شباب هاوس.. عمران مصباح
مع مطلع العام 2011، وتحديدًا في الحادي عشر من شهر شباط/ فبراير، خرج مجموعة من الشباب في اليمن إلى الشارع مطالبين نظام الرئيس علي عبدالله صالح بالرحيل عن الحكم.
وبغض النظر عمّا آلت إليه الأوضاع اليوم، بعد أن أصبح أولئك الشباب خارج دائرة التأثير الحقيقي بفعل الحرب، فيما صالح الذي حكم البلاد لثلث قرن بات خارج الحياة تمامًا، بعد مقتلة نهاية 2017، إلا أن ذلك الحدث سيبقى خالدًا في ذاكرة اليمنيين، ولا يمكن تجاهله باعتباره أهم حدث في القرن الواحد والعشرين، بعد أن أحدث زلزالًا في الوضع اليمني، لم تنتهِ ارتداداته حتى اللحظة.
“شباب هاوس” في هذا الموضوع الصحفي، حاولت البحث عن حلول لواقع جديد من خلال جمع الأراء، ومن مختلف الأطياف التي أظهرت انقسامًا في الشارع بين مؤيدة ومعارض لذلك الحدث الذي مر عليه أكثر من عقد من الزمن.
الثورة الناجحة لا تبرر نفسها
بعد أحد عشر عامًا، هناك من لا يزال مؤمنًا بـ”الثورة”، وهناك من كفر بها.
في هذا الشأن، تتحدث عفراء الحبوري، قائلة إنها لن تشعر بالحسرة، وعلى استعداد للخروج إلى الشارع، وبنفس الحماس والإيمان فيما لو تكررت “الثورة”.
وحسب الحبوري، فإنّ 11 فبراير لم يكن خروجًا ترفيًا، بل مطلبًا شعبيًّا شبابيًّا لجماعة كبيرة من الناس التي فقدت الأمل بالسلطة آنذاك، مشيرة إلى أن أولئك الذين خرجوا لم يكونوا يملكون أدوات للتغيير سوى أصواتهم.
وعن إيمانها بـ11 فبراير كـ”ثورة”، تقول: “إن ما مررنا به من صراعات وحروب يزيد إيماني بمطالبنا، وبضرورة السعي لتطبيقها.. وبما أن رفاق الأمس لم يعودوا رفاق ثورة وساحة، ولأن المشهد الثوري طاله العديد من الانقسامات منذ المراحل الأولى، ثم تعمقت أكثر فأكثر، فربما نحن بحاجة لآليات جديدة وأساليب مختلفة، ولكن تحت مظلة الحلول السلمية التي تضمن الحياة المتساوية للجميع”.
وفيما يخص خسارات “الثورة” ومكاسبها، تقول عفراء: “بعد الالتفاف على الثورة، وعدم إتاحة الفرصة لتنفيذ هدفها، لا يمكنني الحديث عن مكاسب ملموسة وتغييرات جذرية، وهذا ليس من باب جلد الذات، بل من باب الواقعية والبعد عن بيع الوهم”.. لكنها تشير إلى أن الثورة حققت منجزًا كان من الصعب تحقيقه، يتمثل هذا المنجز بكسر القدسية عن الكثير من الشخصيات التي اعتُبرت لفترات بأن انتقادها معصية، حسب قولها.
ونوهت الى أنه: “من قامت الثورة ضدهم، هم من أنتجوا للساحة اليمنية هذا الواقع، لكي يفشلوها، وهم وحدهم من يتحملون المسؤولية”.
وعن نجاح الثورة من عدمه، تقول الحبوري: “يعِزُّ عليّ نعتها بالفاشلة، لكنها في الحقيقة لم تنجح.. وظهور البعض للتبرير بأن الثورة ما زالت مستمرة، يدل على أنها لم تحقق ما كنا ندعو إليه، فالثورة الناجحة لا تبرر نفسها”.
وحسب عفراء، فإن “الأسباب التي أعاقت نجاح الثورة كثيرة؛ أولها عدم إنتاج قيادة لها، وبالتالي بقي القرار الثوري مرتهنا بالقوى السياسية وحساباتها الحزبية والشخصية، بالإضافة إلى أن انضمام العديد من رموز النظام عكس صورة مشوهة، ومغايرة.. بالإضافة إلى التدخل الإقليمي، وانتهازية البعض، وانقيادهم لمن سيوفر لهم ظهورًا إعلاميًّا، وفرصًا لتحقيق الطموح الشخصي”.
وفي ما يخص الوضع الحالي، وارتباطه بالثورة، تحدثت الحبوري، قائلة إن هذه الجماعات لم تكن وليدة اللحظة، بل نتاج حكم استمر لعقود، وظل يغذي هذه الجماعات التي أصبح من الصعب التخلص منها، ويتطلب الأمر جهدًا ووقتًا وإرادة سياسية، وحوارات تنتج مشروعًا وطنيًّا جامعاً لا يقصي أحدًا.
وتختتم الحبوري حديثها بالقول: “ما حصل خلال الفترة الماضية، هيأ الشارع أكثر للقبول بحلول سلمية توافقية تنهي الصراع، وتنتج حلولاً مستدامة لبناء السلام، خاصة وأن الحسم العسكري أثبت فشله الذريع”.
ثورة أول ضحاياها الشباب
بخصوص ما حققته “ثورة” فبراير، يقول عبدالسلام القيسي إنها لم تحقق شيئًا، بقدر ما “هدمت الدولة، وأدخلت البلاد في مجاعة وحرب كارثية منذ عشر سنوات، وإن كان هناك مكسب لأحد فهو للحوثي، الذي كان ملاحقًا وأصبح يحكم، بالإضافة إلى الاستفادة الشخصية لأشخاص معروفين”.
يقول عبدالسلام القيسي إن من حق الشباب الحلم بمستقبل أفضل، ولا يجب محاكمتهم على خروجهم، وقد كان خروجهم بريئًا، لكنهم أصبحوا بيادق بيد جهات معروفة لهدم النظام.
ويضيف القيسي: “الثائر الذي خرج بروح وطنية، يجب أن يعتذر لليمن بإخلاص وطني بعدما شاهد هذه الشواهد، بدل المكابرة”، مشيرًا إلى أن صالح كان يعلم ببراءة الشباب، وصرّح بعد استهدافه في جامع النهدين، وهو بين الحياة والموت، عندما قال إن الشباب ليس لهم شأن بذلك، وإنهم أبرياء ..
ويتابع القيسي حديثه بالقول: “يعني ذلك أن أول ضحايا فبراير هم الشباب”.
مضيفًا: “هناك تحريف حتى يومنا هذا، حيث تم اعتماد 11 فبراير، اليوم الذي يوافق ثورة الخميني، بدلا عن 15 يناير يوم الخروج الحقيقي، فمن فعل ذلك؟!”.
ويرفض القيسي تسمية الحدث بـ”الثورة”، قائلاً: “لكل ثورة فكرة ومبادئ وأولويات وجدوى ودراسة مستقبلية، لكن ما لمسناه في خروج الشباب هو أن أدبياتهم وخطابهم اكتشاف أن جدّ الرئيس صالح اسمه عفاش، وحولوه إلى لقب يُنبز به.. إذن هذه ليست ثورة”.
وأوضح أن من خرجوا إلى الشوارع كانوا وقودًا لطموحات عدة للخلاص من صالح فقط.
وختم القيسي حديثه بالقول: “الجميع يتحمل الخطأ، كلنا كيمنيين، والآن لنتجاوز هذه الكبوة، فأمامنا عدو واحد، ويجب قراءة المرحلة لتشكيل لُحمة وطنية متخففة من أثقال الماضي، وترك التخندق عمّا حدث قبل عشر سنوات، فالجماعة التي كسبت الثورة، هي من طردت شرعية ثورتكم من صنعاء، وهي من قتلت صالح، كلنا ضحايا، ويجب تجاوز الأمر”.
الثورة حملت مكاسب جميلة وتعثرها راجع للنخبة
وحول “الثورة” والإيمان بها حتى اللحظة، وفكرة استمرارها، يقول محمد المقبلي: “إن الثورة قائمة على ظروفها، وما دامت الظروف التي قامت ضدها موجودة، كالظلم والفساد والاستبداد، فإن الثورة ستظل باقية ومستمرة”.
ويضيف المقبلي أن الثورة “ليست مستمرة بالمعنى الرومانسي، وإنما قائمة لمواجهة الظروف، ولو بأشكال متعددة، فلا يوجد للثورة صيغة محددة، بل قد تكون ممتدة على شكل رأي عام أو مكافحة فساد أو تنوير، ولا يمكن للثورة أن تبقى بتلك الطريقة التقليدية التي كانت عليه في 2011”.
وعن مكاسب “الثورة” يقول المقبلي إن المكسب الكبير هو ما حققته من تغيّر في الوعي، وخلق رغبة لدى الشباب في أن يكون لهم دور في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويتابع حديثه بالقول: “على مستوى الدولة لم تحقق الثورة أيّ مكاسب؛ لأن المشروع الحقيقي لها لم يصل إلى السلطة”.
وينفي المقبلي بأن تكون “ثورة فبراير سبب ما وصلت إليه الأمور، قائلاً: “هذا اعتساف للتاريخ؛ لأن هناك فرقًا بين الانقلاب ومخرجاته اليوم، وبين الثورة التي أنتجت تسوية سياسية، وحوارًا وطنيًّا سلميًّا، وبناء شراكة سياسية على قدر جيد، ولو لم تكن بالمستوى المطلوب”.
وعن تعثر الثورة، يُرجع المقبلي ذلك إلى النخبة السياسية الحاملة لمشروع الثورة، والتي – حسب قوله – حالت بين تحقيق الأهداف، ولم تكن بمستوى الثورة.
أما في ما يخص التصور للخروج من الوضع الحالي، فيقول المقبلي: “ما يمكن البناء عليه، هو خلق قوى وطنية جديدة، تعبّر عن الثورة وعن الحراك الثوري الذي يتنامى كل يوم والقومية اليمنية، وبدون ذلك لا يمكن مواجهة الجماعة الانقلابية، وخلق واقع جديد”.
ثورة أسقطت جمهوريتها
عن رأيها بثورة فبراير، تقول آمة الله الحجي: “الشباب خرجوا بمظاهرات سلمية لأجل طموحاتهم (اليمن الجديد، المستقبل، العولمة، الحقوق والحريات، والعدل والمساواة، والفرص، والتعايش مع العالم)، لكن تم إجهاض ثورتهم من قِبل الأحزاب السياسية التي كان لها مآرب في اختطاف الحكم وإسقاطه، وليس استبداله”.
وعن الصراع السياسي الحاصل من قبل 11 فبراير 2011، وحتى اليوم، تقول الحجي: “كل الأحزاب في اليمن، بما فيها المؤتمر الذي كان حاكمًا آنذاك، لم تستطع تقديم أنموذج ديمقراطي حقيقي يتمثل في احتواء الشباب، أو تقديم برامج انتخابية، بدل اللجوء إلى الجرائم والاعتقالات، وعمل تجمعات وتحشيدات مضادة.. للأسف الجميع لم يتعلموا من تجارب العالم الناجحة في السياسة، وبالتالي سقطت الجمهورية اليمنية والنظام الجمهوري بسبب ثورة 11 فبراير، التي خرج إليها الشباب بعد أن طفح بهم الكيل وهم يرون العالم يتطور من حولهم، بينما هم يتراجعون”.
وتختم آمة الله الحجي حديثها عن الوضع الحالي التي وصلت إليه البلد، وارتباطه بفبراير، قائلة: “ثورة فبراير أُجهضت، ككل الثورات في التاريخ اليمني، وما دامت اليمن تملك شعبًا لا يفقه حقوقه، ولا يناضل من أجل مواطنة متساوية، وهناك من يُتاجر بالشعب، ومن يسعى لاغتصاب السلطة بالقوة والعنف، فإنّ هذا الصراع سيستمر”، مشيرة إلى أن هذا الوضع نتج بسبب المكايدات السياسية المستمرة حتى اللحظة.
ليس هناك ندم على فكرة الخروج
تتحدث نادية عبدالله عن فكرة الخروج قبل أحد عشر عامًا إلى الشارع، بالقول إنها لا تعتقد بأن هناك واحدًا من شباب الثورة قد ندم على الخروج، “حيث كانت أسباب الخروج موجودة، وما زالت مستمرة حتى اليوم”.
وعن مكاسب “الثورة”، تقول: “مبدئيًّا، حققت الثورة جزءًا بسيطًا من أهدافها في ذلك الوقت، تمثل بإسقاط النظام، لكن ما حصل بعد ذلك لا يتحمله شباب الثورة، بل الحوثي وصالح الذين تحالفوا لإسقاط الدولة”.
وتضيف أنه “فيما لو اتُّهمت قوى الثورة لكون الحوثي شارك معهم، فيجب التذكر أن الحوثي شارك بشكل سلمي كأيّ مكون، ولم يُسمح له باستخدام السلاح”.
وبشأن تحميل الشباب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع اليوم، تقول نادية، بأنهم أقل مكون يمكنه تحمّل ذلك.. مضيفة: “هناك مسؤولية يتحملها الجميع، أولهم الأحزاب، وكذلك كل التكتلات، بما فيهم شباب الثورة، تكمن هذه المسؤولية في عدم وجود الوعي الكافي بخطر هذه الجماعات التي تحمل الفكر الإمامي”.
وتؤكد: “أن من ساهم في إسقاط الدولة ليسوا شباب الثورة، فهم ليس لديهم معسكرات، ولم يحملوا السلاح، ولم يكونوا مكونًا له قواعده كبقية الأحزاب التي تتحمل الجزء الأكبر من ذلك”.
كما تتحدث نادية عبدالله بأن أكبر إنجاز لـ”ثورة” فبراير، هو وثيقة الحوار الوطني، قائلة: “لولا الثورة لما اجتمع اليمنيون، على طاولة واحدة، ولما خرجوا بهذا المنجز العظيم، والذي يجب أن يرتكز عليه الجميع في المستقبل”.
وعن الوضع الحالي، تقول: إن المعطيات، اليوم، مختلفة جدًّا عمّا كانت عليه في ثورة 11 فبراير، مضيفة: “اليوم نحن أمام انقلاب مليشاوي إمامي يحاول إعادة اليمن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر، وأمام الجميع، سواء شباب الثورة، أو أنصار صالح، وكل الأحزاب، خيار واحد أن يتّحدوا جميعًا لأجل استعادة الدولة، فلا قيمة للجميع إلا في ظل وجود دولة”.
فبراير سبب كل ما جرى ويجري
بعد أحد عشر عامًا، مرت اليمن بمراحل كثيرة، آخرها الحرب، لكن، هناك من يحمّل ثورة فبراير كل ما آلت إليه هذه الأوضاع.. أحد هؤلاء بسام الجعدي الذي يرى أن سبب هذا التمزق، هو “ثورة” فبراير.
يقول الجعدي: “خسارات فبراير تتعدى الوصف، منها: الانهيار الاقتصادي، والسعي إلى حل المؤسسة العسكرية، وتدمير الوحدة الوطنية، وتفكك النسيج الاجتماعي”.
ويشير الجعدي إلى أنه، وبعد 11 فبراير، نشأت مشاكل كثيرة، من بينها تعطل الأبحاث العلمية والتبادل العلمي مع دول الجوار، وظهرت مشاكل دبلوماسية مع الكثير من الدول، وانتهت السياحة.
الجعدي يرى : “أن خروج الشباب لا يعتبر مشكلة، طالما ولديهم أحلام، وعن فهم ودراية، لكن الأحزاب تسلقت تلك الأحلام، وجرفتها إلى مستنقع الكوابيس”.
ويختتم الجعدي حديثه عن الثورة قائلاً بأن هناك، ومن خلالها، من أراد تحقيق أطماعه، وأن فبراير هي سبب كل ما جرى وما يجري.
حفظكم الله
١١فبراير حلم لم يتحقق
وتغيير تغلبت عليه مقاومة التغيير وافشلته