كتب/ماجد زايد
أنا ما زلت، دائمًا، أتذكر ليل سبتمبر العظيم، عندما كنا أطفالًا، يوم كنا نسهر على أسطح منازلنا، في كل أرجاء الحارات والبيوت، لنتابع الألعاب النارية بليل صنعاء المضاء من أعالي جبالها الشامخة، مع الألعاب والأضواء، وذلك البهاء العظيم، مع أحاديث الكبار الشيقة عن الثورة، والأئمة، والفقر، والجوع، والتخلف، والمرض، وسلاسل السجون، وعن بندق العسكري التابع للإمام، الجندي الذي يرفض إدخال بندقه للمنازل إلّا وهو ممدود بالعرض، هكذا رغمًا عن إرادات الناس وحجم الأبواب والبيوت، كان لو اضطر يهدم الجدار بأكلمه ليدخل ببنقده المعكوس، فقط ليُعبر للناس عن هيبة الإمام،
كانت خيالاتنا كلها عن هذا الجندي لا تتجاوز الشيطان المكلل بالشرور، كائن عملاق يشبه شخصيات الكرتون المتعجرفة، وعندما ننام نتخيل الزبيري ونعمان والثلايا وعبدالمغني، وكيف انقضوا على منزل الإمام وقتلوا عسكري الإمام بتلك الدبابة الوحيدة، وحين يأتي الصباح العظيم، صباح الذكرى السبتمبرية الخالدة، كنا نصحوا على صوت الأغاني والأناشيد الوطنية، أيوب طارش، وتوقدي، وسبتمبر العظيم، أمل كعدل، والآنسي، ونقم وعيبان، وكل الخالدين.. كان الوطن آنذاك ذا معنى كبير في نفوسنا، كان وطنًا، مع نشوة الافتخار، وهيبة نتمنى أن نكون أحد رجالها عندما نكبر، واليوم ماذا؟! اليوم تغير كل شيء، لم يعد الأطفال يعرفون شيئًا عن الوطن سوى صور القتلى والجرحى والمفقودين!
أنا ما زلت حقًّا، أتذكر صباح سبتمبر القديم، حين كانت الأيام الوطنية كلها مواسم لتعبئة الشعور الوطني، وتجديد الحب الصادق لذلك “اليمن” المتخيل في رؤوسنا، وفرصة متكررة لتعميق “الالتصاق” بحروف خرافية تضيء دواخلنا بأمل لا يكاد يخبو، كنا نتجمع مع بعضنا، لنستمع إلى نخبة الأغاني الوطنية ذات النفس الثوري المشبع بطعم الانتصار العظيم للذات اليمنية، إلى روح اليمن وفنانها أيوب طارش وبقية رفاقه من الرعيل الأول والفنانين الخالدين.. أنا حقًّا ما زلت أتذكر ذلك الشعور المتباهي والجامح والمتكرر..