلك الكثير مما نريد تقديمه.. نريد المزيد من الدهشة والإعجاب لِما نقدمه.. وقد اكتفينا من التعاطف الذي يجعلنا نشعر بضعف.
من حضرموت وتعز وصنعاء، ومن كل المحافظات، كانوا يقفون هناك على المسرح.. الجميع بصوت واحد يردد الأغاني اليمنية، ويعزف الموسيقى اليمنية، التي ظهرت على كل شاشات البلاد في المنازل والقرى.. إنها ليلتنا الموسيقية اليمنية.. حكت لنا الكثير منذ بداية الحفل، ومرورًا بمشاركة حسين بالطربي، وبالمزمار الحضرمي، والبرع الذي شاركته الدربوكا المصرية.. كان مزيجًا موسيقيًّا يروي ظمأ أرواحنا العطشى للأمل، ولمستقبل اليمن الذي بدا سعيدًا كما لم يكن من قبل.. بدا متفائلاً بمواهب الأجيال القادمة، وبمساهمة عمالقة الأجيال السابقة.. ولوّح لنا السلام، وكأنه يؤكد قدومه من خلال هذا الرضا التام الذي غمر القاعة.
يقول القحوم إن هذا المشروع سيمفونيات يمنية لم تنتهِ هنا وحسب.. لكن وبحسب ظني واعتقادي، أن هذه الأوركسترا اليمنية ستلف دُور الأوبرا في العالم.. وستعتلي أهم المسارح، وسيصفق لها الجميع، من كل الجنسيات، مثل ما حدث في هذا الحفل.