رئيسيصـالون

الفنانون اليمنيون.. من صالات الأعراس إلى زنازين السجون

لطالما كان الفن متجذرًا في الثقافة اليمنية وجزء لا يتجزأ من تاريخهم منذ القدم، والذي وثقته العديد من النقوش الحجرية اليمنية القديمة التي يعود تاريخها لآلاف السنين، عليها أشكال لآلات موسيقية كآلة الطرب والدف وغيرها، ما يؤكد أن اليمنيين من الأوائل الذين مارسوا الفن، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافتهم حتى وقتنا الحاضر..
وعلى مدى تاريخ اليمن، لم يسبق وأن كان الفن وممارسوه هدفًا للقمع، لا سيما خلال فترات حكم الأئمة الزيدية الذين تعاقبوا على حكم اليمن لما يربو عن الألف عام، بل إن من أسر الأئمة من مارس الفن كأمثال الفنان محمد أبو نصار الذي ينحدر من أسرة بيت حميد الدين التي حكمت اليمن منذ مطلع القرن العشرين وحتى منتصفه..

لكن مؤخرًا ظهرت ممارسات قمعية استهدفت الفن وأهله، في سابقة هي الأولى من نوعها على مدى تاريخ اليمن، رغم تأكيد السلطات اليمنية سواء في الشمال أو الجنوب بتوجهاتها المدنية، وحرصها على الظهور بمظهر المدنية..
ففي الوقت الذي يمارس فيه الكثير من الشباب في اليمن الفن الغنائي، ويمتهنونه لكسب الرزق من خلال إحياء الأفراح بفنهم الغنائي، إلا أن العديد منهم وجدوا أنفسهم مؤخرًا هدفًا للقمع والاحتجاز، رغم أنهم لم يقحموا أنفسهم في الخلافات السياسية بين الأطراف المتصارعة، وكانوا بمنأى عنها..
تلك الممارسات بدأت منذ إصدار السلطات في محافظة صنعاء، مؤخرًا، تعميمًا بمنع الغناء في صالات الأفراح بعد الساعة العاشرة ليلاً.. أعقبه ممارسات قمعية وتضييق واحتجاز للفنانين، طالت العديد منهم، آخرهم الفنان الغنائي الشاب أصيل أبو بكر، الذي تم اعتقاله قبل أيام من داخل إحدى صالات الأفراح بصنعاء، واقتياده إلى السجن..

الأمر لم يقتصر على محافظة صنعاء وحسب، ففي محافظة المحويت صدرت تعليمات مشددة بمنع الأغاني في حفلات الأعراس ومنع آلة العود أو الأورج أو المزمار، والاكتفاء بالبرع والإنشاد والزوامل.
محافظة عمران – أيضًا – لم تكن بمنأى عن ذلك، فقد تم التوقيع من قِبل عدد من المشايخ على وثيقة “مُلزمة” أصدرها المجلس المحلي تحت مسمى “مبادرة تسيير الزواج”، وتم وفقها تكليف لجنة من ثلاثة أشخاص مهمتها تتبّع ما أسمته المخالفات، ومنها الغناء في الأعراس، وتحديد مبلغ مائة ألف ريال على كل من يخالف، بالإضافة إلى حبس 10 أيام. الفنان علي المحن أحد الذين تمت ملاحقتهم من تلك اللجنة، عندما كان في أحد الأعراس بعمران، لكنه تمكن من الهرب والإفلات من الحبس والغرامة. تلك الممارسات أثارت حفيظة عامة الناس واستياءهم، بما فيهم الفنانين أنفسهم.. متسائلين عن الهدف منها، كونها دخيلة على ثقافة اليمنيين على مدى تاريخهم..
وأشاروا إلى أن هجرة عدد من الفنانين إلى الخارج، كالفنان حسين محب، والفنان صلاح الأخفش، قد يكون مردها تلك المضايقات التي تمارس ضد الفنانين..

لسنا أعداء الوطن

في منشور له على صفحته في فيسبوك، أصدر الفنان شرف
القاعدي، رئيس نادي المطربين اليمنيين، في 5 أغسطس/ آب 2021، ما يشبه البيان، معنونًا إياه بـ “نحن الفنانون لسنا أعداء للوطن”، يشرح تعرضه والعديد من الفنانين، أمثال فؤاد الكبسي ونبيل العموش وعبدالله الصعدي ومحمد النعامي، لاحتجازات ومضايقات من قِبل عدد من النقاط الأمنية، وخصوصًا في محافظة عمران، مستغربًا تبرير الجهات الأمنية لتصرفاتها بالقول إن الفن والفنانين هو الذي يؤخر النصر في الجبهات.

تهديدات بالقتل

ولفت القاعدي إلى أنه قبل فترة في عمران تم اقتحام قاعة أفراح أثناء حفل زفاف أخ الفنان أيوب السودي، وتم اقتياد الفنانين إلى الحجز مع العريس، مؤكدًا أن فنانين ومنشدين وفرقًا فنية كثيرة تعرضوا لمواقف أخرى مشابهة، يتفاوت فيها الفعل بالمنع أو التوقيف في النقاط لساعات، أو الاحتجاز.
وقال القاعدي إنه في نهاية 2017م عندما وُجِّهت لهم دعوة حضور من إذاعة صوت الخليج لإضافة الأغنية اليمنية الصنعانية إلى مكتبة الإذاعة، هو والفنان أحمد الحبيشي وبشير المعبري وبسام عنبه وبدر المليحي، وأثناء عودتهم من عُمان، وفي طريق العودة إلى صنعاء، وتحديدًا في نقطة الفلج بمأرب، التابعة لقوات الرئيس هادي، تم إيقافه لمدة نصف ساعة لأنه فنان “هاشمي”، ثم بعد أن تواصلوا بعمليات مأرب، بحسب القاعدي، سُمح لهم بالمرور كونهم فنانين.
وأضاف: “بعدها بسنتين، وتزامنًا مع تأسيس نادي المطربين اليمنيين، وصلتني رسائل نصية عبر الهاتف بالتهديد بالتصفية أنا وأولادي وزملائي من الفنانين إن لم أترك الغناء، ولنفس السبب: كوني فنانًا وهاشميًّا!، وعملت وقتها بلاغات للجهات ذات العلاقة، وقلنا تصرفات فردية”.

واختتم القاعدي منشوره بالقول: “ولأننا نعد كل تلك التصرفات فردية لا مسؤولة، نتحاشى الخوض في مثل تلك المواضيع نظرًا لوضعنا اليمني المزري، وما نتعرض له نحن اليمنيين من حرب وحصار وغلاء وتجويع وإرهاب ومناكفات في كل اليمن، ولا نريد أن نزيد الطين بِلّة”.
تقدم الفنان شرف القاعدي، الذي يقيم في العاصمة صنعاء، بعدة بلاغات وشكاوى إلى وزارة الثقافة التابعة لسلطة صنعاء باعتبارها الجهة المسؤولة عن حماية الفنانين، والتي بدورها حررت مذكرات إلى جهاز الأمن والمخابرات تطالب فيها بوضع حد لتلك التصرفات التي دائمًا ما تُحال إلى كونها تصرفات فردية، فيما الواقع يشير إلى أنها كادت أن تتحول إلى ظاهرة.

في بداية أغسطس تم احتجاز الفنان الكبير فؤاد الكبسي في نقطة أمنية بمحافظة الحديدة، بعد عودته من إحياء عرس في مديرية القناوص.. الفنان الكبسي التزم الصمت حيال وعود من وزارة الثقافة بحل الموضوع وعدم تكراره مرة أخرى.

جهات ليست ذات اختصاص

مصدر قضائي في صنعاء، فضل عدم الكشف عن اسمه، أكد لـ”شباب هاوس” أن هناك عددًا من القضايا والشكاوى بهذا الخصوص وصلت إلى النيابات والمحاكم التابعة لسلطات صنعاء، لكن هناك تقاعسًا في حلها.
وأوضح المصدر أن مثل هذه الإجراءات في حق الفنانين مرفوضة جملة وتفصيلاً؛ لأنها صادرة عن جهات ليست ذات اختصاص، ولا يحق لها أن تقرر ما تُقرر في هذا الصدد.
وأكد المصدر أنه كان من المفترض بتلك الجهة أو غيرها أن تتواصل مع وزارة الثقافة، باعتبارها الجهة الرسمية المخولة بالبت في هكذا مواضيع، وتبين لها الحيثيات التي تستدعي من وجهة نظرها الحد من تلك التي وصفتها بـ “ظاهرة”.
وتساءل قائلاً: هل من منطلق ما تشكل الظاهرة من إزعاج وإقلاق للسكينة العامة مثلاً، أم من منطلق الحلال والحرام فتكون “هيئة الأمر بالمعروف” الوهابية قد انتقلت من السعودية إلى اليمن، أم ماذا؟!!.
مؤكدًا أنّ أقسام الشرطة وإدارات الأمن تتحمل المسؤولية.
وبحسب المصدر القضائي، ليس هناك قانون يمنع الغناء في الأعراس، مشيرًا إلى أن حبس أيّ فنان أو صاحب عرس بتهمة الغناء يعد جريمة يعاقب عليها القانون، وتتحمل مسؤولياتها وتبعاتها أقسام الشرطة وإدارات الأمن.
أخيرًا.. يبقى تساؤل محير، ويحتاج إلى إجابة: هل المدنية التي تتغنى بها السلطات هي في أن يصبح العبور مدججًا بالسلاح أمرًا اعتياديًّا، فيما يصبح حمل العودً أو أيّ آلة موسيقية جريمة يعاقب عليها؟!

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى