دهليزرئيسي

أنا كما أريد وليس كما تنظر.. العنف ضد المرأة وتبريره في المجتمع اليمني

شباب هاوس / حنين الوحش

“المعجزات كلها في بدني

حيٌّ أنا

ولكن جلدي كفني”

هكذا قالها الشاعر أحمد مطر في قصيدته “الحي الميت”، حيث استوقفني هذا البيت واستحضرت فيه قصصًا كثيرة لنساء متضررات نفسيًّا.

قد لا يكون هناك ربط في المعنى الحقيقي للقصيدة، ولكن تختلف الدلالات واستخدام مضامينها من شخص إلى آخر، خصوصًا إذا كان النص المقتبس هو دلالة صغيرة لواقع مجتمعي نعيشه كل يوم.

في سياق قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، وما تعايشه النساء من أضرار جسمانية ونفسية نتيجة صراعات يومية مع الأسرة والمجتمع ككل، أوضحت “سيمون دو بوفوار” – الفيلسوفة والمفكرة الفرنسية في فلسفة الجنس والجندر: أن “من أسباب العنف الذي فرض على المرأة هي الصورة النمطية في الواقع الاجتماعي الذي حصر المرأة في أدوار ومهام محددة ضيقت أفقها واقتصت أجنحتها”.

الأمر الذي جعل البعض من النساء يتخذن شخصية تابعة، أو يعتبرن أنفسهن درجة ثانية مقارنة بالرجل الذي يتخذ وسائل مختلفة للحفاظ على نفسه داخل قوقعة السلطة الذكورية، وقد عرفت بأنها (سلوكيات وقوانين يسيطر فيها الذكور في المجتمع على الإناث).

ووسط صراع التحدي بين الذكور والإناث الخارجات عن السيطرة الذكورية، برزت نماذج نسائية بنسب ليست بقليلة ليثبتن أن الطبيعة الجسدية الأنثوية ليست هي العائق والقيد الذي يمنع تواجدهن ونجاحهن في المجالات العلمية والعملية والحياتية، وليؤكدن أنه طالما أنهن قادرات فسيحاربن ليخلقن موازنة لتغيير النظرة النمطية التي تستضعف الأنثى وتجعلها محصورة للجنس والمنزل وتلبية رغبات الرجل.

لهذا جاءت بوفوار بفلسفة تقول: إن جسد المرأة هو الذي وضعها في هذا العالم، ومع هذا فإن جسدها لا يلغي فاعليتها في المجتمع، وليس كافيًا لشرح طبيعتها، مدافعة عن طبيعة المرأة وخصائصها الأنثوية باعتبارها هي الكينونة التي تميز المرأة، ودونها تفتقر للكمال الذي يتمتع به الرجل.

حركة نسوية

بدأت الحركة النسوية للدفاع عن الحقوق والحريات الخاصة بالنساء في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كموجة أولى لتعبر المرأة عن نفسها، وتبعتها موجات أخرى لتشجيع مشاركة المرأة وإنهاء التمييز والعنف ضدها ونشر ثقافة المساواة بين الجنسين، وبالرغم من أن هذه الحركات كانت منذ القدم وليست جديدة على الواقع المجتمعي، إلا أن المجتمع العربي خصوصًا لم يعطِ المرأة حقها حتى اللحظة، فما زالت المطالب مستمرة وسط مد وجزر من كلا النوعين.

وبرز في المنطقة العربية العديد من المتنورات المدافعات عن الحقوق النسوية التي لطالما حاربتهن المجتمعات مثل هند نوفل، هدى الشعراوي، ونوال السعداوي، وغيرهن من رموز الحركة النسوية في العالم العربي.

وفي نطاق أضيق، تحديدًا في اليمن الذي يعاني من سيطرة العادات والتقاليد والأعراف القبلية جعلت من الأنثى “عورة” عانت فيه النساء من شتى أنواع العنف، وما زاد الطين بلة هو آثار الصراعات والحروب في المجتمعات، والتي زادت من المضاعفات النفسية لدى النساء المتضررات، حيث تعرضت بعضهن للعنف اللفظي، وحتى الجسدي أحيانًا.

أشار تقرير لمؤسسة المواطنة لحقوق الإنسان، في دراسة بعنوان “جدران هشة” التي أصدرت في أغسطس 2022، تضمنت العنف الأسري ضد المرأة في اليمن منذ بداية الصراع حتى العام ۲۰٢١، حيث أوضحت الدراسة أنه خلال هذه الفترة زاد العنف ضد النساء في إطار الأسرة، واعتبره المجتمع شأنًا أسريًّا، ولم يتم إنصافهن.

وكشفت الدراسة عن تنوع أشكال العنف ضد النساء منذ الصغر، مثل حرمانهن من التعليم والزواج المبكر، وطرق تأديبية يقوم بها أولياء أمورهن من الذكور.

ومن جانب نفسي عقبت الدكتورة وفاء سعيد، أخصائية علم النفس، بالقول: من الصعب حصر وقوقعة الأضرار النفسية للتعنيف بمختلف أشكاله على المرأة؛ لأنها متجددة ومتغيرة من امرأة إلى أخرى، ولكن لا شك أن من أهم الآثار التي تتسبب بها هي جعلها تفقد ثقتها تجاه نفسها، وتشعر دائمًا بالخوف والقلق من المحيط، مع الاتكالية وشعورها بعدم مقدرتها على فعل الشيء، وأحيانًا قد يتسبب الضرر النفسي بالاكتئاب، ويصل إلى الانتحار، وهذا أمر تعايشه المرأة في مجتمعنا باستمرار، وتنقله من جيل إلى آخر.

خلل في تطبيق القانون

ذكر الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عام 1993 بأنه “ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة وألّا تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء به، وينبغي لها أن تتبع، بكل الوسائل الممكنة ودون تأخير، سياسة تستهدف القضاء على العنف ضد المرأة”.

هنا نشير إلى أن القانون اليمني لم يكن منصفًا لقضايا المرأة، بل أعطى الحق للرجل بقتلها، أو ارتكاب الجرائم ضدها، حيث إن قانون الجرائم والعقوبات اليمني قد كرس أسوأ صور العنف ضد المرأة، وهو ما يطلق عليه اليوم العنف القانوني، وذلك برفعه صفة التجريم عن الفعل الناتج عن استعمال الحق، ويقصد به حق الزوج دون غيره من الأقارب فيما يعرف بتأديب الزوجة، وإن لم يفصح المشرع عن تطبيق هذا الحكم صراحة، فاستنادًا للمادة (26) من هذا القانون، ووفقًا لبعض التفسيرات الفقهية لإباحة الأفعال التي تقع استعمالاً للحق وإن ترتب عنها ضرر، فيسقط عنها الركن الشرعي، وتستبعد عنها صفة الجريمة.

ويعد إفلات الجاني سمه سائدة في معظم حالات العنف الأسري، وامتدت إلى جميع أشكال العنف الأسري، حتى أخطرها التي كانت تؤدي إلى إعاقات وإصابات للضحية، وحتى تتسبب في حالات وفاة، ويتم عادة التذرع بأسباب، منها الأمراض العقلية، ومنها وقوع الجاني تحت تأثير المخدرات، وبالتالي لا يتم إنصافهن أو أخذ حقوقهن، وهذا بحد ذاته قصور مجتمعي ومؤسسي في الاستجابة لضحايا العنف القائم على الجنس.

لا شك أن النساء في اليمن يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف جراء التمييز بين الجنسين بسبب العادات والتقاليد المنتشرة في غالبية المناطق اليمنية.

وبالنظر للقانون اليمني وموقفه من هذا الأمر أشار رجل القانون حسان عبده إلى أنه على الرغم من توقيع اليمن على معاهدات واتفاقيات من شأنها أن تحمي المرأة وتقلل حدة العنف الذكوري تجاهها، لكن هذا الأمر لا يطبق فعلاً على أرض الواقع، بل إن هناك بعض النصوص القانونية في قانون العقوبات اليمني كرست أسوأ صور العنف ضد المرأة، وهو ما يطلق عليه اليوم بالعنف القانوني، وهناك الكثير من النصوص التمييزية التي تمنح الرجل أعذارًا مختلفة لممارسة العنف الجسدي ضد المرأة يصل حد الاعتداء على حق الحياة، وصور العنف ضد المرأة كثيرة جدًّا كالعنف الأسري، والختان، وحرمانها من الميراث، وانتهاك طفولتها، وغير ذلك.

وحول الحلول رأى حسان أن لمعالجة هذا العنف الموجه تجاه المرأة يكون بوجود قوانين منصفة لحماية حقوق المرأة ومعاقبة مرتكبي الجرائم بحق النساء، وفتح مكاتب استشارية مجانية مختصة بحقوقهن، والأهم توعية المرأة وتعريفها بحقوقها الأصيلة في المجتمع.

المنظمات والدور المجتمعي

تؤكد فاطمة المريسي (رئيس اتحاد اليمن – عدن) أن الاتحاد يعمل جاهدًا على وضع برامج لتحقيق الأهداف وفقًا للمواثيق الدولية التي وقعت عليها بلادنا في اتفاقية سيداو، ومن ضمن الأهداف وصول النساء إلى مواقع صنع القرار.

مضيفة أنه تم تشكيل فرق رصد على مستوى المديريات لاستقبال البلاغات عبر الخط الساخن، كما عمل الاتحاد بالشراكة مع المنظمات على الحد من العنف ضد النساء في اليمن، ومن خلال التدخلات الميدانية تم تشكيل لجان مجتمعية لعمل حلول للعنف المجتمعي.

وفي جانب تدخل المنظمات تشير تقارير منظمات المجتمع المدني اليمني إلى تنفيذ العديد من البرامج في بناء القدرات، وتعزيز سبل العيش، والدعم النفسي، والمبادرات النفسية والاجتماعية، والمساحات الآمنة للمرأة لمشاركة مآسيها واحتياجاتها وآمالها في المستقبل.

ترى بعض الناشطات أن قلة الوعي المجتمعي بحقوق المرأة وواجباتها وتقبلها بكونها إنسانًا أولاً، وفردًا خُلق حرًّا مستقلًّا بذاته، لديها رغبات مثلها مثل الرجل، وتمتلك قدرات إبداعية ومهارات مثلها مثل نظيرها الرجل، تستطيع أن تعيش وحدها، وأن تفكر وحدها، تستطيع أن تتعلم وتتقلد مناصب، وتتخذ قرارات لوحدها، دون الرجوع إليه، ودون التعقيب حتى على قراراتها، كل هذا سيخلق حياة متوازنة.

هناك الكثير من الحالات من الصحفيات اليمنيات اللاتي تعرضن لأشكال العنف والضرر النفسي بسبب ما تعرضن له من ضغوطات نفسية في إطار عملهن داخل المؤسسات الإعلامية التي يعملن بها، حيث مورس ضدهن مختلف أنواع العنف النفسي، من تنمر وقمع وظلم واضطهاد لحقوقهن وعدم التقدير، الأمر الذي دافعن بأنفسهن أن يكونوا صوت المرأة الحر في الإعلام، يواجهون كل الصعوبات المفروضة عليهن، ويقومون بعرض تجربتهن للمجتمع من أجل الخروج بحلول تساهم في مواجهة هذه المعاملة غير المنصفة بشكل قانوني ونفسي.

وتعقيبًا على الحالات التي ظهرت، ناهيك عن الحالات المخفية، عادة ما يتم تبرير العنف والتعامل معه بأنه شأن مجتمعي مقرون بالعادات والتقاليد التي أجازت للذكور فرض هيمنتهم على الإناث بلا قانون يحمي وينصف ويحد من هذه السلوكيات، حتى في إطار عملهن، وإذا كان القانون قد رفع يده عن محاكمة الجاني، فلماذا يتخذ المجتمع رد فعل من النساء المتمردات غير المؤمنات بسلطة غير سلطة أنفسهن، واللواتي يحاربن لتصل أصواتهن، وليعبّرن عن أنفسهن: أنا كما أريد، وليس كما تنظر.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى