شباب هاوس-استطلاع- عمران مصباح
تسعة وخمسون عامًا مرت على ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ولم يتوقف اليمنيون عن الاحتفاء بها ولو لمرة واحدة، إلا أنه، ومنذ سيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثيين على البلاد، تعزز تقديس هذه الثورة عند اليمنيين، لإدراكهم أهمية مكاسبها، وفداحة ما قد يؤدي التفريط بها.
في غمرة احتفال الشعب اليمني بالمناسبة، يتحدث لمنصة “شباب هاوس” مجموعة شباب يمنيين، عن أهمية هذا اليوم الأعظم في التاريخ اليمني القديم والحديث، وقيمته عند الجميع، وعن إمكانية استعادة ما خسره المجتمع من مكتسبات ثورته.
ثورة سبتمبر في وعي الشباب
رغم إجماع اليمنيين على قداسة هذا اليوم بالنسبة لهم، إلا أنه، ولفترة ليست قصيرة، ظلت الثورة محصورة بجيل معين، كله من القدامى، فلم يكن للأجيال التالية أن تستشعر أهميته، نظرًا لما حدث له من تغييب يكاد يكون متعمدًا خلال ما لا يقل عن عقدين من الزمن.
الصحفي أكرم صالح، يقول لـ”شباب هاوس”: “لأنني ولدت في ظل النظام الجمهوري، لم أكن أعي معنى هذا اليوم، وبقي مجرد إجازة، إلى أن أتى 21 سبتمبر (ذكرى إسقاط الحوثيين للعاصمة صنعاء)، وقتها، أدركت جيدًا ماذا يعني 26 سبتمبر، والذي أصبح يعني لي الكثير، ورمزًا للحرية والكرامة والعدالة”. حسب تعبيره.
وعن وعي الجيل الجديد بالثورة وقراءتهم لها، يقول الكاتب الصحفي حسام ردمان إنه من جيل مر بموقف متناقض من سبتمبر، قائلاً: “في البداية أدت أخطاء النظام السياسي المنبثق عن العام 1994 إلى زعزعة الإيمان بالعديد من الثوابت التاريخية مثل الوحدة والجمهورية والاستقلال الوطني”.
ويضيف حسام: يبدو أن هذا الجيل ظن بأن البلاد قد أنجزت قطيعة مع مسألة الإمامة، بل بدأ الناس يعيشون نوعًا من النستولوجيا (التوق إلى الماضي) إلى عهد ما قبل أكتوبر وسبتمبر ومايو، كردة فعل عن أخطاء النظام السابق.
ويؤكد: “لكن اليوم، ومع بروز جماعة الحوثي، يتضح أن القطيعة التي ركن إليها جيلنا لم تكن سوى مغالطة نفسية مناقضة للواقع المعاش، وبالتالي كان طبيعيًّا أن نعود للتشبث بلحظة الولادة الأولى للجمهورية والنظام الحديث في اليمن”.
وأوضح حسام أنه حاليًّا يتم النظر إلى سبتمبر ليس باعتباره أحد الثوابت التاريخية، بل باعتباره معركة قائمة حتى اليوم، جوهرها الأساسي إثبات سلطة الشعب أمام ادعاء الحق الإلهي بالحكم، حسب قوله.
ولأن الاحتفاء بالجمهورية هذه الفترة أصبح مبالغًا فيه أكثر مما كان عليه سابقًا، تقول لـ”شباب هاوس” الروائية والباحثة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ذكريات البرام، إن هذا الاحتفال المضاعف هو مساهمة في استرداد وهج الثورة المسلوب، وشُعلتها التي يحاولون إطفاء لهيبها في قلوب الشعب اليمني المشرد.
وتضيف البرام: “يحتفل الآلاف في شتى بقاع الأرض بقلوب تملؤها الحسرة عمّا كان يفترض بهم أن يفعلوه حين كانت الفرصة بين أيديهم، ولم يفعلوا.. والحقيقة أنه شعور بالندم في تعظيم شيء كبير فقدوه بقصد أو دون قصد”.. مؤكدة أن الوضع المختلف، الذي آلت إليه الأمور، جعل الجميع من الجيل الحالي ينظر إلى هذه الثورة بتقدير كبير ووعي عال.
وعن عظمة الثورة في ذهن الشباب، يقول الكاتب والناشط محمد دبوان المياحي، إن ثورة سبتمبر كانت بمثابة ميلاد المواطن اليمني.
ويضيف المياحي: “ثورة سبتمبر كانت تأسيسية، ولا تكمن عظمتها في التخلص من نظام مستبد فحسب، بل إنها لحظة ولادة الدولة اليمنية الحديثة”.
الكاتبة منى الأسعدي، تتحدث عن سبتمبر بالوعي المتعالي لأهميته، قائلة لـ”شباب هاوس”: “حينما نتحدث عن سبتمبر، فنحن نتحدث عن الحرية ذاتها.. لقد كسبنا منه تلك المساحة الشاسعة من المواطنة.. إنه الصباح الذي منحنا الضوء للأبد، ومزق معنى أن يكون الإنسان عبدًا، أو لعبة مسلية بيد الحاكم الظالم”.
وتؤكد الأسعدي قائلة: “باختصار ثورة 26 سبتمبر علمت الإنسان كيف يصبح إنسانًا”.
فكرة تكرار الثورة
لا شك أن عودة “أنصار الله” الحوثيين إلى السلطة في اليمن أعاد خلق ظروف مشابهة لما قبل سبتمبر، مما يطرح احتمال تكرار ثورة سبتمبر من جديد، حسب ما يرى مراقبون.
في هذا الصدد تحدثت لمياء الشرعبي، قائلة: “قد تبدو فكرة تكرار الثورة بعيدة، لكنها ستُخلق بالتأكيد، والمجتمع بانتظارها، وسيصنعها ابتداء بالكلمة، لتكون بنت ثورة سبتمبر، وتقضي على فكرة الكهنوت للأبد”. حسب تعبيرها.
وعن احتمالية تكرار الثورة، يؤكد أكرم صالح أن المخاضات التي عاشها أجدادنا ونتج عنها ثورة سبتمبر، هي نفسها التي يعانيها الشعب اليوم. ويضيف: “الأكيد أن قيام ثورة حاليًّا، سيكون حاسمًا مع دورات العنف التي استمرت ألف عام”.
ويرى أكرم أن الشعب اليمني اليوم واعٍ ومدرك كل الإدراك، لكن فقط تنقصه القيادة.
دبوان المياحي من جانبه يرى أنه “في اللحظة التي تتعرض المفاهيم الكبرى للتهديد، تستعيد الشعوب فاعليتها، ويحدث تنشيط لهذا المفهوم، لذا ثورة سبتمبر وحدها ما زالت تشكل إطارًا للهوية اليمنية، ودون فكرة الجمهورية سيعاني الشعب من الخواء”.
وأكد المياحي أن السلطة القمعية مهما بدت راسخة، فإنها تظل سلطة مؤقتة، منوهًا إلى أن الشعب في أي لحظة مناسبة سيتمرد عليها ويثور ضدها.
ذكريات البرام ترى أن معظم الشعوب تحتفل بذكرى ثوراتها لبث روح الفخر والعزيمة، وكرسالة تقدير لكل من قاموا بها ونقل ذلك للأجيال المتعاقبة، مشيرة إلى أن الوضع في اليمن يختلف كثيرًا؛ حيث إن “الشعب اليمني الوحيد الذي يحتفل بثورته، وكأنه ما زال في تلك الحقبة التي بقينا نسمع حكاياتها من الأجداد، وفي الأغاني الملحمية الثورية”.
وتشير ذكريات إلى أن الثورة التي نقلت اليمن من ظلام الكهوف إلى الحداثة والتحضر، أصبح الحفاظ عليها ضرورة.
دور الشباب في ثورة ٢٦ سبتمبر
من المعروف أن قادة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كان أغلبهم من فئة الشباب. وفي هذا السياق يتحدث الكاتب محمد المياحي قائلاً: “ما فعله الشباب كان عبقريًّا بكل معنى الكلمة، بعد أن قضوا على نظام متجذر ومتخلف، وأقاموا نظامًا جديدًا، وأصرارًا عليه دون تراجع، فهذا دليل على أنهم امتلكوا وعيًا سياسيًّا متقدمًا، ورؤية لا بأس بها”.
ويضيف المياحي: أولئك القادة الشباب الأبطال، الذين صنعوا ثورة سبتمبر، يوجد من يشبههم اليوم، فالبلاد لا تخلو من الأبطال في كل زمان.
وعن دور الشباب في صناعة الثورات، تقول لمياء الشرعبي: “الشباب هم من صنعوا ثورة سبتمبر، ودائماً الثورة تبدأ بشرارة”.
وتشير لمياء إلى أن دور الشباب حاليًّا، هو العمل على صناعة عقلية تستشعر فداحة الحكم الثيوقراطي الذي يمارس اليوم من قِبل بعض القوى.
أكرم صالح يرى أن على الشباب اليوم أن يستمد روحه من شباب ثورة سبتمبر.
ويؤكد أكرم أن: “دور الشباب اليوم هو المقاومة، وتكرار ما فعله شباب ثورة 26 سبتمبر، وإن لم يكن بالميدان، فبالكلمة، وبزراعة وعي جمعي نابذ لفكرة الكهنوت”.حسب تعبيره.
وعن رموز ثورتي سبتمبر وأكتوبر يتحدث حسام ردمان قائلاً: “سبتمبر وأكتوبر هما لحظتا التأسيس والنور ونافذة اليمنيين التاريخية إلى العصر الحديث”.
ويضيف :”أن أبطال الثورتين هم آباؤنا المؤسسون، وهم أيقونه كل يمني، ومثلما ينظر المسلمون إلى جيل الصحابة كذلك ينظر اليمنيون إلى أجدادهم الثوار”.
ويشير ردمان إلى أن هذه النظرة بالمعيار العلمي قد تعوق النقد الموضوعي للتاريخ، لكن بمعيار السياسة هي حائط الدفاع الوحيد أمام الوجدان اليمني للحفاظ على مكتسبات ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
أعظم حدث صنعه اليمنيون عبر كل العصور
إن المعرفة بثورة سبتمبر وقراءتها قراءة معمقة هما الضمان لبقاء ذلك الحدث المهيب، رغم الاتفاق الكامل حول عظمة المنجز الذي صُنع بعد الثورة، لكن كيف هي قراءة الجيل الجديد لذلك الحدث ونظرته لها؟
حول هذه المسألة، يتحدث الصحفي الشاب حسام ردمان لـ”شباب هاوس”، قائلاً: “هناك نوعان من القراءة لسبتمبر، قراءة انفعالية قدمها جيل الثورة الأول والثاني، والذي كان جزءًا من الصراع ضد الإمامة، وهناك قراءة موضوعية كان يفترض أن يقدمها جيلنا الذي يتخفف من آثار الصراع، ويعيش قطيعة نهائية مع الماضي”.
ويستدرك ردمان بأن “القراءة الثانية هذه لم تتحقق، وما زال جيلي يقرأ الثورة بروح انفعالية؛ لأن الأموات ما زالوا أحياء، ولأن الإمامة ما زالت خطرًا، ولم تصبح جزءًا من الماضي”.. ويضيف: “هذه الجدلية ليست حكرًا على سبتمبر، بل وتنطبق أيضًا على أكتوبر ونوفمبر ومايو. ولا يبدو أن جيلنا سوف يقدم هذه القراءة الموضوعية، بل سنترك المهمة لأبنائنا”.
ومع ذلك فإن الملاحظ هو أن الجيل الجديد، وفي الوقت الحالي، يسعى لأن يعرف عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أكثر من قبل.
تؤكد الروائية ذكريات البرام، في حديثها لـ”شباب هاوس”، ذلك قائلة: “لم يقرأ الشباب اليمني سابقًا عن الثورة كما هو اليوم، لقد أجبرته الظروف وألزمته الحيرة وحاصرته التساؤلات للبحث عن الحقيقة ومعرفة ماهية الثورة وجذور منبتها ووصولًا لفروعها المتضاربة”.
وتضيف البرام: لقد تفتحت معارف الجيل الجديد، وها هو يستذكر أسماء الثوار وملاحم صمودهم كما لم يفعل يومًا. لقد أجبرتنا الحرب أن نكتسب قدرًا كبيرًا من المعرفة فيما يخص الثورة تحديدًا”.
من جانبها، تؤكد منى الأسعدي أن معرفة ثورة سبتمبر وقراءتها بشكل معمق أمر في غاية الأهمية، في سبيل حراسة هذا الحدث الأعظم، قائلة: “ثورة سبتمبر هي إنجازنا الأكبر، وأملنا الذي نواسي به أرواحنا المتعبة من الحرب، إنها ثورة أجدادنا التي بقينا نأكل من ثمارها كثيرًا، وعلينا كشباب أن نطوقها بالمعرفة كي نحرسها من أي سلب”.
لكن مهما حدث لهذا اليوم المقدس لدى اليمنيين من محاولة سلبه منهم، مما جعلهم يحتفلون فيه من دافع الفقدان لا من الشعور بالانتصار، إلا أن ذلك يضاعف من مدى إكبارهم وإجلالهم لهذا الإنجاز التاريخي، الذي سيبقى أعظم حدث صنعه اليمنيون عبر كل العصور.