كتب/ جمال طه
يقلب هاتفه وهو يحمي شاشته بيديه خوفًا من قراءة أحدهم للرسالة التي يكتبها، أو الصورة التي يتأملها.. لا أعرف بالضبط ما الذي يخفيه عن بقية الزبائن.. أليس من حقنا كزملاء في هذا المقهى أن نعرف؟!
لا أظنه يعرف شيئًا هو الآخر.. إنه مثلنا يجهل ما يحدث.. يحرك يده ويكتب جملة قصيرة.. هكذا يبدو الأمر من حركة أصابعه التي لم تستمر طويلاً في الضغط على أحرف الكيبورد.. أظنه كتب لإحداهن “أنا أحبكِ”.
ما زال ينتظر الرد، وما زلت أنا أنتظر كأس الشاي وردة فعله على إجابتها المنتظرة.. هل سيقفز؟ هل سيشتم؟ هل سيبكي؟ سيضحك!..
ليل الشتاء طويل على أية حال، وليس لديّ ما أفعله سوى كتابة هذا الكلام وانتظار الشاي والحلقة الأخيرة من مسلسل الزبون الذي يخبئ شيئًا ما عنا.
الثقة مهمة، والغرباء لا يؤذون أحدًا.. هل هو بحاجة للحديث مع غريب لمرة واحدة.. سأستمع وأقدم له النصائح.. لا يمكنني الاستمرار بمشاهدته وهو يعاني بهذه الطريقة، حتى إنه الآن يغطي الهاتف بحرص أكبر، ولا يمكن لأي أحد أن يلمح شيئًا غير إضاءة الهاتف الخافتة التي تجعلني أرى بوضوح ملامحه البائسة.
يصل الشاي وأشربه ساخنًا جدًّا كما تعودت.. كنت قد سمعت مرة أن الجميع في قريتنا يشربون الشاي هكذا، وأنهم لا يستصيغونه لو فقد القليل من حرارته.. أنا ابن القرية التي يشرب أهلها الشاي ساخنًا للغاية، وأطراف الزبون الذي يخبئ هاتفه تبدو من القلق باردة للغاية.
هل هي نائمة؟ لماذا يرسل لها رسالة خطيرة كهذه، في هذا الوقت؟ لماذا لم يتناول ساندويتش البيض منذ نصف ساعة؟ هل بدأت الأعراض الجانبية للحب تظهر عليه؟ هل بدأ بفقدان شهيته؟ المسكين..
أنهيت كأس الشاي للتو، وأتى العامل، وناولته الحساب، وفي هذه اللحظة لم أعد زميل أحد في المقهى.
لطاما اعتقدت أنني بعد دفع الحساب لا يحق لي أن أبقى في المقهى، ومن المحرج أن أفعل ذلك.. بعد دفع الحساب يجب أن تغادر.
جمعت أشيائي وغادرت.. لم أعد زميل أحد بعد دفع الحساب، بما فيهم الشاب الذي يخبئ شاشة هاتفه عن الجميع.. لم يعد يهمني أمره.. لكنها نائمة.. أنا متأكد..!
