أمي تشاهد معنا كأس العالم، أبي كذلك، كل الصغار والكبار في بيتنا يشاهدون المباريات، ليسوا رياضيين أبدًا، لكنه مونديال العالم ورغبة الذهاب بعيدًا في هذه الحياة، نجتمع جميعًا لنشاهد شاشة واحدة، وصوت واحد، لنشجع بطريقة تأسر المشاعر والأحاسيس وتبعث الكثير من التفاعل والاندماج، أبناء إخوتي الصغار يحفظون أسماء اللاعبين جيدًا ويعرفون تفاصيلهم وأسماء منتخباتهم، نيمار، ميسي، كريستيانو، مبابي، وبقية اللاعبين الكبار مع رفاقهم الآخرين..
بينما يتنافسون على الفوز في المباريات المختلفة، هذا الشجن والحماس لم يحدث من قبل، أن تجتمع أسرة واحدة كأنها على سطح القمر، لتتفاعل طيلة ساعات متواصلة مع مباريات متتابعة، إنه سحر كرة القدم، وشغف التفاعل الإنساني الممتع والفريد.
وفي الشارع أيضًا، سائقو الباصات والسيارات المختلفة يستمعون طيلة الليل والنهار للمباريات في أوقاتها عبر الإذاعات الصوتية، يرفعون الصوت بشكل كبير ليتخيلوا التفاصيل الدقيقة، بائع القات في محله الصغير يشاهد المباريات من باقة النت في جواله الصغير، ركاب الباصات يشاهدون اللقاءات بجوالاتهم بينما يستمعون للصوت من إذاعة الباص، عمال البسطات أيضًا، إسكافي الأحذية كان يستمع للمباراة حينما مررت بجواره نهار اليوم، وباعة البطاط في كافة الأنحاء والأرجاء، يضيئون الليل القارس بأصوات تفاعلاتهم وأضوائهم البارزة، وفي مكان مفتوح من شارع تعز، كان العمال العاطلون عن العمل يجلسون مع بعضهم لينتظروا رزقهم ورزق عيالهم، بينما يتأملون بكافة حواسهم وتركيزهم صوب شاشة تلفون بسيط ليشاهدوا المباراة، والكثير الكثير من الحكايات الاستثنائية والملامح الجميلة جدًّا جدًّا عن شعب يتابع أعظم حدث في هذا العالم، شعب بائس جدًّا، لكنه لا يتوارى أبدًا عن الأحداث، شعب طيب ومسكين وبلا مقومات، يتابع المتعة والشغف والاستمرار، ويتجاهل المكرفونات السلطوية العملاقة بينما تبث الأخبار السياسية والأغاني القتالية والهوشلية، شعب يُحترم حقًّا..
تعظيم سلام لهذا الشعب السلام.