كتبت/آية خالد
هيا بنا نعمل جولة سريعة عن واقع الطفولة اليمنية في القرن الواحد والعشرين.. نبدأها من التعليم والطائفية والعنصرية المزروعة فيه التي تؤثر وتقضي على مستقبل الطفولة اليمنية.
بلد كاليمن غارق في الصراع للعام الثامن على التوالي، التعليم وكوادره أكثر جانب تضرر من هذه الحرب، فالمعلمون انقطعت رواتبهم مع انطلاق أول شرارة حرب، وينتظرون الأقساط التي تجود بها الحكومات عليهم كل ستة أو ثلاثة أشهر على الأقل، الأمر هذا جعل كثيرًا من المُعلمين يقطنون منازلهم، ويمتنعون عن أداء مهمتهم التعليمية، ولا حجة عليهم، فالوضع الاقتصادي المتدهور وتلاعب سعر العملة يتطلب منهم البحث عن أي وسيلة تكسبهم المال.
فكل الأسر تتمنى أن يتعلم أبناؤهم في بيئة صحية خالية من النزاعات والمماحكات السياسية، التي لا تخص الطفل ولا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، لكن الواقع وسلطته المفروضة جعلت الأهالي يقفون مكتفين يتعقبون القادم بقلق وخوف، ولا قدرة لهم على تحريك أي ساكن.
على الجانب الآخر انضافت كارثة جديدة على التعليم في اليمن، وهي تغيير المناهج الدراسية في المناطق التي تقع تحت سيطرة جماعة أنصار الله كما يسمون أنفسهم، وهي إدخال أفكار دخيلة على المنهج المدرسي، وإجبار الطلاب على الامتثال والطاعة لهذا المنهج، استبدال كبار الشعراء بشعراء منضمين لهذه الجماعة أو موالين لها؛ بغرض تلميعهم وإبرازهم، وهذا يكسبهم ولاءهم وخضوعهم أكثر.
أن يتحول الكتاب المدرسي لمذكرات خاصة بسيدهم عبد الملك الحوثي، ومواليه، وتصنيف الناس لجماعات وقبائل وسادة وأشراف… وكأن مقاليد الحياة تحت أيديهم، ما الذي سيستفيد منه الطفل من هذه الأفكار الهشة والزائفة، غير الكراهية والحقد، وزرع الضغائن بينه وبين زملائه.
حدثني سالم أحد أولياء الأمور في صنعاء وهو ينتمي لإحدى المحافظات الجنوبية أن شجارًا دار بين طفله وصديقه في الفصل الذي ينتمي لإحدى المحافظات الشمالية، والسبب أن معلمهم شرح لهم عن المشاكل السياسية، وعندما ذكر إحدى المحافظات قال: “دواعش” فسأله الطفل عن معنى دواعش، وأسهب المعلم بالشرح، فبعد الحصة أصبح الطفل ينادي صديقه “يادا عشي يا ابن الدواعش” هذه هي الأفكار التي نُحذر منها من بداية الحرب، ونحذر من أن يتم استهداف الأطفال في الخلافات السياسية، فما المغزى أن يعرف طفل في الثامنة من عمره عن الأحقاد السياسية والشخصية؟!
يقول سالم: “طفلي انهار باكيًا من التنمر الذي تعرض له من زملائه بسبب صديقه الذي أساء له، ومن بعدها الجميع يناديه بـ “الداعشي”، فرفض الذهاب للمدرسة مُجددًا، وعندما ذهبنا لنقدم شكوى لإدارة المدرسة لم نجد أي تجاوب وتعاملوا مع الموضوع باستخفاف وكأن شيئًا لم يكن.
إن كُنا في دولة لها هيبتها وتحترم التعليم وتحترم الطفل الذي يتلقى مثل هكذا معلومة، لكان عُوقب هذا المعلم وأُحيل للتحقيق، فهم لا يعلمون خطورة مثل هكذا نزعات طائفية بين الأطفال، ومدى تأثيرها عليه مستقبلًا، ومدى الحقد والخلاف الذي تزرعه بنفوس الأطفال تجاه بعضهم، ألا يكفي العنف الذي يتعرضون له كل يوم بسبب الحرب التي رأينا بدايتها، ولا نهاية لها!
فهل يعي هذا المعلم مدى الضرر النفسي الذي سببه للطفل، والأذية التي ستكبر معه؟ فلا نتعجب من أننا نمتلك أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدارس، حسب اليونيسف 2021م.
هذا الأمر اضطر كثيرًا من الأهالي لإخراج أطفالهم من المدارس وإبقائهم في البيوت، إما ليتعلموا عن بُعد ويذهبون للامتحانات فقط، وهذا ليس حلًا وسلوكًا خاطئًا فرضته الجماعات الإرهابية؛ تشجيعًا لتسريب الأطفال من المدارس واستدراجهم بجبهات القتال، وهذه سياسة قذرة تتخذها الجماعات المسلحة.
الأمر الآخر لجأ كثير من الأهالي لإلحاق أطفالهم بالمعاهد؛ لاكتساب مهارات تفيدهم، وسيقومون بشراء شهادات جاهزة لهم من المدارس، وهذه خطوة في غاية الخطورة، وتدخلنا في دوامة تفشّي الفساد أكثر، وشراء نتيجة دون جهد، وكارثة كبيرة تُضاف للكارثة التعليمية في اليمن.
وسط كل هذه الأحداث في الركن الآخر الطلاب في فصلهم الدراسي منتظرون معلمًا يأتي ليلقنهم درسًا أو عقابًا، ولكن طال انتظارهم لثمانِ سنوات متتالية، ولا يعلمون ولا نعلم سيطول الانتظار كم؟!
وأطفال متجولون على قارعة الطرق يمتهنون مهنًا شاقة لا تناسبهم، ولسان حالهم يقول: “أعيدونا لمدارسنا”.