شباب هاوس.. عمران مصباح
منذ القِدم، اقترن اسم اليمن بزراعة البن وتجارته، وبقي ذلك الارتباط حاضرًا على امتداد الحضارة اليمنية القديمة، إلا أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر تحديدًا، بدأ ذلك الارتباط بالتراجع كثيرًا لصالح دول أخرى منافسة، ووجدت موانئ اليمن نفسها أمام ركود كبير، بعد أن كانت قد وصلت لأعلى مستويات إنتاج البن وتصديره. ومن أجل إنقاذ البن اليمني ظهر، مؤخرًا، شباب يمنيون يعملون على إعادة الاعتبار لذلك المنتج التاريخي، من خلال تسويقه، والترويج له، ومحاولة إعادته للمنافسة عالميًّا.
وبالمناسبة، وفي “اليوم العالمي للقهوة”، يتحدث لـ”شباب هاوس” عدد من الشباب الذين يعملون على ذلك، عن مدى نجاحهم في إحياء المنتج من بين كافة المنتجات المحلية، والجدير بأن يصل إلى العالمية؛ نظرًا لما يتمتع به من جودة عالية.
مساهمة شبابية في إعادة الترويج
ليس لدوافع تجارية فحسب، بل واستشعارًا منهم لأهمية هذا المنتج التاريخي اليمني، قام مؤخرًا مجموعة كبيرة من الشباب اليمنيين بمحاولة الترويج للبن اليمني والتجارة فيه.. يقول عدنان القصوص، مسؤول التواصل والمناصرة في وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر semps، كانت هناك حملة في العام 2015، تم تسميتها بـ”yemen coffee break”، والتي كان أساسها الشباب، ووصلت للملايين حول العالم، وكانت عبارة عن محاولة لإعادة البن اليمني إلى مكانته كواحد من أفضل أنواع البن في العالم.
ويضيف القصوص لـ”شباب هاوس”: “تلك الحملة كانت انطلاقة لمجموعة كبيرة من الشباب للدخول في سوق البن، وكسرهم للاحتكار الذي كان سائدًا من قبل”.
ولا شك أن الوسائل الحديثة التي استخدمها الشباب للترويج لمنتج البن، قد ساهمت أكثر في سرعة إعادته إلى الواجهة.
ريهام هاشم، والتي تعمل أيضًا في تحميص، وتصدير البن، تتحدث لـ”شباب هاوس” بالقول: إن البن اليمني هو في الأساس معروف عالميًّا بجودته، لما يتمتع به من خصائص مختلفة، ومناسبة لجميع الأذواق، وهو ما ساعد في نجاح ترويجه.
وتضيف: “صحيح أن البن اليمني مر بفترة ركود، لكن الشباب، موخرًا، توجهوا للترويج له من خلال وسائل عدة، سواء بالإعلانات، أو الكتابات، أو الفيديوهات التعريفية، الأمر الذي ساعد في ظهوره مجددًا”.
وأوضحت أن التجمعات الشبابية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء جلسات التذوق cupping، كل ذلك ساعد أيضًا في انتشاره.
وبهذا الخصوص، تحدثت أرزاق النجار، وهي متذوقة في البن، والمدير التنفيذي لشركة موكافالي mocha valley المتخصصة في عمل الدراسات والتدريبات، لـ”شباب هاوس” قائلة: “يعتبر الشباب أكثر انفتاحًا على العالم الخارجي، ولديهم نظرة مختلفة وحديثة عمّا كان عليه الوضع في السابق، وبالتالي فإن الشباب حاليًّا أكثر تمكنًّا وسرعة في التسويق بطرق تتواءم إلى حدٍّ ما مع متطلبات الوقت الحالي من معايير التسويق”.
وتؤكد النجار أن ذلك كله قد ساعد في استعادة البن اليمني إلى الأذهان، قبل الأسواق.
وتضيف أنهم في موكافاللي، وبالإضافة إلى نشاطهم عبر مواقع التواصل، قاموا بإطلاق برنامج “بودكاست البن اليمني”، والذي يهتم بقضايا البن باللغتين العربية والإنجليزية، ويعتبر هذا البرنامج الوحيد في اليمن والشرق الأوسط.
تأثير الحملات الترويجية
وبحسب النجار، لا يمكن الاكتفاء بالحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبار المديح الكثير، والتسويق المختلف قد يعودا بنتائج جيدة، إذ لا بد أن يرافق ذلك تأثير واقعي، يبتدئ بتغيّر وعي ومعرفة المجتمع عن هذا المنتج.
وتضيف: “لا بد من إيجاد تأثير واقعي ينتج من الترويج لهذا المنتج، لأن الترند عادتها أن تنتهي مهما طالت، وبالتالي فإن تأثيرها مؤقت”.
وتشير النجار إلى أنه رغم أن مستوى زراعة البن قد تزايد خلال هذه الفترة، لكن، يجب رفع الوعي عن البن، ومنح الناس معلومات صحيحة، وتدريبات لتحويله من حملة على مواقع التواصل، إلى نمط معيشي يعكس ثماره على معايير الجودة، وكيفية الحفاظ عليها، وأيضًا معرفة نوع البن اليمني من غيره؛ لتصبح العملية متوازنة وقائمة على علم ومعرفة، وذلك ما نقوم به في شركة موكافاللي عبر توفير المعلومات الصحيحة، بالإضافة إلى تدريب المزارعين والشركات العاملة والمهتمين على جميع مراحل البن من المزرعة، وحتى التذوق.
وتختتم حديثها بالقول إنهم قاموا، أيضًا، بنشر أربع خرائط معلوماتية عن البن اليمني لأول مرة، وذلك سيساعد واقعيًّا في عملية الترويج له. ولكي تنتج الحملات تأثيرًا حقيقيًّا وواقعيًّا، لا بد من أن تدفع بالكثير من الفلاحين اليمنيين لمواصلة زراعة هذا المنتج بجودة عالية.. في هذا المجال، يقول عدنان القصوص: “مؤخرًا قامت وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر بتدريب وتأهيل مجموعة كبيرة من الشباب لدخول سوق البن، من خلال دورات التذوق والتحميص، كما قامت بتأهيل الجمعيات العاملة في قطاع البن، وكذلك مزارعي البن حول اليمن”.
ويضيف أن ذلك الاهتمام حفّز المزارعين على تحسين جودة البن، وساهم كثيرًا في تحسين سمعته.
وعن فوائد أخرى ملموسة أيضًا، يتحدث لـ”شباب هاوس”، المدير العام لمتجر درر القهوة المختصة، رشيد شاجع، قائلاً: “استطاع الترويج صنع ثقافة واسعة، كما أوجد ذلك مستثمرين يخوضون في هذا المجال، ويعملون عبر شركات، سواء في الداخل أو الخارج، كما ساعد ذلك في الإنتاج وفق معايير عالمية، بالإضافة إلى أنه استطاع تكوين صورة جيدة عن البن اليمني”.
دور الدولة والمنظمات
في لحظة غياب الدولة، طغت على مشروع إعادة البن، الجهود الفردية للشباب، بالإضافة إلى تدخل بين الحين والآخر لبعض المنظمات لدعم هذا التوجه.. في هذا الشأن يقول عدنان القصوص، وهو يعمل في إحدى تلك المنظمات: “هذا التدخل من قِبل المنظمات، ساهم كثيرًا في تحسين الجودة، وظهور أسماء ريادية في مجال البن، كما تم تأهيل الكثير من المزارعين”.
وأوضح القصوص أنه في الفترة الأخيرة، ومع تلك الجهود الشبابية والمنظمات الداعمة، أصبح الوضع أفضل مما كان عليه في السابق.
وبخصوص دور الدولة والمنظمات، وكيفية توجيههم لدعم مجهودات الشباب، تقول أرزاق النجار : “إن مهمة الدولة التنسيق والترتيب لإقامة مهرجانات دولية عن البن، وتسهيل حضور جمعيات زراعية لحضور مثل هكذا فعاليات، ويجب ربط المزارع بالعالم الخارجي، وذلك سيساعده على فهم احتياج السوق الخارجية، وإنتاج بن مبني على ذلك المطلوب”.
جهود غير مدروسة
وعن هذا التوجه الذي يقوم به مجموعة من شباب الجيل الجديد، والمتمثل بالترويج لهذا المنتج، وجودته والتسويق له والتجارة فيه، فإن تلك المساهمات تقوم بلا دراسة أو دعم من الدولة. فهذا التوجه بحسب أرزاق النجار، رغم أنه قد يحقق تقدمًا نوعًا ما، إلا أنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث إن الترويج من قِبل الشباب المؤثر لديه إيجابياته، ولكن يجب أن يكون مدروسًا بطريقة صحيحة، وتوجيهه بمعلومات موثوقة بما يخدم معايير التصدير.. تقول النجار: “بقاء التخبط، والاستمرار في هذا العزل لن يؤدي سوى إلى نتائج عكسية، كما أن الدور المستقبلي هو التسهيل للانفتاح أكثر بدخول الاستثمارات الخارجية، وتسهيل وصول البن اليمني إلى الخارج بطريقة منافسة تضمن استمراريته”.
وتضيف: “يجب فهم السوق المحلية والخارجية؛ حتى يتم استعادة مكانة البن اليمني، ولا يكون عبارة عن فقاعة مؤقتة”.
وتختتم حديثها لـ”شباب هاوس” بأن اعتماد الشباب على معلومات الإنترنت أو الجلسات الاجتماعية لدخول سوق التجارة قد يكون له تأثير مضاد على سمعة البن اليمني، ومكانته، وسيعود بنتائج سلبية بدلاً عن النفع.
أيضًا ريهام هاشم، تتحدث بهذا الخصوص قائلة: “يجب أن يكون التسويق مدروسًا، ويجب اللجوء إلى المسوقين والمروجين المحترفين، وعمل خطط تسويقية، تحترم الزبون، وتقدم له منتجًا ذي جودة يظهر في آلية التسويق قبل أن يصل إليه المنتج”.. مشددة على أن إقناع العملاء بما قدمته لهم، يمثل أولوية.
تعتبر تجارة البن الأكثر جدوى من بين كل المنتجات اليمنية، وإذا ما تم استثمار ذلك بمشروع متكامل، وبالشكل الصحيح، فإنه قد يعود بالنفع الكبير على البلد، والمجتمع والأفراد.. ويأتي هذا الأمر بتفعيل كافة الجهود رسميًّا، وشعبيًّا، وشبابيًّا، للنهوض بتجارة المنتج الذي صبغ حضارة الإنسان اليمني لفترة طويلة من الزمن بصبغة العالمية.