دهليزرئيسي

سلامٌ بنكهة الدماء.. سبتمبر الأكثر سوادًا على الشباب اليمنيين

شباب هاوس.. تقرير

يأتي شهر السلام العالمي، هذا العام، ملطخًا بدماء الشباب اليمنيين، ومليئًا بمشاهد الموت.

تجد نفسك وحيدًا في مواجهة بندقية يشهرها في وجهك جندي يقاتل مع إحدى الجماعات، في منطقة ما من هذه البلاد، دون سبب إلا لأنك شاب يمني تنتمي لهذه المحافظة أو تلك. عندها، إما أن تُقاد إلى معتقل، وإما أن تصبح تلك اللحظات نهاية حياتك.

هكذا يعيش الشباب اليمني في شهر السلام (سبتمبر)، صنوفًا من التنكيل والإرهاب، تمارسها بحقهم أطراف النزاع، من اعتقالات واختطافات وعمليات قتل وإعدامات خارج إطار القانون.

في هذا التقرير تسرد منصة “شباب هاوس” بعض القصص لشباب يمنيين تعرضوا خلال هذا الشهر، المصاحب ليوم السلام العالمي، لانتهاكات تنوعت بين قتل واختطاف وإعدام.

حياتك ثمن الحنين إلى الوطن

في الثلث الأول من هذا الشهر، دفع الحنين بالشاب عبدالملك السنباني لاتخاذ قرار العودة إلى أهله ووطنه، بعد سنوات من الاغتراب في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن كل ذلك الشوق والحنين إلى بلده لم يشفعا له بعد ساعات من وصوله مطار عدن، وتحركه نحو مسقط رأسه في ذمار، أن يتجاوز إحدى نقاط التفتيش الأمنية بمنطقة طور الباحة، لتكون تلك النقطة حاجزًا مسدودًا، ليس لإكمال طريقه إلى أمه التي تنتظره بفارغ الصبر، بل لإنهاء حياته، في جريمة هزت الوجدان والضمير العالمي.

الجريمة أثارت الرأي العام، وأفزعت المواطنين من الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد، حيث أصبح فيها الحامي هو القاتل، والجماعات المتنازعة هي أداة القتل والمنفذة له.

لم تكن قصة السنباني ضحية الحنين الوحيدة إلى الوطن خلال هذا الشهر، فها هو الشاب قابوس سعيد الكلعيد، المغترب منذ سنوات في المملكة العربية السعودية، هو الآخر، يدفع حياته ثمن ذلك الحنين، بعد أن قرر العودة إلى أهله وبلاده، لرؤية طفلته الوحيدة، والاحتفال بعيد ميلاده معها في محافظة تعز، إلا أن رصاصة الموت كانت سبّاقة لقطف روحه، وجعل اليوم الذي من المفترض أن يحتفل فيه بعيد ميلاده هو يوم وفاته.

مدينة التربة بتعز، والتي تسيطر عليها فصائل عسكرية تابعة لحزب الإصلاح، كانت هذه المرة هي الشاهدة على سوداوية هذا الشهر بالنسبة للشباب اليمنيين. 

  قابوس قُتل في 17 سبتمبر، برصاص عشوائي أطلقه أحد المسلحين، وظل ينزف لمدة نصف ساعة حتى فارق الحياة. 

كما أصيب في الحادثة أيضًا ثلاثة آخرون، بينهم طفل.

أجهزة أمن رصاصها الخوف

في مساء 16 سبتمبر، خرج الشاب عبدالعزيز محمد مفتاح (17 عامًا)، للمشاركة في تظاهرة شهدتها مدينة الشحر بمحافظة حضرموت للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، فيما فتحت الأجهزة الأمنية نيرانها على المتظاهرين، لتستقر إحدى الرصاصات التي أطلقتها بندقية أحد جنود الأمن في جسد الشاب عبدالعزيز، ليسقط على إثرها مضرجًا بدمائه، ويعلَن في وقت لاحق عن وفاته.

شاب آخر في عدن، يدعى زياد زاهر، توفي متأثرًا بإصابته برصاص رجال الأمن، أثناء مشاركته في الاحتجاجات التي شهدتها المدينة خلال الأيام الماضية.

قذائف زائرة بلا استئذان

 قذائف أطلقتها قوات “أنصار الله” الحوثيين، على منازل المواطنين في الساحل الغربي لليمن، في 16 سبتمبر، هي الأخرى تسببت في مقتل شاب يبلغ من العمر 18 عامًا، يدعى علوي أحمد درويش، وهو في منزله بمديرية الدريهمي.

أنا بريء

صنعاء التي تسيطر عليها جماعة “أنصار الله” الحوثيين، كانت هي أيضًا على موعد مع مشهد سوداوي حزين، أوجع اليمن بأسره.

 شاب في مقتبل الحياة لا يتجاوز عمره السابعة عشرة، يقدَّم إلى ساحة الإعدام بتهمة لم يكن عمره قد تجاوز الثالثة عشرة حين وُجهت إليه. لم تشفع له صرخاته: “أنا بريء أنا بريء”، تحت أقدام منفّذ أحكام الإعدام “عشماوي اليمن”، والذي وجه سلاحه إلى ظهر الفتى، وأطلق عليه رصاصات الموت، تنفيذًا لحكم الإعدام بحقه.

الفتى عبدالعزيز الأسود الذي لم تحمله قدماه، لشدة ما تعرض له من تعذيب على يد الأجهزة الأمنية التابعة للحوثيين، بتهمة المشاركة بقتل صالح الصماد، رئيس ما يسمى المجلس السياسي. 

عبدالعزيز لم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره عندما وجهت له تهمة المشاركة في عملية بذلك الحجم، وهو ما لا يصدقه عقل ولا منطق، بحسب حقوقيين، فضلاً عن عدم وجود أيّ أدلة، ما يجعل من المحاكمة برمتها غير قانونية. 

أما نظرات الشاب عبدالعزيز الأسود، أثناء انتظاره للموت بعد رفاقه، فكانت هي الأكثر وجعًا، والأشد وطأة على اليمنيين.

في العاصمة صنعاء أيضًا، وفي 11 سبتمبر بالتحديد، أقدمت قوات أمنية تابعة لجماعة “أنصار الله” الحوثيين، على قتل طالب بكلية الهندسة، يدعى أيمن ردمان، بعد إطلاق النار عليه في جولة النصر بسعوان، في حادثة أصيب إلى جانبه ثلاثة آخرون.

لم يكتفِ شهر سبتمبر عند هذا الحد وحسب، في حصده لأرواح الشباب اليمنيين، بل طالت يده شابًّا آخر لا يتجاوز العشرين عامًا في محافظة حضرموت بمديرية شبام، يدعى خالد عبدالقوي بن طالب الكثيري، والذي قُتل برصاص مسلحين على متن سيارة.

اعتقالات لمجرد الاشتباه

 الشباب في اليمن معرضون على الدوام للاعتقال من هذا الطرف أو ذاك بمجرد مرورهم من منطقة أحد الأطراف المتنازعة، لتوجه إليهم على الفور تهمة الانتماء للطرف الآخر، ناهيك عن اعتقالات تحدث لمجرد أن لديك اهتمامات لا تروق هذا الطرف أو ذاك.

في مطلع سبتمبر الجاري أقدمت قوات تابعة لجماعة “أنصار الله” الحوثيين على اعتقال الفنان الشاب أصيل أبو بكر، أثناء إحيائه حفل زفاف بمنطقة مذبح، في العاصمة صنعاء.

قوات الحوثيين اقتادت الفنان أصيل من وسط صالة للأفراح، وقامت بمصادرة  آلاته الموسيقية، بحجة مخالفة التعليمات الصادرة عن قيادتهم.

فنانون كثيرون تعرضوا لاعتداءات واعتقالات ومصادرة لآلاتهم الموسيقية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

الصحفي الشاب يونس عبدالسلام اختفى في ظروف غامضة من وسط العاصمة صنعاء، مطلع الشهر الجاري، بعد خروجه في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، 3 أغسطس الجاري، من منزله في شارع الدائري، لتناول وجبة العشاء في أحد مقاهي الشارع المجاور، ومنذ ذلك الحين انقطع عن التواصل، ليتضح فيما بعد أنه معتقل في أحد سجون الحوثيين.

 يونس كان يعاني من حالة نفسية في الفترة الأخيرة بعد تعرضه للاختطاف من قِبل قوات المجلس الانتقالي بمحافظة أبين (جنوبي اليمن) العام الماضي.

الحال لا يختلف في مأرب وتعز وعدن ومختلف المحافظات التي تقع تحت سيطرة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي (المعترف بها دوليًّا)، حيث يكتوي الشباب بنار تلك الأطراف، التي اكتظت سجونها،في هذا الشهر، بالمئات من الشباب الطامحين، وبدوافع الاشتباه لا أكثر، وفوق ذلك لم يتمكن أحد من أهاليهم من الوصول إليهم والدفاع عنهم.

في الأخير يبقى شهر سبتمبر الذي يحتفل به العالم أجمع بيوم السلام العالمي، بالنسبة للشاب اليمني بمثابة غراب بيْن، في بلد غلب الصراع فيه على كل مظاهر الحياة، وأصبح كمينًا يمكن في لحظة أن ينهي حياتك بضغطة زر من بندقية، وبسبب لا تعرفه أنت، ولا يعرفه حتى القاتل نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى