نواف الحميري – شباب هاوس
يعد الشباب العمود الفقري الذي يعول عليهم بناء مستقبل اليمن الحديث، فهم يلعبون دورًا حيويًّا في التنمية، من خلال إسهاماتهم في مختلف ميادين العمل، ولكن هذه الفئة، والتي تشكل 33% من المجتمع اليمني، تم تهميشها وإبعادهم عن المشهد السياسي والإداري، ويكمن ذلك في سياسة الأنظمة والحكومات المتعاقبة في اليمن التي لم تتِح لهم تولي مناصب إدارية تسمح لهم بالمشاركة في صنع القرار.
ثوار تحولوا إلى وقود للحرب
“هتفنا بكل حماس من أجل التغيير، وخرجنا من أجل تحقيق أهدافنا نحن الشباب، ولكن سرعان ما تبدل حال الثورة عندما انضم إليها الأحزاب السياسية، وقاموا بالالتفاف عليها”.
هكذا يقول محمد جميل، ذو الثلاثة عقود، أحد شباب ثورة 11 نوفمبر 2011 في اليمن، لمنصبة “شباب هاوس”، عن ثورتهم “المسروقة”.
وأضاف محمد: بعد تنازل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة بموجب المبادرة الخليجية، وما تلى ذلك من مؤتمر للحوار الوطني، كنا نأمل حينها بإشراك الشباب في الحكومة الجديدة، لكن هذا الأمل تبدد وانتهى”.
وتابع حديثه: “استمر تغييبنا (كشباب) بعد تنحي الرئيس السابق “صالح”، على الرغم من دورنا الكبير في التغيير، لم يكن حضورنا واسعًا في إدارة البلد، حتى بعد اندلاع الحرب وتبني خيار السلام من قِبل الأمم المتحدة، من خلال المفاوضات المتعددة بين الحكومة وجماعة الحوثي”.
ولفت محمد إلى أن الأطراف السياسية لم تلتزم بمخرجات الحوار الوطني التي نصت على إشراك الشباب في صناعة القرار.
وقال : “تم تغفيل مخرجات الحوار الوطني التي كان من المفترض أن يتم إشراكنا فيها، ومنحنا نحن والنساء نسبة 30%، إلا أن هذا لم يتم حاليًّا تحت ذريعة أن الشباب لا يمتلكون خبرة في المفاوضات، ويقومون باستبدالنا بأشخاص لديهم انتماءات سياسية، وهذا ما أثر سلبًا علينا”.
بحسرة وندامة يتحدث محمد جميل لـ”شباب هاوس” عما وصل إليه حال الشباب في اليمن بعد مرور أكثر من 12 عامًا على ثورتهم الشبابية.
يقول جميل: “أحلامنا تبددت، وآمالنا ذهبت أدراج الرياح، وأجبرنا على الانخراط في هذه الحرب، وأصبحنا نحن وقود هذه الحرب بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي أجبرتنا على أن نكون وقودًا لها”.
الكثير من شباب الثورة السلمية حالهم حال محمد، ممن أجبرتهم الظروف التي تمر بها البلد إلى الانخراط في هذه الحرب.
غياب الشباب من المفاوضات
تقتصر المفاوضات والحوارات التي تجريها الأمم المتحدة على أطراف الصراع بشكل أساسي، ولم يتَح فرصة للمجتمع المدني ولا للمكونات الأخرى، بما فيهم الشباب والنساء، من خلال إشراكهم في تلك المفاوضات، بحسب مدير منظمة “شباب بلا حدود” ماجد الخليدي.
يقول الخليدي لـ”شباب هاوس”: “آلة الحرب كانت الأقوى، والشباب سلاحهم يقتصر على الكلمة والقلم، لذلك تم تجاهل هذه الفئة من المجتمع، إلى جانب أنه تم استغلالها بشكل سلبي كوقود للحرب بدلاً عن كونهم أدوات للسلام”.
وأوضح: أن من أهم أسباب عدم إشراك الشباب في المفاوضات هو غياب رؤية لدى الشباب وانقسامهم، وعدم تواجد كيان شبابي جامع يعمل على إيصال أصواتهم للمجتمع الدولي.
وأرجح الخليدي سبب الانقسام بين الشباب إلى الحرب المشتعلة في اليمن منذ نحو ثمان سنوات.
وعن دور الحكومة وما تقدمه لفئة الشباب يقول الخليدي: “الحكومة انشغلت في إدارة الصراع، ولم تعطِ أي مساحة من اهتماماتها للشباب في مراحل كثيرة من مراحل الصراع، وكان الأحرى بها أن تخصص صناديق، وتمول أنشطة خاصة بهم، ويجب أن يكون لديها استراتيجيات وخطط من أجل إشراك الشباب في بناء السلام، وفي العملية التنموية والسياسية والإنسانية”.
“إن القيادات اليمنية لا يمتلكون النوايا الصادقة تجاه الشباب وإشراكهم بشكل فعال وحقيقي، وجميع المحاولات التي تجرى لإشراكهم هي محاولات سطحية وشكلية، جميعها مجرد للعرض الإعلامي أو لاسترضاء جهات خارجية، كما تؤكد “شيماء بنت عثمان، باحثة – المركز اليمني للسياسات”.
وتتابع شيماء حديثها: “وعود متكررة، ولكن لا يتم تنفيذها على أرض الواقع، وهذا ما انعكس سلبًا على دور الشباب، فنحن نرى أن البطالة تتزايد يومًا بعد يوم، وهناك الكثير من الشباب مهمشون في كثير من الجوانب”.
وتضيف: “السبب الرئيسي والأهم لغياب الشباب من المفاوضات هو عدم وجود النوايا الحقيقية من أطراف النزاع، وينظرون للشباب بأنهم قليلو خبرة في هذا المجال، حتى وإن كان هناك شباب يمتلكون خبرات في هذا المجال يتم استبعادهم”.
الناشط الشبابي إبراهيم جلال يرى أن أسباب غياب الشباب في المشاورات والمفاوضات منذ بدء الحرب متعلقة “بغياب حامل متين وقوي يقوم على رؤية الشباب المشتركة، أي أن رؤيتهم تقتصر على الأنشطة الإنسانية التي يقومون بها، وبهذا تم إنشاء آلاف المنظمات التي تعمل في هذا الجانب مما أثر في رؤيتهم نحو عملية صناعة السلام”.
ويضيف جلال لـ”شباب هاوس” أن هناك بعضًا من منظمات المجتمع المدني المرتبطة بعملية صناعة السلام على المستوى المحلي، ولكنها غير موحدة، وبالتالي قدرتهم على التأثير في ملفات المفاوضات السياسية محدودة.
أما عمّا تقدمه الحكومة للشباب، فيقول جلال: “إن الحكومة تواجه حروبًا متعددة، منها العسكرية والاقتصادية والإنسانية، ومنها التنموية، وبالتالي غياب مؤسساتها التي تهتم بالشباب على أرض الوقع، أدى إلى ضعف عمل هذه المؤسسات بسبب غياب الرقابة عنها، حيث إن ما يتم تقديمه محدود، وينحصر في الجانب الرياضي فقط، وهذا ما خلق فراغًا حكوميًّا ساهم في تغييب دور الشباب في صناعة القرار”. ولفت إلى أن المجتمع الدولي لم يتح للشباب مساحة كافية للتعبير عن آرائهم، وإلى جانب ذلك لم يحرص على إشراك هذا الكيان إلى جانب أطراف الصراع كجزء من عملية السلام، بل يتم التعامل معهم كأدوات للحرب أكثر من كونهم أدوات للسلام.
وتشير بنت عثمان إلى أن “دور الحكومة دور سلبي للغاية تجاه الشباب، حيث إنه كان من المفترض أن يكون لهم دور إيجابي، وخصوصًا في المرحلة المقبلة على اليمن”.
مشاركات فعالة
على الرغم من غياب الشباب عن المشاركة السياسية في المفاوضات والمشاورات المتعلقة بالسلام في اليمن منذ بدء الحرب وحتى الآن، إلا أن حضورهم ودورهم في صناعة السلام على الأرض كان واسعًا وواضحًا وفاعلًا، من خلال الكثير من الأنشطة والأعمال المجتمعية ضمن مشاريع أداروها بنجاح، وساهمت في تعزيز السلام في اليمن، وهذا ما أكده عمر البريهي، المسؤول الإداري في مركز “خدمات الشباب”.
وبحسب البريهي، فإن المركز الذي يديره اهتم بتمكين الشباب وإشراكهم في بناء السلام، مشيرًا إلى أنه قام بتنفيذ عدة مشاريع في هذا الجانب على المستوى المحلي، كما قام بتدريب عدد من الشباب في عملية بناء السلام.
في حين تقول شيماء بنت عثمان: “ركز الشباب على أعمال متعددة، وخاصة خلال فترة الحرب، منها أعمال تتعلق بقضايا الشباب أنفسهم مثل الثقافة والفنون وقضايا المرأة والأعمال الإغاثية، وغيرها الكثير من الأعمال، منهم من يعمل بشكل تطوعي، ومنهم من يبادر بشكل أو بآخر، وهناك الكثير من المؤسسات التي ظهرت خلال فترة الحرب، وهذا ما يدل على أن الشباب انخرط بشكل فعال في قطاع المجتمع المدني، والتطوعي، وهذه الأعمال ساهمت بشكل كبير في إحلال السلام في المجتمعات المحلية، كلّ داخل مجتمعه”.
وتضيف: “هذه الأعمال أحدثت تأثيرًا بشكل كبير في أوساط المجتمع، ولذلك من المفترض أن يتم إدراجهم في المفاوضات التي تسعى إلى السلام، كون الشباب يقدمون خدمات للمجتمع، ويجب النظر إلى أصواتهم، وأن يسمحوا لهم بأن ينقلوا خبراتهم التي مارسوها على أرض الواقع”.
دوائر حكومية دون أنشطة
استُحدثت دائرة خاصة بالشباب من قِبل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن مؤخرًا، لكنها ظلت خاملة، ولا تقدم أيًّا من الأنشطة أو الخدمات للشباب، واقتصر دورها بعمل خطط واستراتيجيات ودراسات دون أن تنفذها على أرض الواقع.
يقول محمد المقبلي، رئيس دائرة الشباب: تركز أنشطة دائرة الشباب على التأهيل وبناء القدرات ومسوحات تقييم وضع الشباب في اليمن، ومدى توفر القدرة التنفيذية داخل بنية الأجهزة التنفيذية داخل أجهزة الدولة لتحقيق النهج الجديد في سياسة الدولة تجاه الشباب، بالإضافة إلى الرعاية والحماية”.
ولفت المقبلي إلى أنه تم استحداث دائرة الشباب من أجل التأهيل والتشغيل وتمكين وبناء القدرات وحماية الشباب، مشيرًا إلى أنه سيتم في الأيام القادمة تنفيذ جميع الخطط التي تم وضعها.
ونوه بأن دائرة الشباب كغيرها من الإدارات لديها خططها، ولديها ميزانية تشغيلية.
مشاريع مع وقف التنفيذ
“تقوم وزارة الشباب والرياضة بدعم الشباب والأنشطة الرياضية المختلفة على امتداد كل المحافظات المحررة رغم الظروف الصعبة، وشحة الإمكانات”، بحسب نائب وزير الشباب والرياضة منير الوجيه.
ويقول الوجيه لمنصة “شباب هاوس”: إن الوزارة قامت بوضع استراتيجية وطنية للشباب، وهي في مرحلة التطبيق بعد أن تم إقرارها في المؤتمر الوطني للشباب، وساهمت كل الأطر الشبابية ومؤسسات المجتمع في بلورة أفكارها.
ويشير إلى أن الوزارة ترتكز في مجمل أنشطتها الشبابية والرياضية على موارد صندوق رعاية النشء والشباب، حيث إن إيرادات هذا الصندوق في العام الواحد تصل إلى مليار ريال.
ويمثل الصندوق حجر الزاوية في دعم مختلف الأنشطة الرياضية رغم شحة موارده وعدم تجاوب البعض من السلطات المحلية في توريد المبالغ الخاصة بالصندوق في المحافظات المحررة.
وعند سؤال مدير دائرة الشباب ونائب وزير الرياضة عن ما هي هذه المشاريع التي سيقومون بها، وما الذي تم تقديمه للشباب من خلالهم كونهم من يمثلون الشباب، إلا أنهما امتنعا عن الرد واكتفيا بالصمت.
في الختام
أنتج الشباب واقعًا جيدًا ومختلفًا إبان “ثورة 11 فبراير”، ومن خلالهم تم إنتاج حل سياسي جاء من مراحل ثورية شعبية شبابية، وأدى إلى حوار فرضه نضالهم الذي تلى المبادرة الخليجية والتسوية السياسية، وانتهى ذلك بمخرجات الحوار الوطني الذي وضع فيه تشريعات تصب لمصلحة النسيج المدني الجديد، لكنه تم الانقلاب على هذا الاستحقاق من قِبل أطراف الصراع، وأصبحت هذه الأطراف هي القوة التي تتسيد الموقف سياسيًّا وعسكريًّا، واحتكرت التمثيل الشعبي، وأقصت الشباب من المشاركات السياسية، وجعلتهم يعيشون ما بين مهاجرين ومهجَّرين في ظل غياب الدعم الحكومي لهم.
اللغة الانجليزية
https://shababhouse.net/2023/01/07/the-dreams-of-yemeni-youth-in-decision-making-are-diminishing/