بروازرئيسي

فارس الحرب على البطالة في تعز
يقدم فرصًا للشباب

هشام سرحان

بعد أن ينتهي الشاب محمد أحمد المجيدي (30 عامًا) من أداء عمله الميداني مع بعض المنظمات والمؤسسات الأهلية، والتي يعمل لديها بالأجر اليومي، يقضي أوقات فراغه في تسيير أعمال منصة فرص تعز، والتي عادة ما تشغل تفكيره، وتستهلك الكثير من وقته، وتتطلب منه بذل الكثير من الجهود، والتي يقوم بها منفردًا، وبإمكانيات متواضعة، ولذلك تبدو أحيانًا ثقيلة عليه، ومرهقة له.
منصة (شباب هاوس) التقت الشاب المجيدي للحديث عن مشروعه الإنساني الذي سمّاه فرص تعز، والهادف إلى توفير أكبر قدر من فرص العمل للشباب في محافظة تعز التي تعيش أوضاعًا صعبة بفعل الحصار المفروض عليها طيلة سنوات الحرب، وخصوصًا المدينة نفسها.

 

يتحدث المجيدي لـ”شباب هاوس” بروح التفاؤل والأمل، شارحًا مشروعه الذاتي.. يقول إنه منذ ثلاثة أعوام، وبجهود ذاتية، يقوم بالبحث اليومي، ومن مصادر متعددة، عن الفرص المتاحة والمفيدة من وظائف ومنح ودورات تدريبية وعروض ومبادرات ومشاريع يمكن أن تغيّر حياة ومستقبل مئات العاطلين والمحتاجين في مدينة تعز المحاصرة، ثم يجمعها تحت سقف واحد وينشرها في نوافذ إلكترونية أنشأها تباعًا لهذا الغرض في مطلع أبريل من العام 2020، وأطلق عليها اسم فرص تعز.
ويضيف أنه من خلال 29 مجموعة خاصة بمنصة فرص تعز على الواتساب، إلى جانب حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتليجرام وانستجرام)، يوفر مرجعًا إلكترونيًّا لآلاف الشباب العاطلين والمحتاجين للوظائف والتدريب والتأهيل والمنح الدراسية المجانية، فضلاً عن المقبلين على الدراسة الجامعية، والمتطلعين نحو تطوير مهاراتهم، وتعلّم اللغة الإنجليزية، وقيادة الحاسوب، والسفر، وتغيير حياتهم، وتحسين أوضاعهم المادية والمعيشية.

جهود
تندُر مثل هذه المنصات المتخصصة بمحافظة تعز، والتي تعد الأولى من حيث عدد السكان وخريجي المدارس والجامعات، إضافة إلى كونها الأكثر تضررًا جراء الحرب والحصار المزمن الذي تفرضه مليشيا الحوثيين منذ العام 2015، وما صاحبه من تدهور متسارع للأوضاع، وتزايد كبير في نسبة الفقر والبطالة، والتي بلغت 80% طبقًا لتقارير رسمية، وهو ما يدفع المجيدي نحو مواصلة نشاطه الطوعي، والذي يحرص من خلاله على كسر العزلة التي يعيشها سكان هذه المدينة، والتخفيف من معاناتهم من خلال اطلاعهم على آخر فرص العمل، والجهات المحتاجة لموظفين، وطريقة التقديم.
يكسر هذا الشاب، والذي ينحدر من عزلة الأمجود التابعة لمديرية شرعب السلام، النمط السائد في العديد من المنصات المشابهة، والتي تهتم بنشر الفرص المتاحة في مختلف محافظات البلاد؛ إذ يركز المجيدي اهتمامه على مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية لاعتبارات معينة، أبرزها حاجة سكان هذه المدينة لمثل هذه المنصة، والتي أضفى عليها بعض التغييرات والأنشطة ليميزها عن غيرها من المنصات المنافسة، والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليد.
في السياق ظهرت خلال الأشهر الماضية منصات مشابهة لـ”فرص تعز” على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يقوم أشخاص بنشر العديد من الفرص المتعلقة بمهنهم التي يزاولونها أو بغيرها، في توجه شبابي ملحوظ، يراه ناشطون ذا جدوى وقيمة بالنسبة لسكان تعز، والتي تندرج ضمن قائمة اهتمامات العديد من المنصات والمواقع الإلكترونية، والتي تهتم منذ سنوات بأخبار الوظائف في عموم اليمن.


وينشر المجيدي في “فرص تعز” أخبار الوظائف الشاغرة، والمعلن عنها من قِبل منظمات محلية ودولية ومؤسسات وجهات ومنشآت محلية أخرى، فضلاً عن المنح المجانية، والدورات التدريبية، والمبادرات المجتمعية، والبرامج التنموية، والأنشطة التنافسية، وحملات التبرع بالدم، والأشياء المفقودة، وسبل استعادتها، كما ينشر معلومات تقنية متنوعة، ويواكب عمليات التنسيق في المعاهد والجامعات، بما فيها جامعة تعز، وذلك من مرحلة التقدم وحتى نشر أسماء المقبولين، طبقًا لروايات مستفيدين وناشطين.

فرص تعز في نظر الآخرين
يقول الناشط والإعلامي عبدالواسع الفاتكي لـ”شباب هاوس” إن منصة فرص تعز تقدم خدمات متعددة لمشتركيها ومتابعيها، وكذلك للمجتمع، من خلال إفراد مساحة للإعلان عن المفقودات كالوثائق والأموال والهواتف والذهب وتحديد اسم الشخص الذي فقدها وأماكن فقدانها وعناوين وأرقام هواتف الشخص الذي عثر عليها، ما يسهل عملية استرجاعها.
ويلفت الفاتكي إلى أن تلك المنصات تُمثل الطريق الأمثل والأسهل للراغب في الحصول على فرصة عمل أو تدريب أو معرفة تفاصيل التقدم للجامعات والمعاهد الخاصة والحكومية.

إياد سعيد (20 عامًا)، طالب جامعي، وهو عضو في إحدى مجموعات الواتساب الخاصة بـ”فرص تعز”، يقول لـ”شباب هاوس” إنه يتابعها بشكل شبه يومي بحثًا عن دورات تدريبية ومنح وعروض تساعده على تطوير مهاراته وفرص عمل تمكنه من تحسين أوضاعه المادية وتوفير مصاريف ونفقات دراسته الجامعية.
وتنال منصة فرص تعز، والمحتوى الهادف الذي ينشره صاحبها بهدف منفعة العاطلين ومساعدتهم في العثور على مصادر دخل وغيرها، استحسان سعيد، والذي يذكر أن متابعته للفرص المنشورة في هذه المنصة ساعدته على الالتحاق بالجامعة والمشاركة في العديد من الدورات المجانية، أو قليلة التكلفة، وذلك في مجال الكمبيوتر والأنظمة المحاسبية ودراسة اللغة الإنجليزية إلى جانب بعض البرامج والأنشطة التي نظمتها بعض المنظمات والمؤسسات والمبادرات التنموية.
وتتباين آراء المستفيدين من منصة فرص تعز حول الفوائد التي عادت بها عليهم، حيث يقول الشاب الثلاثيني محمد أحمد لـ”شباب هاوس” إنها ساعدته في الحصول على عمل، فيما تذكر هناء فرحان أنها مكّنتها من الحصول على عمل في إحدى المنظمات، كما ساعدت شقيقتها أمل في استرجاع شنطتها التي فقدتها قبيل عدة أشهر، وفيها هاتف محمول ووثائق وذهب ومبلغ مالي .

محطات
في السياق يشعر مؤسس منصة فرص تعز بالارتياح لِما يقوم به في المنصة، والتي تحظى بإقبال كبير ومتزايد بشكل يومي، ما دفعه نحو توسيع أنشطتها وتطويرها، وذلك بعد أن أنشأها بهدف إيجاد ملتقى إلكتروني واحد للفرص المتاحة في مدينة تعز، وتعميمها على أكبر قدر ممكن من الشباب.

الفكرة
وجاءت فكرة تأسيس منصة فرص تعز من واقع اهتمام المجيدي، والذي كان قبيل إنشاء المنصة يبحث عن تلك الفرص ويرسلها لأصدقائه، كما يبحث عن الأشخاص المحتاجين لها، ويرسلها لهم على أرقامهم وحساباتهم الخاصة، وهو ما قاده إلى إنشائها، ومر ذلك بمراحل بدأت بإنشاء مجموعة في الواتساب، ثم توسعت إلى التليجرام، ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
وصل إجمالي المتابعين لـ”فرص تعز” إلى 30 ألف متابع ومشترك، يتوزعون على مختلف نوافذ المنصة، والتي يتولى المجيدي العمل عليها والإشراف على أنشطتها، ونشر كل جديد فيها، ويمارس نشاطه الطوعي هذا خلال أوقات متفرقة من اليوم، ولا يقتصر على ساعات محددة منها، ويوضح لمنصة شباب هاوس: “كلما أحصل على فرصة مناسبة أقوم بالعمل في المنصة”.
يستقي الشاب المجيدي ما ينشره في فرص تعز من خلال متابعته لمواقع على الإنترنت، وصفحات أشخاص، وحسابات مؤسسات ومنظمات وشركات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نشاط يستعذبه المجيدي، في حين يجده الآخرون مفيدًا، ويعبّرون عن امتنانهم له أثناء مروره في الشارع، أو عبر الاتصال الهاتفي، أو المراسلات، أو التفاعل والتعليقات في مختلف نوافذ المنصة، والتي طالعها معد التقرير.

تطلعات
ينفق المجيدي الكثير من المال لتمويل نشاطه هذا، والذي يحتاج الاستمرار فيه إلى الدعم، كما يتطلب تطويره إلى نفقات تشغيلية وأجهزة وموظفين وميزانية ومبلغ مالي كافٍ لتصميم الموقع والتطبيق الإلكتروني، وجعلهما متاحين على الشبكة العنكبوتية، كما جاء في حديثه لـ”شباب هاوس”.
تتوطد علاقة المجيدي يومًا بعد آخر مع المستفيدين من نشاطه، والذين يتفاعلون مع ما يقوم به، ويساعدونه في البحث عن الفرص المتاحة، ويرسلونها له ليطلّع عليها ويقيّمها، ثم يقوم بنشرها، كما يقومون بإبلاغه عن الأشياء التي فقدوها أو عثروا عليها، ويوافونه بمعلومات حول الأشخاص المحتاجين للدم والراغبين في التبرع به.
تُشكل “فرص تعز” حلقة وصل بين المتبرع بالدم والمحتاج للتزود به، إذ أنشأ صاحبها قاعدة بيانات للأشخاص المتبرعين، تتضمن أسماءهم وأرقام هواتفهم، وعناوينهم، وفصيلة الدم، وهي معلومات لا يكتفي بنشرها، بل يوثقها ليزود بها المحتاجين للدم في حال تطابقت فصائل الدم مع الأشخاص المتبرعين، أو ينشر حاجتهم لفصائل أخرى في نوافذ المنصة.
يقول المجيدي إنه يجد صعوبة في تسيير أعمال المنصة باستخدام هاتفه المحمول، إذ يحتاج إلى كمبيوتر محمول لإنجازها، ومع ذلك تقابل جهوده بالكثير من الامتنان، والتي يعبّر عنها المستفيدون عبر الرسائل الخاصة أو التعليقات، وهي تفاصيل تبعث في روح المجيدي السعادة، وتدفعه نحو تقديم المزيد، وتساعده على قياس الصدى والنجاح الذي حققه، والذي يراه في حب الناس ورسائل الشكر التي يتلقاها، وهذا يبدو كافيًا، حدّ تعبيره.

يحاول المجيدي توسيع نطاق نشاط المنصة، والتي يقول إنها محصورة حاليًّا بمحافظة تعز، ويقود مساعي لإنشاء نوافذ خاصة بالنساء في المدينة، وأخرى خاصة بالفرص المتاحة في عموم اليمن، كما يقود محاولات لتطوير المنصة، والتي يتطلع نحو إنشاء موقع إلكتروني، وتطبيق خاص بها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى