كتب/ أصيل إيهاب
طاف بصوته كل اللهجات والمدن، وصنع من نفسه أيقونة البلد التي أُثقلت بالفن وبتعرجات صراعات لا تنم إلا وأيقظها وحش جديد.
اعتُبر المرشدي الأب الحنون لفناني عهده، فهو “الشيبة” الذي يحكي عنه أبو أصيل في مناكفاته على الهواء في المقابلات، وهو أول من قدمه للجمهور.
يذكر ذلك بلفقيه ويقول: هذا أستاذنا كلنا، في مقابلة أجراها تلفزيون عدن عقب زفاف ابنته أنغام في الثمانينيات.
المرشدي هو أغنية الحب، الوطنية، المقاومة، والجبل والساحل والوادي.
في الأغنية الصنعانية تجده رائدًا، في الدان يسبق الكثير، في لحج له بساتين موسيقى، في السهل التهامي تسمعه يقول: “واصياد قبل امشروق.. بمهوري لوحدك تصيد”.
وفي ذكرى سفر الشاب التعزي إلى عدن في القرن الماضي، يتغنى بـ: يا نجم يا سامر، في تجسيد لذاكرة الشاعر الذي كتب القصيدة على سطح مسجد في منطقة المَصَلّى – الأحكوم، الميناء البري الذي كانت تتوقف فيه الرحال قبل أن تستمر في طريقها لعدن.
أود في المقالة أن أعرج على سلوكه الثقافي والسياسي، المناصب التي تقلدها والأوسمة، ولكن يهمني الآن المرشدي كسلوك شاعري، كإنسان تحكيه أغنيته ويحكي حياتنا بها وليس سيرته الذاتية.
لحبيبين؛ إذا كنتِ عزيزتي القارئة عاشقةً
يمكن أن نضع أغنية “عرفت الحب” كإهداء أيقوني معتق.. أغنية سافرت سنين طوال ولم تفقد شاعريتها، ومتمسكة بغزلها العدني الشجي.
ببهجة ولطف ردد صوت المرشدي كلمات لطفي جعفر أمان قائلًا:
عرفت الحب
لما الحب، منك إنتِ جربته
وكان الحب فلم جميل،
من الأفلام شاهدته.
وكنت أقول أيش الحب! وأولته وآخرته؟
وقابلتك… ولما العين جات في العين،
وشفت نفسي جسد واحد وله روحين،
عرفت الحب..
عندما نعود للبلد ونشأتها، نجده يصدح بـ (نشوان نشوان) و(يسك يسك كل شي حتى الهواء حرموه) الأغنية المفقود تسجيلها،
والتي غناها في تعز أواخر فترة الحكم الإمامي على شمال اليمن، وكانت من كلمات الشاعر إبراهيم صادق.
في حفل الثورة الأول أيضًا، نجده واقفًا يغني ويطرب الجماهير.
ارتبط المرشدي بالإنسان ومشاعره وتعرجاته، وجسَّد ما عاشوه في حقبتهم بكل وضوح، نجده يغني (بامعك بامعك يا حبيبي وخلي، بامعك بامعك نارك ولا جنة أهلي) محاكيًا قصة عاشقة لم تعبث بعاطفتها وسائل الاتصال، ولم تقرب لها العولمة المسافات.
العاشقة التي تنمو في خيالها فاكهة الحب وسط النار، وتتخلى لأجل المحبوب عن الجنة، والأهل، والناس.
للفل غنّى، وللورد قائلًا: أنت يا فل يا أحمر، يدعسك ألف شيطان.
كأنه يمازح الفل بِذُل، ويذكّره بالعلاقات الحمراء التي كان شاهدًا عليها وحاضرًا فيها.
أما في الخصام والعتب والحيرة…
في (يا حبيبي هكذا) يتساءل عن سبب (الزعل) المجهول، ويعكس بهذا سلوكًا شعبيًّا متكررًا يُلزم المرأة الصمت وقت (الحنق) كأنها تعاقب مُحبها بالسكوت عوضًا عن الصراحة وحل المشكلة.
في وقت مستقطع بين جلستيّ عمل، وعلى عُجالة كتبت النص
هائمًا بصوته الذي يشدو بـ عرفت الحب.
وأنا أفكر بقصص العشرينيات التي قطعت نصفها كالسهم.
ما غاب من سنوات عمري، وما سيأتي.