دهليزرئيسي

غدير.. قصة التغلب على الواقع وتحقيق الحلم

 

شباب هاوس – خولة الطيب

لم تستسلم غدير علي ناصر (21 عامًا) للظروف المحْبِطة في واقع أيّ فتاة تنتمي لفئة يصنفها المجتمع بالمهمشين، بل تحدّت الظروف وانتزعت حقها في التعليم كأيّ فتاة يمنية أخرى، وصولاً إلى مراحل دراسية متقدمة.

ما قامت به غدير كان بمثابة معركة كفاح طويلة شاركت فيها والدتها تحت سقف منزل من الصفيح بحيّ يفتقر لأدنى الخدمات في منطقة عصيفرة، بمدينة تعز (جنوب غرب اليمن).

غدير التحقت بمدرسة النهضة للبنات، المجاورة لحيّها، لتتحمل والدتها كل أعباء الدراسة، بعد انفصالها عن زوجها.

عملت الأم في عديد من المهن لتكسب ما تيسر من مال تعيل به أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال، إلى جانب غدير.

بعد أن اكتشفت الأم تفوق ابنتها في المرحلة الأساسية، عملت على نقلها إلى مدرسة عائشة – وسط المدينة، لاستكمال المرحلة الثانوية.

 

إرادة صلبة

كان لزامًا عليها أن تلبي متطلبات الدراسة ونفقات النقل اليومية التي تضاعفت بحكم بُعد المدرسة الحالية.
تحدٍّ لا يمكن لأيّ أسرة فقيرة مواجهته والتغلب عليه إلا بما حملته تلك الأم من إرادة صلبة في رؤية ابنتها تواصل تعليمها، فكان لتلك المتاعب ما يقابلها عند غدير من إقبال على الدراسة بكل دأب وشغف، لتتجاوز ثاني مراحل الحلم بالحصول على الشهادة الثانوية، وبتفوق.

تؤكد غدير أنها كانت في الصف الثامن على وشك أن تترك الدراسة بسبب ضغوط معيشية واجتماعية، غير أن هناك من أنقذ مسيرتها وقدّم لها الدعم المعنوي والمادي.

كان المعدل الذي حصلت عليه في الثانوية يؤهلها لدراسة عدد من التخصصات، كالهندسة والحاسوب والطب، لكن كان لها اختيارها الذي يتناسب مع رغبة ذاتية عززتها معاناة الكثير من أبناء شريحتها.

وبين خياري دراسة الحقوق ودراسة الإعلام، فضّلت غدير التخصص الأخير في كلية الآداب بجامعة تعز، ليتسنى لها تسليط الضوء على المعاناة التي تعيشها فئة المهمشين.

لم تكن غدير أول فتاة من تلك الفئة تصلُ إلى مرحلة التعليم الجامعي، حيث سبقتها أُخريات، إلا أنها الأكثر عزيمة وإصرارًا في حمل قضيتهم وتسليط الضوء عليها أكثر فأكثر، فلفتت بذلك أنظار الكثير من الناشطين الحقوقيين في تعز، وكان لمعركتها أن تغدو نوعية مقارنة بالأخريات.

خلال السنوات الماضية ظهر عدد من المكونات الحقوقية المهتمة بشريحة المهمشين، أبرزها الاتحاد الوطني لتنمية المهمشين، الذي يرأسه الناشط الحقوقي نعمان الحذيفي.
تمكّن الاتحاد من انتزاع عددٍ لا بأس به من المقاعد الجامعية في مختلف التخصصات لصالح تلك الفئة.
يؤكد الحذيفي لـ”شباب هاوس” أن الاتحاد بذل جهودًا كبيرة للدفع بأكبر قدر ممكن من الطلاب من شريحة المهمشين إلى المدارس الحكومية، غير أن تعرضهم  لمضايقات من زملائهم في الفصول الدراسية كان سببًا في ارتفاع معدل تسربهم عن الدراسة.

90% نسبة تسرب المهمشين من الدراسة

وعن هذه المشكلة يقول الحذيفي: “إذا التحق بالمدرسة مائة طالب من المهمشين، يصل إلى الجامعة خمسة أو عشرة منهم في أفضل الأحوال”؛ الأمر الذي يشير إلى أن معدل تسرّبهم يتجاوز الـ 90%.

كما يرى أنّ هناك مشكلة أخرى بالنسبة لخريجي الجامعات رغم قلة عددهم، وهي أنهم غالبًا لا يجدون فرصًا وظيفية، بحيث يعود الكثير منهم لمزاولة المِهَن التقليدية، كالتنظيف وإصلاح الأحذية (الإسكافي).

يُشدّد الحذيفي على ضرورة إيجاد رافعة حكومية رسمية لتشجيع هذه الفئة، ليتمكنوا من الحصول على وظائف عامة وفرص عمل.

تحديات

بالنسبة لغدير لم يكن لها أن تنتظر من الحكومة أيّ رافعة رسمية توفر لها وظيفة ما، بل كان لديها من الشغَف ما يكفي لتُحقق أول طموحاتها وفي وقت قصير، حيث بدأت بالتوازي مع دراستها الجامعية، بالعمل في محل تصوير، غير أنها مع ضغط الدراسة كانت تضطر إلى التغيّب عن العمل.

وعلى الرغم من أنّ مالك الاستوديو أُجبِر في يونيو الماضي على إغلاق محله، إلا أن غدير سرعان ما حظيت بفرصة جديدة للعمل في استوديو آخر، نظرًا لامتلاكها الموهبة والشغَف معًا.

تستطيع غدير أن تقول بأنها، حتى الآن، اجتازت كلّ المعوقات، مثبتةً قدرة الفتاة من فئة يصنفها المجتمع بالمهمشين على إيجاد مكانٍ لها في المجتمع. ومع ذلك ما يزال الكثير من أبناء تلك الفئة يواجهون تحديات تفوقُ قدرتهم على التحمل، حيث لها علاقة بالتمييز العنصري والأوضاع الاقتصادية السيئة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى