شباب هاوس – تقرير
تختلف سياسية أطراف الحرب في اليمن في كل شيء، إلا في نظرتها القمعية للمبدعين والفنانين.
ولا يختلف الحال في المناطق المسيطر عليها من قِبل الحكومة المعترف بها دوليًّا، أو المسيطر عليها من قِبل أنصار الله (الحوثيين)، حيث هناك على الدوام توجُّه حثيث من قِبل تلك الأطراف للتضييق على الفنانين والمبدعين.
يعيش الشباب في اليمن سنينًا باهتة، تلاشت فيها غالبية الأنشطة والفعاليات الشبابية، من قِبل السلطات التي تُحْكِم قبضتها على المناطق الخاضعة لسيطرتها، وبمختلف توجهاتها، كمحاولة لإيقاف ما تبقّى من ملامح الحياة، سواء لصالح اللون الواحد، أو لشروطٍ أخرى يدّعون أنها خاصة بالأخلاق والدين الإسلامي والهُوية الإيمانية، بحسب تلك الأطراف.
مواقف كثيرة اتخذتها السلطات المتعددة التي عززت من قبضتها على المجتمع، صادرت الحريات وقيدت الإبداع، فكان لعدد كبير من الفعاليات أن واجهت تحريضًا بخطاب ديني متشدد؛ وهو ما أدى إلى إيقاف غالبيتها.
“شباب هاوس” يستعرض في هذا التقرير بعض الفعاليات التي تم إيقافها، وأسباب تراجُع إقامتها في اليمن.
مهرجان كرامة
في العام 2018، جرى الترتيب لإقامة مهرجان هو الأول من نوعه على مستوى اليمن، ويتضمن 40 فيلمًا من مختلف الجنسيات، بالإضافة إلى العديد من الفقرات، وورش عمل، ومسابقات في القصة، والسيناريو والكاريكاتير. المهرجان، الذي حمل اسم “كرامة”، ونظمته منظمة (ywt) تم إيقافه من قِبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) دون أيّ مبرر، حيث تم إبلاغ القائمين على المهرجان بقرار إيقافه، في الليلة الأخيرة من بدء انطلاقه.
يقولُ أحد المنسقين إنّ قرار الإيقاف جاء رغم أنه لديهم تصريحًا رسميًّا من قِبَل مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في صنعاء.
وأضاف: “وبهذا التصرف لم يتم القضاء على فكرة مهرجان فحسب، بل على جهدٍ كبيرٍ استمر لأربعة أشهر متواصلة من عمل الشباب القائمين على المهرجان”. ويتحدث منسق المهرجان قائلاً: حاولنا التوصل لاتفاق معهم (جماعة الحوثيين)، لكنهم ردوا علينا بالتهديد بالاعتقال في حال لم نمتثل لأوامرهم.
وأشار إلى أنّ ذريعة الإيقاف كانت صورة لرجل وزوجته في بوستر أحد الأفلام، والتي لقيت سخطًا كبيرًا من قِبلهم، مشيرًا إلى أن “الأمن الوقائي” التابع للحوثيين أشرف على موضوع الإيقاف والتحريض ضد هذا المهرجان بشكل مباشر.
“عشر أيام قبل الزفة“
قبل ما يُقارب عامين، كانت تعز على موعد مع عرض الفيلم الذي حقق نجاحًا كبيرًا، وتم عرضه في أكثر من دار سينما عالمية وإقليمية ومحلية، وهو فيلم “عشر أيام قبل الزفة”، الذي اتخذ الطابع العدني لإيصال رسالته الفنية.
بقي شباب تعز في انتظار مشاهدة الفيلم، الذي كان من المقرر عرضه في متنزه التعاون – وسط المدينة.
وبعد الكثير من الآراء التي تم تداولها عبْر مواقع التواصل الاجتماعي، وكان بعضها يتضمن تحريضًا ضد من سيحضر العرض، وضد القائمين على هذا النشاط بالدرجة الأولى، تم اتخاذ قرار بإيقاف العرض بناء على توجيهات من قائد محور تعز في مذكرة وجهها إلى قيادة السلطة المحلية، مرجعًا السبب إلى الحالة الأمنية والعسكرية.
في المقابل عبّر مكتب الثقافة في المحافظة، عن أسفه لصدور تلك التوجيهات قبل 24 ساعة من عرضه، مُرجعًا السبب إلى السلطة الدينية المتواجدة في المحافظة.
وقال عبدالخالق سيف – مدير مكتب الثقافة بمحافظة تعز – لـ”شباب هاوس”: “بصريح العبارة، السبب في عرقلة ذلك العرض هو الخطاب التحريضي المقيت الذي تم توجيهه من قِبل رجل الدين في المحافظة، وعضو مجلس النواب، عبدالله العديني، والذي لا يتوانى لحظة عن توجيه ذلك النوع من الخطاب الديني المتشدد والتحريضي، سواء في تلك القضية، أو غيرها”.
وكانت إدارة عروض الفيلم وقتها قد اتفقت مع مدير مكتب الثقافة في نفس السبب، قائلة إنّ حملة الترهيب التي شنّها العديني هي السبب في إيقاف العرض.
حملة الرسم
لعدة أعوام، بقي يوم الخامس عشر من مارس/ آذار يومًا مخصصًا للرسم على الجدران، كأحد الأنشطة الجمالية والهادفة، واستمر ذلك النشاط حتى 2019م.
في العام التالي، داهمت حملة مسلحة تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، الرسامين في العاصمة صنعاء، بحجة أن البلاد ليست بحاجة للرسم.
وبعد إجبار الرسامين على التوقف، قام مسلحون تابعون للجماعة بأخذ الطلاء الذي كان يُستخدم للرسم، وقاموا بطمس كلّ الرسومات التي كانوا قد قاموا برسمها.
يقول أحد الشباب المشاركين، فضّل عدم ذكر اسمه، إنّ ذلك الموقف جعله يشعر بأن هذه البلاد ليست له.
وأضاف: “في البداية شعرت بالرعب الشديد من أيّ اعتقال قد يتم، لأنني مصاب بفوبيا من السجون، وبعد أنْ نجوت شعرت بالفرح لأنني لم أُصَبْ بأيّ سوء”.
وتابع قائلاً: “شعرت باليأس؛ لأن البلد الذي لا يسمح لك باستعراض أبسط مواهبك، ليس بلدك، بل هو حكر لآخرين”.
تيديكس سيئون
في منتصف 2020، اعترضت السلطة المحلية بمحافظة حضرموت إقامة فعالية تيديكس سيئون النسوي، وأثار قرار الإيقاف الكثير من ردود الأفعال وقتها، فيما وصف بعض القائمين على الفعالية قرار المنع بأن له أبعادًا عنصرية من نوعٍ ما، وذلك لطبيعة الاشتراطات التي وُضعت أمام الفريق القائم على الفعالية.
وبحسب البيان الصادر عن فريق تيديكس، فإنّ السلطة المحلية اشترطت أنْ تكون المشاركات في الفعالية من وادي حضرموت فقط.
وأشار البيان الصادر آنذاك، إلى أن إدارة “تيد” العالمية قررت سحب الترخيص للفعالية التي كان من المزمع إقامتها.
ووصف البيان هذه التدخلات بأنها إخلال واضح بشروط الفعاليات التي يُشترط أن تُنظَّم باستقلالية، وأن يكون المعيار الوحيد لاختيار المتحدثات هي أفكار تستحق الانتشار من المجتمع المحلي.
يوم الأغنية اليمنية
في الواحد من يوليو من هذا العام، احتشد اليمنيون بكل فئاتهم ليصنعوا يومًا مختلفًا ومخصصًا للأغنية اليمنية، كردّ مباشر على منع جماعة أنصار الله (الحوثيين) للغناء في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
ورغم التفاعل غير المسبوق الذي حصدته المناسبة، إلا أنها بقيت محصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، عدا احتفالية صغيرة على أرض الواقع، رتّب لها بعض الشباب بسرية، ودون الإعلان عنها، حتى لا تعرف عنها جماعة أنصار الله، وتُداهم المكان.
ورغم ذلك حضر مسلحون تابعون للجماعة بغرض منع الفعالية، إلا أنها كانت على مشارف نهايتها.
أحد المنظِّمين للفعالية – فضّل عدم ذكر اسمه – يقول: “إحدى الزميلات هي التي اقترحت ونظّمت الفعالية، ظلت طيلة الوقت تشعر بالقلق والخوف من أيّ ضرر قد يلحق بالحاضرين، أو المنظِّمين للفعالية”، مشيرًا إلى أنه “لا تُقام في صنعاء الكثير من الفعاليات، وإنْ أُقِيمت فعالية بسيطة، تُقام في ظل خوف وقلق شديد”.
منع الفرحة والنشاط
حفلات الأعراس والتخرج هي الأخرى لم تعد ملاذًا آمنًا لسماع الأغاني وممارسة الرقص الشعبي في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين) الذين هاجموا عددًا من الحفلات، وقاموا باعتقال الفنانين، ومصادرة آلاتهم الموسيقية، فضلاً عن تهديد العرسان بالحبس، كما حدث في محافظة عمران الشهر الماضي.
وزارة الثقافة في حكومة أنصار الله (الحوثيين) لم تمنح طيلة السنوات السبع الماضية ترخيصًا واحدًا لإقامة حفل غنائي رسمي في صنعاء، كما أنها لم تنظِّم حفلاً موسيقيًّا واحدًا، مما جعل المؤسسات الشبابية الثقافية تضطر لإقامة احتفالات دون دعوات مسبقة، مكتفية بتوثيق الفعالية وإشهارها أحيانًا في وقتٍ لاحق خشية تعرّضها للمداهمة. أما المؤسسات التي تسعى للحصول على تراخيص لإقامة أنشطة وفعاليات فتلجأ إلى السلطات المحلية، وتنتظرُ الرد بالموافقة لعدة أيام، وقد يتم التصريح بإقامة الحفل بعد أسبوع، وأحيانًا أكثر من ذلك.
وفقًا لمدير إحدى المؤسسات الشبابية في صنعاء، فضّل هو الآخر عدم ذكر اسمه، فإنّهم يضطرون لإلغاء العديد من الفعاليات والأنشطة والبرامج التي كان من المفترض تنفيذها، مشيرًا إلى أن بقية المنظمات تُعاني من ذات المشكلة التي تعانيها المؤسسات الشبابية الثقافية، ما يتسبب لها بمشاكل مع الجهات المانحة والشركاء الأجانب.
وأوضح أنه اضطر لإلغاء عدد من البرامج والمشاريع الشبابية، بسب أنها لا تتوافق مع شروط الجهات الأمنية والمسؤولة عن النشاط الشبابي في صنعاء، والتي تقولُ -دائمًا – إنها “مخالِفة للهوية الإيمانية”.
الإبداع والحرية
من جانبه، قال لـ”شباب هاوس” الدكتور محمد المفلحي، وهو باحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند في السويد، إن الإبداع يرتبط بالحرية بشكل رئيسي، فلا إبداع دون مساحة حرية للتفكير والإنتاج الإبداعي.. مشيرًا إلى أن وجود خطاب ديني تحريضي لمسار الفن والإبداع يؤثر بشكل سلبي في عدة مسارات، ويؤدي إلى تعطيل إرادة الإبداع، ثم يعمل على تعطيل ذائقة استقبال الفن لدى الناس من خلال تنفيرهم وربط الفن بالهبوط الأخلاقي والانحراف السلوكي والتمرد على قيم المجتمع.
وأكد المفلحي أن الخطورة تكمن في أن يتحول التحريض ضد الفن كفكرة إلى التحريض ضد الفنانين والمبدعين كأشخاص، وذلك ما يعرّض حياتهم وحرياتهم للخطر.