بروازرئيسي

صديقة الصُّم ميساء.. وقضاياهم غير المسموعة

شباب هاوس.. غدير طيره

تعتبر الترجمة بلغة الإشارة من التخصصات النادرة، وتحتاج إلى أساسيات عمل توجب على المترجم أن يتمتع بخصوصية كبيرة، وتتطلب منه دقة وأمانة فائقتين في إيصال المعلومة؛ باعتبار الترجمة وسيلة مهمة لإدماج الصم بالمجتمع.
يتحدث الصم أكثر من 300 لغة إشارة حول العالم، إلا أن لديهم لغة إشارة عالمية يستخدمونها في لقاءاتهم الدولية وأثناء ترحالهم وممارسة نشاطاتهم الاجتماعية، وتعتبر شكلا مبسطا ذات معجم لغوي محدود، ولا تتصف بالتعقيد مثل بقية لغات الإشارة.
في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام يحيي العالم، اليوم الدولي للغات الإشارة، باعتبار أن فئة الصم تمثل جزءا كبيرا في المجتمعات وتلقى اهتماما كبيرا لدى الدول.

وفي ظل وضع مأساوي نتيجة الحرب المستمرة في اليمن بالإضافة إلى تفشي جائحة كورونا وتسببها في أزمة إنسانية كبيرة، فإن ذلك أثّر سلبا على المئات من ذوي الإعاقة، ناهيك عن أن وضعهم في السابق كان يعاني من كثير من الأمور.
وبالمناسبة تناقش منصة شباب هاوس هذه المشكلة
مع الناشطة ميساء أحمد، المتحدثة بلغة الإشارة وأحد أبرز الشباب المدافعين عن حقوق المعاقين، وما إذا كانت فئة الصم في اليمن تحصل على حقوها الأساسية؟ وهل هي مدمجة مع المجتمع بصورة كافية؟
ميساء أحمد قادت مبادرات فردية داعمة للصم، أثناء جائحة كورونا، وذلك من خلال قيامها بترجمة محتوى الإرشادات المتداولة مواقع التواصل الاجتماعي حول مستجدات كورونا إلى لغة الإشارة ليفهمها فاقدو السمع ممن يرغبون في الاطلاع بشكل اكبر.
تقول ميساء إنها تطوعت منذ صغرها في ترجمة المفاهيم لأصدقاء اخيها الأصم الذي استطاعت تعلم لغة الإشارة منه بغرض تقدم العون للصم في أن تترجم لهم ما يريدون بحركات وتعابير يفهمونها.
ميساء سافرت الى المانيا لاستكمال دراستها الجامعية، ولكنها لم تتوقف عن التطوع لصالح الصم، حيث ان طلبات الترجمة اليومية لأي محتوى مرئي جزء من روتينها اليومي.

قاعدة أصدقاء الصم
تقوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتعليم لغة الإشارة لغير الصم من متابعيها، واستطاعت ان تؤسس قاعدة أصدقاء الصم والتي لا زالت تتوسع ليس على مستوى اليمن بل حول العالم.
تقول ميساء إن فئة الصم في اليمن هي الفئة المستبعدة والمتجاهلة في الكثير من الجوانب التعليمية والاجتماعية وغيرها.
تضيف: “فمثلا لو تحدثنا عن الجانب التعليمي، سنرى أن عدد المدارس والجامعات الخاصة بالصم ضئيلة وغير متوفرة في كل المحافظات والمدن اليمنية، مع شحة معلمي لغة الإشارة المتخصصين بها، وينتج عن ذلك لغة كتابية ولغة اشارية ضعيفة وركيكة جدا بعكس باقي الدول العربية التي تهتم بهذه الفئة”.

عدم وجود منهج تعليمي مناسب
ومن أبرز المعوقات، بحسب ميساء، أنه لا يوجد منهج دراسي يتكيف ويتناسب مع فئة الصم؛ الامر الذي يؤثر سلبا على تلك الفئة، خصوصا في وصول المعلومات.

توصيف خاطئ
وتشير إلى أن توصيف أكثر من جهة حقوقية لفئة الصم وتعريف البعض لها بذوي الاحتياجات وليس ذوي الإعاقة يجعل البعض يعتبرون اعاقتهم غير مرئية ويؤدي هذا الامر للتقليل من معاناتهم ومعاملتهم كأنهم ابطال خارقون باستطاعتهم تحقيق كل شيء، دون الالتفات إلى حقهم الضروري في توفير الخدمات التي تعينهم على التعايش مع اعاقتهم.

جهل مجتمعي

وتؤكد ميساء ان الجهل المجتمعي يجعل كثيرا من الصم محرومين من التعليم، لأنهم يرونه لن يحدث فرقا معهم، فتحجم بعض الأسر عن إرسال أبنائها إلى المدارس نظرا لعدم وجود مناهج تتوافق مع احتياجاتهم، فضلا عن عدم وجود مستحقات مالية حكومية مخصصة للطلاب من تلك الفئة. ومع ذلك هناك فئة قليلة من الأسر تجاهد ليحصل أبنائها على التعليم ويستطيعوا التواصل مع الاخرين وتحدي اعاقتهم.
لكن المشكلة الحقيقية، بحسب ميساء، ليست مصاريف الدراسة، فهذه يمكن أن تتكفل بها لعدد منهم بعض المنظمات غير الربحية، بل إن العائق للصم في اليمن هو عدم توفير المدربين والمعلمين وتوفير التنقل “المواصلات”، مشيرة إلى هذا الامر يحتاج الى ميزانية تخصصها الدولة سنويا، وعدم الاعتماد على منظمات المجتمع المدني لتوفير الحقوق الخاصة بالصم.

إشكالية أكبر
وتضيف ميساء أن “عدم احتضان الصم في سوق العمل يعد من أسوأ المعوقات التي تواجه تلك الفئة، سواء كانوا متعلمين او غير متعلمين، مشيرة إلى أن ذلك يأتي في المقدمة. كما أن تعامل الأسرة نفسها والمجتمع المحيط مع المعاق لا يقل خطورة، حيث لا تقتصر المعاناة التي يعانونها في المنزل وفي الوسط الاجتماعي على العنف الجسدي فحسب، بل إن العنف النفسي يرافق ذلك باستمرار، وغالبا ما تطلق عليهم كلمات خاطئة مثل: اهبل – اصنج – ابكم – اعجم، وهذه التسميات لا تقل خطورة عن العنف الجسدي.

وهم يطلقونها عليهم بسبب اصدار “الصم” اصواتا غريبة او يكون هناك ردة فعل غريبة من قبلهم، بسبب انعدام لغة التواصل والتخاطب بينهم وبين الاخرين فيولد لديهم شعور بأنهم مختلفون وبالتالي مواطنون من الدرجة الثانية.

الحرب وتداعياتها
وترى ميساء أن الحرب “زادت الطين بلة” كما يقال وضاعفت من مخاطر الاشخاص الذين يعانون من الصمم. فالصم لا يمكنهم ان يستوعبوا او يعلموا اذا حدث اي انفجار او اطلاق رصاص بالقرب منهم. وهذا الأمر يجعلهم أكثر عرضة للأخطار من غيرهم. بالإضافة الى أن عدد الصم في اليمن تزايد خلال الخمس السنوات الاخيرة، وذلك بسبب القصف الجوي والقذائف التي تسقط بشكل مستمر.

بصيص أمل رغم كل ضيء
وبالرغم من كل هذه المعاناة التي يتعرض لها المعاقون من فئة الصم في اليمن، إلا أن هناك، بحسب ميساء، بصيص أمل من قبل الصم أنفسهم، حيث نجد من يدافعون عن حقوقهم بأنفسهم.

جباري نموذجاً
عائشة جباري من ذوات الإعاقة السمعية، ناشطة مجتمعية ومدربة متخصصة في مجال الحوكمه والمسألة المجتمعية.
أسست مبادرة وئام الشبابية المختصة بفئة الصم، ونفذت من خلالها العديد من المشاريع التي استهدفت فئة الصم، منها ما هو رقمي ومنها ما هو ميداني في مجالي بناء السلام والصحة.
تعمل عائشة في جانب التوعية بحقوق الصم المكفولة لهم قانونا؛ وذلك من خلال إنتاج أفلام قصيرة تحكي معاناة الصم والبكم. مع ما يرافق ذلك من جلسات نقاشية حول تحسين الخدمات المقدمة لهذه الفئة، ومن اجتماعات مع السلطة المحلية للخروج بمسودة توصيات.
كما نفذت حملات تهدف إلى رفع مستوى الوعي عند المعاقين من فئة الصم والبكم، للوقاية من فيروس كورونا، وذلك من خلال عمل فلاشات وملصقات توعوية بلغة الإشارة.
عملت أيضا في الجانب التوعوي حول القرار الأممي ٢٢٥٠ لتحسين مشاركة الصم والبكم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
تقول عائشة في حديثها لمنصة شباب هاوس: أحاول جاهدة تسليط الضوء على هذه الفئة التي تعتبر الأشد ضعفا” معبرة عن أملها بأن يسهم المجتمع في ان مساعدتهم وتشجيعهم وألا يكون سببا في ضياع حقوقهم وزيادة معاناتهم.
كما تتمنى أن يتم تبني قضاياهم ليتحقق الدمج الشامل والحقيقي للصم وضعيفي السمع في المجتمع كونهم أكثر فئة يتم تجاهلها.

“قاعدة أصدقاء الصم”
احد الشباب الالمان يدعى” Tim”وهو ضمن الذين تعلموا لغة الإشارة بواسطة ميساء عبر حسابها على منصة الانستجرام، يقول لشباب هاوس إنه عندما بدأ تعلم لغة الإشارة وجد انها لغة غنية بالتواصل الجسدي والروحي وبالعيون.
وأوضح أنه من خلالها استطاع اكتشاف هذا العالم الصامت وفهمه بسهولة دون الحاجة لمترجم.
وأشار أن ذلك جعله يحس بالتواصل بينه وبين الصم ويستطيع معهم توحيد طبقات المجتمع والاحساس بالسلام النفسي.

دور جمعيات الصم في اليمن
وبشأن إمكانية دمج الصم في المجتمع المدني؟ تقول المديرة التنفيذية بجمعية رعاية وتأهيل الصم – المركز الرئيسي ورئيسة قسم الصم بجامعة أزال للتنمية البشرية كفى علي الوتيري، إنه من الضرورة أن يدمج الصم وفق معايير وشروط تسهم بدمجهم في المجتمع من خلال الحاقهم في المدارس في سن مبكرة مع مراعاة خصوصية الاعاقة وكذلك دمجهم في الجامعات وفق شروط ومعايير تحقق عملية الدمج.
وتشدد كفى علي الوتيري على ضرورة حصول المعاقين على حقهم في تكافؤ الفرص وكذلك من خلال اتاحة فرص للتدريب وتمكينهم في اعمال تتناسب مع إمكانياتهم وتجعلهم اشخاص فاعلين في المجتمع.
ونظرا لما تمر بها البلاد من حروب ونزاعات مسلحة فإن الصم في اليمن يحرمون من أغلب الحقوق التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة، ومن أهمهما ما نصت عليه المادة 16 بعدم التعرض للاستغلال والعنف والاعتداء.

المعاقين سمعيا على الهامش
يظل الشخص الاصم على هوامش الحياة في كثير من الحقوق وتتضاعف المعاناة بالنسبة للأطفال والنساء من الصم الذين يمثلون الجانب الأضعف..
ففي اليمن يعاني الصم، من التهميش والحرمان من الخدمات التعليمية والصحية في ظل قلة الامكانيات المتاحة والوضع المعيشي والاقتصادي للبلاد.
في السابق كان المجتمع يفرض قيود تعزل المعاقين عن مشاركتهم الكاملة في المجتمع أما في الوضع الحالي فقد اصبح الوضع سيئا أكثر.
فعلى سبيل المثال إذا ارادت الاسرة ان تعلم أطفالها وامكانيتها المادية محدودة، فسيكون الاولوية للطفل الذي لا يعاني من إعاقة سمعية، وكذلك اذا ارادت ذهاب احدى ابنائها للتعلم في الجامعة فسيكون الاولوية للطالب الغير معاق.
وفق احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في صنعاء للعام 2006م بلغ تعداد ذوي الإعاقة السمعية، مايقارب73.120من الجنسين ذكور واناث (صم بكم، ضعاف سمع، صعوبات نطق)، وفي الواقع فإن العدد الحقيقي للصم أكبر بكثير والسبب يعود الى العادات والتقاليد لدى بعض المجتمعات التي ترى حرجا في الإفصاح عن أبنائها المعاقين.
تتمنى ميساء في أن يحصل كافة الصم منذ طفولتهم على أبسط الحقوق حتى لا يتحولوا إلى عصبيين حينما لا يستطيع التعبير عن نفسه.
وشددت ميساء على نشر الوعي بأهمية التعليم وتعلم الأبجديات من الطفولة، وزيادة قاعدة أصدقاء الصم وهذا الامر لا يشترط أن يكون القائمين عليه أن يكونوا خبراء في لغة الإشارة، لكن يجب على الجميع أن يضعوا في عاتقهم مسؤولية نشر الوعي ودمج المعاقين بكل نشاط متاح وبالتالي ستقل الحواجز الموجودة من خلال كسر الأفكار النمطية الخاطئة عن مجتمع الصم وضعيفي السمع.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى