21 سبتمبر من وجهة نظر شبابية
عيد بالقوة.. ومعاناة مستمرة
شباب هاوس/ تقرير..لمياء الشرعبي
في الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول) 2014، شهد التأريخ اليمني ذكرى مأساوية تمثلت في انقلاب الحوثيين على مؤسسات الدولة في اليمن، وطرد السلطات الحكومية، والاستحواذ على مقدرات جزء كبير من الوطن، ما استدعى حربا مستعرة قتلت وشردت مئات الآلاف وتجزأ فيها الوطن وتشرذمت فيها اللحمة الوطنية الواحدة. ولذا فإن الغالبية العظمى من اليمنيين تسمي هذا اليوم “يوم النكبة”.
في المقابل، تنظم جماعة الحوثي احتفالات كبيرة تعبر بها عن النصر في هذا اليوم وتسميه عيد “ثورة الشعب”.
عيد للحوثيين ونكبة لليمنيين
“سيطرة الصرخة على النشيد الوطني، إنها النكبة”، ذلك ما قالته ندى الفقيه 19 عاماً مشيرة إلى يوم 21 سبتمبر 2014 الذي شكل بحسبها تهديدا للقومية اليمنية إلى جانب اجتياحه للثقافة السائدة في اليمن.
في حدثها لـ”شباب هاوس”، تقول ندى: في 21 سبتمبر 2014، حدثت النكبة التي سماها الحوثيون ثورة مضادة لثورة 26 سبتمبر 1962، وغلبت الطائفية على التعددية والمناطقية على المركزية”.
تطرح ندى قضية تقلبص حريات النساء في صنعاء كمثال، فالسلطات الحوثية بحسبها تعمل على تضييق المساحات الشخصية، مشيرة إلى أن “العديد من الناشطات تم اعتقالهن في صنعاء بسبب ممارستهن لأعمالهن”.
في المقابل، يقول أمين الشامي (26 عاماً) وهو شاب في مناطق سيطرة الحوثيين، إن” يوم الـ21 من سبتمبر ثورة شعب تهدف إلى تخليص الوطن من حكم السفارات، وأن الثورة تسعى للتطوير المحلي في مجالاتها الصناعية والزراعية والعسكرية، كما تهدف للتطوير المعيشي والاقتصادي”.
ويشير الشامي إلى “انزعاج السفارات الحاكمة للبلد”، حيث سعت لتقويض ثورة 21 وإفشالها عبر دول التحالف السعودية والإمارات التي يصفها بـ” دول العدوان”، وذلك عبر سياسة التجويع.
ويرى أن “الحرب في بدايتها كانت محيدة للملف الاقتصادي، فالعاملون في القطاعات الحكومية كالمعلمين كانوا يتلقون أجورهم ومستحقاتهم، لكن عندما تم نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن عام 2017، أوقف صرف المراتب وضعف اقتصادهم، ويعتبر أن ما حدث هو سعي من الشرعية لإفشال الثورة”.
ويضيف: “الثورة لازالت مستمرة حتى نستعيد ثروات البلاد المسروقة والمنهوبة من قبل دول التحالف، وهي الثروات الجنوبية، جزيرة سقطرى التي تسيطر عليها الإمارات وموانئ شبوة، ونفط مأرب المنهوب من قبل السعودية والكثير من الثروات”.
بدوره، يقول المحلل الاقتصادي وفيق صالح أن “جماعة الحوثي قامت بنهب الاحتياطي النقدي للدولة في السنة الأولى للحرب من العام 2015″، موضحًا أن” جماعة الحوثي استنزفت حجم الاحتياطي الذي كان مقدر بقرابة خمسة مليارجات دولار في البنك المركزي بصنعاء، خلال العام الأول من الحرب، رغم طلب المؤسسات النقدية الدولية، تحييد الملف الاقتصادي”.
يشير وفيق إلى أن “نهب الاحتياطي النقدي للدولة، مثل سلسلة أولى من الضربات والنكسات التي تعرض لها الاقتصاد الوطني، بمختلف قطاعاته الإنتاجية ومنها القطاع المصرفي الرسمي، الذي تعرض لخسائر كبيرة جراء تآكل مدخراته والأصول المالية، بفعل نهب عوائده المالية من استثمار اذون الخزانة في البنك المركزي من قبل الحوثيين، ناهيك عن ازدواج القرارات المصرفية بفعل الانقسام النقدي، وحظر الطبعة الجديدة من العملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي”.
ويضيف لشباب هاوس: “كمقدمة طبيعية لما آل إليه يوم 21 سبتمبر من إشعال الحوثيين للحرب، فقدت العملة اليمنية أكثر من ثلثي قيمتها، حيث ارتفع سعر الدولار الأمريكي من 250 أمام الريال، إلى أكثر من 1100 خلال الوقت الراهن، كما شهدت مختلف السلع والمواد الغذائية ارتفاعات قياسية بنسبة مئوية مضاعفة”.
وبحسب وفيق “شملت الآثار الاقتصادية جميع القطاعات في البلد، فهناك قطاعات اقتصادية توقَّفت بشكل كُلي منها توقف تصدير وانتاج الغاز المسال منذ 2015م، وأخرى تقلَّص نشاطها مثل حقول وأبار النفط، نتيجة لتحمل القطاع الخاص لأعباء إضافية تهدد استمرارية نشاطه؛ الأمر الذي أدَّى إلى فقدان مئات الآلاف لوظائفهم ومصادر دخلهم”.
ويتابع الخبير الاقتصادي: “هذا بالإضافة إلى أن الاقتصاد اليمني يواجه حاليًا تحديات متمثلة في عجز موازنة الدولة الناتج عن الانخفاض الكبير في الإيرادات، فضلا عن تشظي الاقتصاد الوطني وانقسام المؤسسات، ونهب الموارد العامة، وبقاء أكثر من مليون ومائتي ألف موظف بلا رواتب للعام السادس على التوالي، في مناطق سيطرة الحوثيين”.
انعكاسٌ مأساوي للشباب
يصف الشاب عبدالعزير البتيك (21 عاما) يوم الحادي والعشرين من سبتمبر بـ”اللعنة التي حلت على اليميين”، حيث يقول” إنها نكبة لم ينجُ منها ومن عواقبها أحد”.
وكشاب، يلتقط البتيك من مأساته ذكرى يستدل بها على بشاعة هذا اليوم، قائلا لشباب هاوس: “يعمل والدي كمعلم في القطاع التربوي، ولكن الحادي والعشرين من سبتمبر جعل والدي يخسر راتبه الشهري، كان هذا المصدر الوحيد لإعالتنا”.
في مآس اجتماعية أخرى يشرح البتيك كيف أن يوم 21 سبتمبر 2014 أثر على الشباب بشكل كبير، فالحرب التي جلبها هذا اليوم أدت إلى ازدياد تعاطي الشباب للمخدرات، كما أن عشوائية حمل السلاح زادت من حدة انتشار الجرائم، مشيرا بذلك إلى تفاقم معاناة الناس التي أثرت سلبا على استقرارهم النفسي ودفعتهم للانحراف في السلوك في مجتمع واقع تحت الحرب منذ ثمان سنوات.
يؤكد البتيك أن ما حدث في 21 سبتمبر 2014 نكبة أدخلت المواطن اليمن في معاناة لم يشهدها من قبل، أما الحوثيون فهم يصدرون 21 سبتمر كثورة وانتصار لليمنيين، لكن ما يحدث على الوقع يفضحهم، حسب قوله.
من جهة أخرى، تقول نجوى حسن (29 عاما): “انقلاب الحادي والعشرين من سبتمبر كان حدثا مفاجئا لليمنيين، لذلك لم يستطع الشباب تقبله”.
تشير نجوى إلى “أن الحوثييون لغوا كل آمال وطموحات الشباب اليمنيين بالتحضر والازدهار، 21 سبتمبر 2014 كان حدثا ينقل اليمن إلى الوراء، وهذا انعكاس لما جاء به الشباب في أحلامهم الوردية في ثورة 2011”.
وتسلط الضوء على العواقب فتقول إن الحادي والعشرين من سبتمبر، أدخل اليمن في سلسلة كبيرة من المخاطر أبرزها الانقسام القومي الذي يهدد الوحدة اليمنية التي قامت في 22 مايو 1990، مشيرة إلى محاولات الحوثي لإرساء ثقافة الفصل الثقافي والعنصري، وبروز جماعة جنوبية تطالب بالانفصال، بالإضافة إلى نشوب الصراعات الداخلية التي غذاها يوم 21 من سبتمبر.
أما الحارث البتيك فيقول عن 21 سبتمبر: “إنه يومٌ أقل ما يقال عنه بأنه أسوأ يومٍ مر على تاريخ اليمن واليمنيين، يوم استيقظ فيه اليمنيون على خبر سقوط العاصمة بيد مليشيا الإرهاب، بعد أن فرضوا سيادتهم بالقوة، وقطعوا رواتب المواطنيين ونشروا أفكارهم الظلامية”.
يضيف: “بعد 21 سبتمبر انقطعت كل سبل العيش الكريمة عن اليمنيين ولم يعد لهم من خيار سوى الرضا بما حصل لهم والاستسلام الكامل لجماعة أعادتهم لما كانوا عليه قبل 70 سنة من الجهل والتشرد والجوع والفقر”.
التأريخ الأول للصراع
مؤسس مركز نشوان للدراسات والبحوث، عادل الأحمدي، يقول بدوره إن الـ21 من سبتمبر 2014، لم يكن حدثاً مفصلياً مباغتاً بحد ذاته، بل كان محطة السقوط الأخيرة، في سلسلة من الأحداث والتحولات والنكسات التي بدأت في صعدة 2004، وقيام الحكومة اليمنية المتمثلة بالرئيس علي عبدالله صالح آنذاك بقتل زعيم الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي، بسبب تمرده على الحكومة اليمنية وشن خطابات إرهابية معادية لأمريكا.
يبين الأحمدي: “إثر التمرد الذي حصل في صعدة عام 2004 توالت حروب بين الحوثيين والدولة سميت بالحروب الست، فوجدت الحركة الحوثية بيئتها المواتية في الربيع العربي أثناء ثورة الشباب اليمني عام 2011، بعدها تمكن الحوثيين من إسقاط أجزاء من صعدة المدينة في مارس(آذار) 2011، ثم انتهت باستلام الحوثي لمحافظة صعدة بالكامل عقب أحداث سقوط وادي دماج شرقي محافظة صعدة شمال اليمن عام 2013.
ويضيف الأحمدي: “في سلسلة التوسعات اتجه الحوثي من صعدة إلى محافظة عمران بدأ بتحججه باللواء 310، وخلق قضايا ثأر، ومن ثم التهجم على امدادات الكهرباء، وانتهت بسقوط عمران في يوليو (تموز) 2014”.
ثمة حالة إجماع عند غالبية اليمنيين بأن الحادي والعشرين من سبتمبر بقد ما هو ذكرى أليمة اإلا أنه كان نتاجا طبيعيا للفشل الذريع والتآكل الذي آلت كانت قد إليه النخب والأحزاب السياسية اليمنية.