دهليزرئيسي

البالطوهات الملونة.. هل كسرت ثقافة الأسود وأعادت المرأة اليمنية لشيء من موروثها؟

شباب هاوس/ استطلاع.. عصام العامري

تميزت مناطق مختلفة في اليمن بأزياء متنوعة للمرأة موروثة منذ القدم، بزينتها وألوانها ونقوشها ذات الطابع الجمالي البديع المتولد من خُلْج أصالة وعراقة الشعب اليمني.

ورغم خصائصها الفريدة التي جمعت بين ثلاثي الجمال والعراقة والحشمة، إلا أن تلك الأزياء لم تلبث أن أطفأت بريقها العبايات والبوالط السوداء، التي طغت على كل ما عداها، بفعل ثقافة توغلت عميقًا في المجتمع اليمني، وحبست المرأة في ذلك الشكل طيلة سنوات.

مؤخرًا، لوحظ انتشار نوع جديد أو موضة حديثة لعبايات وبوالط تحمل ألوانًا ونقوشًا متنوعة، الأمر الذي يراه البعض عودة بالمرأة اليمنية إلى موروثها القديم شكليًّا، بينما يراه البعض الآخر أمرًا لا علاقة له بالموروث، وليس أكثر من موضة طرأت مؤخرًا مثلما طرأ السواد في السابق.

منصة “شباب هاوس” أجرت استطلاعًا مع عدد من الفتيات اليمنيات، حول رأيهن في موضة كسرت ثقافة البالطو الأسود، وربما تستطيع إعادة الزي الموروث، الذي كانت تزهو به فتيات الريف والمدينة قديمًا، إلى الواجهة.

تجسيدٌ للموروث

عبير الغارتي
تقول الإعلامية عبير الغارَتي لـ”شباب هاوس” إن “إضفاء نقوش على البالطو أو اختيار أقمشة تراثية على نفس نمط العباءة، يُعد تجسيدًا بطريقة جديدة للزي اليمني الأصيل المتوارث من أجدادنا”.

وتضيف عبير: “على الرغم من اهتمام الجيل القديم بهذه الأزياء التراثية اليمنية، ليس فقط في المناسبات الفرائحية، وأنما أيضًا في الحياة اليومية، إلا أن العباءة السوداء غزت لحقبة زمنية محددة أوساط الفتيات، وحاليًّا بدأت تعود الفتيات إلى الأزياء التراثية، وهذا شيء جميل”.

بدورها، ترى الإعلامية عهد ياسين أن انتشار هذا النوع من العبايات والبوالط ظاهرة جيدة، تعطي مظهرًا جماليًّا، بالإضافة إلى إدخال الموروث القديم إلى شكلها؛ ما يعزز التمسك بالهوية اليمنية، وإظهارها بصورة جمالية حديثة.

وتقول عهد لـ”شباب هاوس”: “أفضّل هذا النوع من الموضة، وكنت من أوائل الفتيات اللاتي ارتدين البالطو الملون، وجوبهتُ برفض المجتمع، لكن مع الوقت تم تقبُّل الأمر وأصبحن الكثيرات يرتدينه”.

الناشطة ندى الأسودي ترى هي الأخرى أن هذه الموضة تعتبر إحياء للموروث القديم وتطويره بالألوان والموديلات الجديدة الممزوجة بالتطريز القديم ومزجها بالحديث.

تقول ندى لـ”شباب هاوس”: “فكرة حبنا للألوان نابعة من جوهر الإنسان وارتباطه بالكون، بالطبيعة، بالخضرة، بكل ما هو مريح للنفس”.

رأي مغاير

حنان فازع
الإعلامية حنان فازع، تنظر إلى الأمر من منظور مغاير؛ حيث لا تجد في تلك الموضة إلا إضافة ألوان قد تشوه من شكل العباية حسب قولها..
وتضيف حنان لـ”شباب هاوس”: “من وجهة نظري فإن إدخال نقوش الزي الموروث القديم للموضة الجديدة أمر جميل واعتزاز بالموروثات القديمة والهوية الخاصة بنا، لكن بـ(الحد المعقول)الذي يتناسب مع هذا الزمن”.

وتتابع: “كانت ثقافة الزي اليمني تمثّل أنموذجًا خاصًّا ومتميزًا للفتاة اليمنية، وما زال هذا التراث قائمًا إلى الآن في بعض من الأحياء القديمة، وأيضًا في بعض القرى.
وهذا الزي الموروث لا يحمل ألوان الطيف، ولا قصات تظهر اليد إلى نصفها عند رفع الكم، ولا فتحات جانبية تظهر ما تحته.. الزي الموروث جميل بحشمته”.
وأردفت الإعلامية حنان بالقول: “مظهر الفتاة بعباءتها لا يدل على تحضّرها ورقيّها.. التحضر والرقي بالأخلاق الحميدة”، مشيرة إلى أن “الفتيات اللواتي يرتدين أزياء غريبة ملفتة للنظر ليس لها علاقة بعادات وتقاليد ولا موروث، فقط تجعلهن يتعرضن لكلمات جارحة قد تؤثر فيهن”.

أذواق وحريات

غدير طيرة
الإعلامية غدير طيرة ترى أن البوالط الملونة ليست موضة جديدة في الأساس؛ لامتدادها التاريخي باللباس التقليدي، أما العبايات السوداء فقد دخلت في حقبة زمنية قريبة على الثقافة اليمنية.

تقول غدير لـ”شباب هاوس”: “اليمنيات لم يكنّ يعرفن اللون الأسود أو مصطلح العباءة، سواء في الزي التقليدي التعزي أو التهامي أو الصنعاني، بدليل كبار السن اللواتي نشاهدهن في صنعاء القديمة باللباس الموروث مثل الستارة الصنعانية”.

وتضيف: “موضة الأزياء بشكل عام حرية شخصية وتعود وفقًا للذائقة الشخصية، ولا يمكن إلزام شخص بماذا يرتدي، ولكن من أجل تجنّب المضايقات يُفضل للفتاة أن ترتدي ما تراه يتناسب مع المكان الذي ستذهب إليه”.

من جانبها، ترى عبير الغارتي أن ارتداء اللباس الملون حرية شخصية، حيث “ليست المسألة غزوًا خارجيًّا كما يرى البعض، فأنا أفضل ارتداء كل ما يعجبني ومقتنعة به ما دام كل ما أرتديه محتشمًا، بغض النظر عباءة كانت أم أزياء تراثية”.

الإعلامية حنان فازع تشاركها الرأي ذاته حول كونها حرية شخصية، فتقول لمنصة “شباب هاوس”: “بصراحة كل له وجهة نظر خاصة به، فالمسألة في الأول والأخير تعتبر حرية شخصية، وأنا شخصيًّا أفضّل ارتداء العباية السوداء، مع أنني ألبس الملونة أيضًا.

وعن السبب الذي جعل حنان تفضل اللون الأسود تقول: “لأنه أولًا: يبدو على الملابس أجمل، ثانيًا: لا يعطي مجالاً للغير برمي كلمات قد تكون في بعض الأحيان غير مهذبة وجارحة”.

وتضيف: “في مجتمعنا إذا رأوا شيئًا مخالفًا أو شاذًّا عن السائد – كما يقول البعض- فورًا يبدأ الهجوم والانتقاد، إما بطريقة بناءة ومهذبة قد تجعل الفتاة تعيد النظر في تلك المسألة، أو بطريقة همجية وناقصة الأدب قد تجعلها تدخل في العناد وقول كلمة (ما لك دخل)”.

 

موضةٌ تافهة

افنان الخولاني
في السياق تصف أفنان الخولاني هذه الموضة بـ”التافهة”، وتعتبرها استحداثًا منافيًا للعادات والتقاليد الإسلامية والعرفية على حد سواء، والذي من شأنه أن يساهم بشكل أو بآخر في الانحلال والخروج عن الطريق السوي.

وتقول أفنان لمنصة “شباب هاوس”: “شخصيًّا أفضل اللون الأسود؛ كونه يوفر الحشمة بشكلها الصحيح، ويحترم العادات والتقاليد التي تربى عليها جيل كامل، وفق أسس ومبادئ دينية سوية”.

وترى الخولاني :”أن انتشار مثل هكذا موضة تعود لأسباب مختلفة، منها تدني مستوى الثقافة الدينية، والانخراط مع التوجهات التي تستهدف الشباب المسلم، وتشكك بثقافته ودينه، وتعتبر أن هذه الانحلالات الأخلاقية تحضرًا وتثقيفًا ورقيًّا، وهي عكس ذلك تمامًا”، حسب قولها.

وتضيف: “لا يمكن أن نربط هذه الحداثة التافهة، بالزي الموروث؛ فحين كان الزي الموروث سائدًا كان في زمن ينتشر فيه الخير والقيم الأصيلة، وأقوام تتمسك بدينها وتعض عليه بالنواجذ، أما وفي هذا الزمن الذي انعدمت فيه الأخلاق والحياء، فإنه أمر غير منطقي وليس له أيّ صلة”.

وأكدت الخولاني أهمية الحفاظ على الزي الموروث، وفقًا لأطر لا تتعدى دائرة المسموح به دينًا وعرفًا، لا أن نتصنع موضة جديدة تحت مزاعم الزي الموروث والهُوية اليمنية، وهي في الحقيقة تريد أن تجعل الزي الذي صُنع للحشمة زيًّا للإغراء والإثارة، حسب تعبيرها.

الاء العارضة
آلاء العارضة، كان لها رأي آخر؛ فهي تفضل ارتداء البالطو الملون على الأسود؛ باعتباره تجديدًا للزي التقليدي في صورة متحضرة ومواكبة للعصر الجديد، حسب قولها.

وتضيف آلاء لمنصة “شباب هاوس”: “البالطو الملون يعد موضة حديثة تواكب العصر، ولا تعتبر غزوًا فكريًّا؛ كونها مستوحاة من الزي التقليدي اليمني، ولا تخالف الدين، فهي مطابقة لمواصفات الحشمة الكاملة”.

وتوضح أن هذه الموضة الجديدة الملونة، تفيد المرأة بحمايتها من حرارة الشمس؛ كون اللون الأسود يساعد على امتصاص أشعة الشمس.

 

مضايقات

عهد ياسين
 وتشير عهد ياسين إلى أن بعض الفتيات أو الكثير منهن يخجلن من ارتداء بالطوهات ملونة، بسبب النمط الذي حصر لبس المرأة باللون الأسود واعتباره عرفًا، ومخالفته تعد مخالفة للأعراف وكسرًا للعادات والتقاليد والقيم المجتمعية.

وأكدت ياسين أن من ترتدي هذه البالطوهات الحديثة تتعرض للكثير من المضايقات لأنها تعتبر خروجًا عن النمط السائد والمتعارف عليه في المجتمع، وقد تصل إلى تهم أخلاقية، رغم أن النمط الأسود هو الدخيل الحقيقي على الثقافة اليمنية التي أخذت في التغير لأسباب أيديولوجية وسياسية.

إلا أن عبير الغارتي، ترى إن التقيّد بعادات لا ترتبط بالموروث اليمني الحقيقي، والذي جعل العديد من الفتيات يتعرضن للمضايقات اللفظية، وقد يصل الأمر للتحرش الجسدي.

وتضيف عبير: “الكثير من الفتيات يخجلن من اللباس الجديد؛ خوفًا من نظرة المجتمع لهنّ، فمن وجهة نظرهنّ يعتبرنه مخالفًا للعادات والتقاليد، بينما إذا رجعنا بذاكرتنا إلى الماضي سنجد أمهاتنا كنّ يرتدين ملابس تراثية، ولم تكن آنذاك العباءات (البالطوهات) السوداء موجودة”.

ندى الاسودي
وحول المضايقات ونظرة المجتمع إلى موضة البالطوهات الملونة تقول ندى الأسودي: “للأسف هناك عادات حكمت على البالطو بأن يكون أسود، وإلا فلن يكون بالطو يستر البنت.. مُخجل أن تضع البنت في زاوية (عيب استحي ليش لابسة هكذا)، مع أنها تكون محتشمة وأنيقة ومرتاحة نفسيًّا لمظهرها الخارجي، وهذا شيء يعزز ثقتها بنفسها بشكل أكبر”.

وتؤكد ندى أن الكثير من النساء يتعرضن لمضايقات لفظية؛ كون الشارع اليمني ما زال يرى أن أيّ لون غير الأسود يعد فاضحًا، بينما المرأة قد تكون قررت تغيير اللون الأسود، واتباع كل ما هو جديد ولائق، وهذا فقط من حقها هي وحدها.

  آلاء تطرقت هي أيضًا للمضايقات التي تتعرض لها الكثير من الفتيات عند ارتداء بوالط أو عبايات ملونة ومنقوشة، مرجعة السبب إلى الجهل والثقافة المتدنية لدى المجتمع، وعدم معرفتهم بالهُوية اليمنية الحقيقية.

وعن المضايقات التي تتعرض لها الفتاة في الشارع، تقول الإعلامية غدير طيرة: “تتعرض الفتيات للمضايقات ليس من أجل لبسهن فقط، فحتى المرأة التي ترتدي الخمار تتعرض للتحرش، الفتاة تتعرض للمضايقات سواء لبست قصيرًا أم طويلًا، أبيض أم أسود، غالبية الناس تخرج شخصياتهم السيئة في الشارع”.

وتعتقد طيرة أن الثقافة السوداء زُرعت في المجتمع اليمني، وجعلته متحفظًا ورافضًا لهذه الألوان والنقوش التي كانت تُعد أصلاً موروثًا تاريخيًّا تعبر عن هُويتهم وثقافتهم القديمة، وهذه المفارقة أو التناقض مع الذات، وليد حقبة زمنية نُقلت خلالها أفكار وثقافات متشددة تم ربطها بالدين”.

 

موضة متجددة

عبير الغارتي تعتقد أن هذه الموضة ستظل مستمرة، وستشهد تطورًا أيضًا؛ حيث يختلف كل شيء من جيل إلى آخر، بما في ذلك الأذواق والتحضر والرقي، ليس فقط بالشكل، وإنما بالعقل قبل المظهر، رغم أهميته.

وترى آلاء العارضة يحيى أن هذه الموضة ستشهد تطورًا لافتًا؛ كونها تعيد الهُوية اليمنية من خلال تقديم الزي الموروث بشكله العصري الحديث.

 بدورها ندى الأسودي توافق آلاء الرأي، وتقول إن هذه الموضة ستشهد تطورًا كبيرًا، خاصةً أنه يوجد مزيج من التراث ببعض الموديلات، مثل الستارة الصنعانية والمصون والتطريز المختلف، وذلك بحسب ما يُرى من اكتساح لمشاريع العبايات بمختلف الأشكال والألوان والنقوش، وما لها من إقبال كبير من النساء ومتابعة أحدث الموديلات.

وتشير ندى إلى أنه مع إصرار النساء على متابعة كل ما هو جديد، سيصبح الأمر اعتياديًّا مع الوقت، وسيعتاد الشارع على رؤية الألوان المبهجة تزين كل مكان؛ كون امتعاض الناس من هذه الألوان مغايرًا لطبيعتنا وبعيدًا عن الموضوع الأساسي وهو الستر.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى