شباب هاوس.. عمران مصباح
لم تحقق اليمن كثيرًا من الإنجازات الخالدة في المجال الإبداعي، باستثناء بعض الإشراقات القصيرة، والتي كانت غالبيتها بمجهودات فردية، لكون اليمن تفتقر للاستراتيجيات المؤسسية التي تحتضن الموهوبين وتدعمهم، بالإضافة إلى أنّ هناك نقطة لا يمكن إغفالها، وهي أن تلك اللمحات الفردية المضيئة، كانت كثيرًا ما تأتي من أشخاص عاشوا جل حياتهم خارج اليمن، مما ساعد في توسيع آفاق الإبداع لديهم نحو العالمية.
من هؤلاء الأشخاص، السباح العالمي مختار اليماني، الذي حمل اسم اليمن، وتصدر المركز الأول في السباحة على مجموعته بأولمبياد طوكيو، قبل أن يحصد البطولة العربية في أبو ظبي، وبين البطولتين الكثير من المحطات والإنجازات.
منصة “شباب هاوس” التقت السباح العالمي مختار اليماني، في حوار خاص حمل الكثير من التفاصيل، عن خوضه غمار السباحة حتى وصوله من خلالها إلى العالمية.
يتحدث الشاب مختار اليماني عن تلك التفاصيل منذ النشأة في اليابان حتى التفكير في ترك السباحة، مرورًا بمرحلة النضج في أمريكا، واختياره تمثيل اليمن، دون الجنسيتين الأخريتين اللتين يحملهما أيضًا (الأمريكية واليابانية)، ومدى ارتباطه باليمن، وعن إنجازاته، وكيف تحولت حياته من شخص كاد أن يغرق، وبقي يخاف من الماء، إلى سباح عالمي، يصنع المجد فيما كان يعيش فوبيا منه.
عن أولى خطواته، يقول السباح العالمي مختار اليماني لـ”شباب هاوس”، إنه نشأ وترعرع في طوكيو، اليابان، وهناك قضى الجزء الأكبر من حياته.
مضيفًا: “تعود بداياتي في هذه الرياضة إلى فترة الطفولة، فعندما كان عمري ثلاثة أعوام تعرضت للغرق في المحيط، ولم يكن هناك من أفراد عائلتي من يجيد السباحة، لذلك بدأتُ بتلقي دروس في هذا المجال، تستطيع القول إذن إن الحرص على السلامة كان أول حافز يدفعني للدخول إلى هذا العالم”.
يتحدث مختار اليماني، عن عقدته من الماء قبل أن يرسم مسيرة مشرفة في السباحة، قائلاً: “كنتُ أكره فكرة البقاء وسط الماء، لقد كنتُ أبكي وأصرخ، وأغادر حوض السباحة، وكان على الأستاذ الذي تولى تدريبي أن يلحق بي ليعيدني إلى التدريب، مع مرور الوقت بدأت بالتأقلم، إلى أن أحببتها في الأخير، وعندما كنت في السابعة من عمري دخلت أول سباق سباحة في حياتي، أما أول لقب أحرزته فكان في فترة مراهقتي عندما شاركت في المسابقة الوطنية اليابانية، لقد فزت فيها، وأحرزت اللقب، ثم سجلت رقمًا قياسيًّا على المستوى الوطني، وأنا بعمر الخامسة عشرة، وذلك في سباق الـ50 مترًا”.
فيما بعد، سافر السباح اليمني، ذو الثلاث جنسيات، إلى أمريكا، واستمر في الدراسة والسباق بمجاله، وبقي مقيمًا هناك، يسرد تفاصيل الانتقال، قائلاً: “لدى بلوغي الثامنة عشرة، تم ابتعاثي إلى جامعة ميتشيغن في الولايات المتحدة الأمريكية للسباحة في فريق السباحة الخاص بها، وهناك تلقيتُ تعليمي، وتدربتُ إلى جانب الفريق الأولمبي وسباحين آخرين، وبقيت فيها حتى بلغت 22 سنة، وخلال تلك الفترة كنت أشارك في مسابقات على المستوى الوطني الأمريكي”.
بقي مختار يشارك في أمريكا، واليابان، لكنه، فيما بعد، سيُمثل اليمن في أكثر من مضمار عالمي، عن مجمل مشاركاته تلك، وعن تدرج مسيرته، يقول: “مثًّلتُ اليمن في 2016.. لقد سافرتُ حول العالم مشاركًا في بطولات عالمية باسمها، وشاركت في الألعاب الآسيوية، هذا فضلاً عن مشاركتي السابق في اليابان، وفعاليات أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وفي العام 2019 تخرجت من الجامعة، وعملت متدربًا على السباحة الاحترافية لمدة عامين، حتى العام 2021.. ما أزال حاليًّا في ميتشيغن، لكني لم أعد عضوًا في فريق السباحة التابع لجامعتها.. في العام 2021 حققت حلم طفولتي، ألا وهو تمثيل بلد ما في الألعاب الأولمبية”.
أما عن حلمه الذي سعى خلفه منذ بداية مسيرته، وعن الإنجاز الكبير الذي حصل عليه مؤخرًا، ورفع به اسم اليمن، فيتحدث السباح اليماني قائلاً: “كان حلمي على الدوام هو الذهاب إلى الألعاب الأولمبية.. هذا هو حلمي الأول، لكنني فخور للغاية بفوزي بالميدالية الذهبية للبطولة العربية التي أقيمت في أبوظبي في 2021، ذلك لأنّ صعودي إلى منصة التتويج يعني الكثير لي وللشعب اليمني بالتأكيد”.
وفيما يخص لحظة اختياره لتمثيل اليمن من بين الجنسيات الثلاث التي يحملها، وما الدافع في ذلك، يقول مختار اليماني: “في البداية، وبسبب عيشي خارج اليمن، كان دائمًا من الصعب علي أن أقيم تواصلاً بيني وبين جذوري اليمنية، لكن عندما تواصل بي الاتحاد اليمني للسباحة بخصوص ما إذا كنت قادرًا على تمثيلهم في الألعاب الأولمبية شعرتُ أن ذلك تشريف لي، وأنها فرصة أستطيع أن أفهم من خلالها ثقافة اليمن على نحو أفضل.. أنا متأكد أنني في وضع فريد ما دام بإمكاني أن أكون مصدر إلهام وتحفيز لمجتمع يعيش أيامًا سوداء، وأن أجعله فخورًا بإنجاز استطاع تحقيقه من خلالي، وأن أجعله يشعر بأنه يُكرَّم من قِبل العالم، لقد كان هذا هدفي”.
ولفهم علاقته باليمن، واليمنيين أكثر، وما إذا كان على تواصل دائم معهم، ولديه أصدقاء ومعارف، وعن مدى ارتباطه بهذا البلد، يجيب اليماني عن ذلك، قائلاً: “عندما كنت في اليابان، لم يكن لديّ إلا الحد الأدنى من التواصل باليمنيين، وكذلك من الانتماء إلى اليمن، لكنني منذ أن قدمت إلى ميتشيغن، كوّنت علاقات مع كل اليمنيين الذين التقيتُ بهم أثناء تمثيلي لليمن في فعاليات السباحة الدولية، كما كوّنتُ علاقات مع اليمنيين الموجودين في الجامعة.
لقد كنتُ على الدوام أحضر الفعاليات التي يقيمها اتحاد الطلبة اليمنيين، وأصبحت صديقًا للكثير من اليمنيين المقيمين في المنطقة التي أعيش فيها.
في الواقع، هناك جالية عربية كبيرة تقيم في ولاية ميتشيغن، ويضيف مختار، أنه وأصدقائه يستمتع كثيرًا في الذهاب إلى المطاعم اليمنية، وفي تناول الوجبات اليمنية.. ويختتم: “كلما أرسلت صورة لوالدي في مطعم يمني ينصحني بأكل وجبة المندي والدجاج”.
ولأنّ مرحلة نضوج تجربة مختار اليماني في السباحة كانت في أمريكا، فتحدث لـ”شباب هاوس” عن تلك التجربة التي استطاع فيها البروز، قائلاً: “لقد كنتُ قائد فريق جامعة ميتشيغن، الأمر الذي يُمثل أهمية بالغة بالنسبة لي.
على مدى قرون تُمثل الرياضة جزءًا مهما من جامعة ميتشيغن، وفريق السباحة التابع للجامعة لديه إرث يناهز عمره المائة عام، وأن تكون قادرًا على قيادة فريق من أربعين لاعبًا إلى الانتصارات هو بالتأكيد أمر يدعو للفخر”.
يتحدث مختار اليماني عن خططه المستقبلية وغموضها، وعن الازدواجية التي يعيشها، مؤخرًا، بسبب عمله في مجال آخر غير السباحة،، قائلاً: “في الوقت الراهن، بدأت أخفض من اهتمامي بالسباحة للتركيز على وظيفتي.. لقد عثرتُ على وظيفة في مجال الإعلان، وسأسافر إلى نيويورك في غضون أشهر.. خططي في ما يتعلق بالسباحة ما تزال غير واضحة”.
وفي كلمة أخيرة، أراد مختار اليماني، السباح العالمي، قولها، من خلال هذه المقابلة: “أنا حريص أن أبقي على تواصل مع المجتمع اليمني، وسأظل على تواصل مع الجميع، وبشكل خاص مع الذين دعموني وساندوني.. أتمنى أن يظل هؤلاء يدعمونني حتى أتمكن من اكتشاف ما عليّ فعله في المستقبل.. أنا ممتن لهم على دعمهم لي أثناء الألعاب الأولمبية، وإن شاء الله سنرى اليمن يواصل المنافسة على الساحة العالمية”.
بالتوفيق يارب فخورين فيك 🌹💕 we’re proud of you