منذ عام أو عامين، بدأت أمواج ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تتشكل في سماء اليمن من جديد، بأسماء وطاقات وطرق أصيلة أنجبت – بلا شك – من جينات سبتمبرية في رحم الوطن الكبير “الجمهورية اليمنية”.
الجيل، الذي يوشك أن يصنع التغيير، تمكّن في وقت قصير من التفريق بين الحق والباطل بمقارنات طبيعية للأحداث والأهداف التي تحاول صناعتها مختلف القوى اليمنية المتصارعة.
ولأنه ما زال جيلًا نظيفًا خاليًا من الأجندات والمصالح والتوجهات، وجد نفسه في مترس الثورة الكبرى، التي كفر بها الكثير خلال العقود الماضية بسبب عدم معايشة أسباب انطلاقها، فكانت عادية بالنسبة لهم.
شباب اليمن الجديد عرفوا الأسباب، وذاقوا بعضًا مما ذاق ثُوار الـ26 من سبتمبر المباركة، فرفضوا الانخراط في أيّ من القوى المتبلدة أو المتآمرة ضد سبتمبر، ولم يعودوا فقط لتقديسها والدفاع عنها، بل ويجبرون الجميع على إعادة قراءة التاريخ ودراسة الأحداث والوقائع التي أدت للانفجار السبتمبري العظيم في 1962.
الأهم والأجمل في ما حدث، ويترتب للحدوث اليوم وغدًا، هو إعادة تشكُّل “جمهور سبتمبر وأكتوبر”، هذا الجمهور الذي باكتماله ستختفي تمامًا مشكلات وأسباب تمزق القوى الجمهورية التي وصلت ذروتها في فبراير 2011، شباب يلملمون شتات الوطن من عمق الجحيم، مذكرين كل الذين تدلت أياديهم حربًا وجوعًا ويأسًا بأنّ ثمة راية تستحق الحياة من أجلها، والقتال دونها، والاستمتاع برفرفتها في سماء الوطن.
تمكّن بالفعل شباب اليوم من إعادة الوهج لشعلة سبتمبر التي كادت أن تنطفئ بفعل الانقسام الذي حدث رأسيًّا وأفقيًّا، تمكّن من إشعالها في كافة مدن اليمن، بل وفي القرى والوديان والسهول والجبال، في سابقة لم يحظَ بها أيّ حدث أو قضية في تاريخ اليمن.
شباب يقرأون بدِقة، ويكتبون عن سبتمبر بجرأة لم نعتدْها، يعيدون تعريف الثورة في محاولة للاتصال بسبب وجودهم وكينونتهم، يحاولون التقاط الصور الملونة مع آبائهم (ثوار سبتمبر)، ونشرها، واستبدال صورهم التي ظلت بالأبيض والأسود لعقود من الزمن.
وكما توقف علماء الفلك عند الانفجار العظيم كنقطة بداية الخلق والكون، فشباب اليمن يؤكدون اليوم أن ثورة الـ 26 من سبتمبر هي الانفجار العظيم الذي أظهر للنور شعبًا ظل في ظلام الدجل والخرافات والجهل والمرض لأكثر من ألف عام.
وأمام الحقيقة التي توصل إليها هذا الجيل من الشباب، وجدت القوى السابقة نفسها أمام رايات تشير إلى نهاياتها الحتمية، ولم يعُد أمامها سوى الانخراط في حب سبتمبر، أو عدم كراهيتها على الأقل كتُقية ربما تنقذهم مما هو قادم.