في العام السابق، وقبل الإعلان عن حملة يوم الأغنية اليمنية، بعد أن واجه الفنانون العديد من المضايقات والتجاهل، وأيضًا شهدت الأغنية اليمنية محاولات للتشويه، وطمس هويتها، تواصل معي العزيز لؤي النزاري وقررنا، برفقة جمال طه ومروان كامل، أن نطلق حملة للأغنية اليمنية، كما تعاون وشارك العديد من الأصدقاء الذين أخشى أن أنسى اسم أحد منهم.. فور نشر الهاشتاق بدأ التفاعل من الناس، وأصبحت التحضيرات للاحتفاء بيوم الأغنية اليمنية تجري على قدم وساق، بمشاركة الجميع.
قبل هذا اليوم بأسبوع، هناك من الناس من نشر أغاني، ومنهم من شاركنا مقالات وكتابات عنها، ومنهم من قاموا بتصوير مقاطع فرائحية للأغاني.. وتزينت البروفايلات بإطار يوم الأغنية اليمنية.
وهناك فنانون ضغطوا على أنفسهم خلال أسبوع، وقاموا بإنتاج أغانٍ جديدة.. كان احتفاء كبيرًا عرفته اليمن من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وفرحة تشاركها الجميع دون استثناء.
في تلك الأيام أجريت عدة مقابلات مع وسائل إعلامية مختلفة، كانت مهتمة بتغطية هذا اليوم.
وفي ذات اليوم صدر قرار جمهوري من وزارة الثقافة بإعلان يوم الأغنية اليمنية عيدًا وطنيًّا، وبذات القرار قررت الوزارة إعلان لجنة تختص بتأسيس متحف للأغنية اليمنية، وأرشيف خاص بالأغاني والدراسات والبحوث التي تخص الأغنية اليمنية.
بعد هذا بشهر تواصل معي الأستاذ عبدالله باكداده، وهو بالمناسبة نائب وزير الثقافة ورئيس لجنة المتحف، كما ورد في القرار وغيره من وزارة الثقافة.. تواصلوا معي وقالوا إن الوزير مهتم بهذا النشاط، وإنهم يعملون على إنشاء متحف للأغنية اليمنية، قلت لهم إن لدينا رؤية خاصة، وإننا مستعدون لتقديم أي شيء في سبيل توثيق وتنظيم وتنشيط الأغنية اليمنية، لو هناك عمل حقيقي وبشكل جدي سنكون متواجدين، وأكثر من يعمل بهذا الأمر.
بعدها انقطعت الاتصالات إلى بعد شهر، وتواصل معي أحدهم من وزارة الثقافة ليقول إنهم يريدون الالتقاء بنا، قلت لهم موافق، وعليهم إبلاغنا بالوقت والمكان.. وانتهى كل شيء هنا.
كنت أعلم أن هذا لن يحدث، وأن أي مشاريع أو لجان تأتي لـ”تريند”، لا تنتهي بعمل ملموس، وأن اهتمام الوزارة فقط طرح موقف سياسي في إطار القرار هذا، بينما الفنانون يواجهون العديد من المشاكل، وتستمر الوزارة في تنصلها من مسؤولياتها.
تذكرتُ حينها سؤال المذيع في قناة “يمن شباب”، حين قال لي هل توقعتم أن الوزير يقوم باعتماد هذا اليوم كيوم رسمي للأغنية اليمنية، فأجبته: لأن هذه الحملة تبناها الناس، وتفاعلوا معها بشكل كبير، وهي كانت مبيّتة لما يجده الفنانون من مضايقات، وما تجده الأغنية اليمنية من محاولات للطمس والتشويه والخلجنة، وبالتي كان قرار الوزير تنفيذًا لرغبة الناس، كما أنه كان أكثر لصنع موقف سياسي معتاد رأيناه كثيرًا في العديد من الأمور.
وما أود أن أطرحه اليوم هو أن الانتصارات لا تأتي بمواقف هزيلة، أو ورق للقرارات، إنما بعمل حقيقي وجدّي يلمسه الفنانون والمثقفون..
قيل إنه سيتم تأسيس متحف للأغنية اليمنية، وأرشيف خاص بها، وتوقف هذا المشروع الذي بدا بلا رؤية أو خطة مؤسسية، حتى إنه كان بميزانية مشروعة لا نعلم أين اختفت.. والآن بعد عام من إعلان القرار، لا متحف، ولا اهتمام، ولا حتى عملت الوزارة لتنظيم أي فعالية في أي دولة، أو في عدن، أو في أي منطقة مناسبة لإحياء هذا اليوم الذي اعتمدوه كعيد رسمي بقرار جمهوري.
اكتفى وزير الثقافة برفع راية انتصار كاذبة، وحسبها مجابهة للحوثيين وممارساتهم ضد الفن والفنانين، وظن أن القرار فقط سيكفي للحفاظ على الهوية اليمنية والأغنية اليمنية من محاولات التشويه.
الانتصار الحقيقي للأغنية ليس عبر القرارات أو التصريحات السياسية التي ما تلبث أن تخبو في اليوم التالي، إنما عبر العمل الجاد، من خلال فتح صندوق للفنانين اليمنيين، ودعمهم في هذا الوقت الصعب، إضافة إلى الاهتمام بالأغنية اليمنية من خلال الأرشفة والتوثيق والتجديد لها في ظل ما تواجهه من ضربات.
وإذا كان الحوثيون يهاجمون الفنانين ويضايقونهم في الأعراس والحفلات وطرق السفر والشوارع والجلسات، فالوزارة تتركهم وحيدين أمام هذا العناء ومشاكل الحياة بغير جدار يتكئون عليه، وبغير وجهة آمنة لهم، وبغير مسرح متاح لمقابلة جماهيرهم، وبغير أمان يواجهون به أمراضهم ومتاعبهم.
أخيرًا.. وبهذه المناسبة بعد عام من القرار نوجه لك سؤال أيها الوزير.. أين المتحف؟!