شباب هاوس.. تقرير/حسين عارف الفضلي
يوم بعد آخر تزداد حجم المعاناة التي تجثم على كاهل طلاب اليمن المبتعثين في الخارج نتيجة انقطاع مستحقاتهم المالية المقررة من وزارة التعليم العالي التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا.
على مدى عام وثلاثة أشهر يتضرع هؤلاء الطلاب (عقول وسفراء اليمن) في بلدان الابتعاث، جوعًا، تحت وطأة المآسي التي يتشاركونها فيما بينهم بعد توقف مستحقاتهم المالية منذ يونيو 2020م، ووصل بهم الحال إلى عدم القدرة على مواصلة الدراسة.
عام ونيف من المعاناة
على أمل الفرج القريب، تعيش هذه الشريحة المهمة معارك الجوع والألم، وهمّ الدراسة ومصاريفها اليومية، فبعد أن كانت مستحقاتهم تصرف في السابق أربع مرات في السنة، مر عليهم ما يقارب العام والنصف، وأكثر، يعيشون حياة الكفاف دون رواتب أو مستحقات مالية مع ارتفاع الأوضاع المعيشية في بلدان الابتعاث.
يقول الطالب “غسان البذيجي”، المبتعث في جمهورية مصر العربية لـ”شباب هاوس”: ظروفنا صعبة للغاية؛ فالمستحقات متوقفة منذ سنة وثلاثة أشهر، ولم نستلم حتى الربع الرابع للعام 2020، في الوقت الذي يفترض أننا استلمنا الربع الرابع للعام 2021 م، فأصبح أكبر همنا معاناة الجوع، والطرد من البيوت لأننا لم ندفع إيجاراتها.. إننا في وضع يرثى له”.
ورغم الاعتصامات والفعاليات التي ينظمها الطلاب في الخارج منذ عدة أشهر بهدف الضغط على الحكومة للنظر إلى معاناتهم وصرف مستحقاتهم، إلا أن ذلك لم يُجدِ نفعًا.
أنور السفياني، طالب مبتعث في روسيا، يقول لـ”شباب هاوس”: “ناشدنا وزارة التعليم العالي في اليمن بصرف مستحقاتنا، نظمنا فعاليات واحتجاجات أمام السفارات، دشنّا حملات إلكترونية، طرقنا كل الأبواب، لكنها مغلقة أمامنا، ولا ندري إلى متى”.
طلاب على المحك
ومع انقطاع المستحقات المالية وقع طلاب اليمن المبتعثون في بؤرة الأحزان التي تنهال عليهم من كل جانب، ووقع مستقبل العديد منهم تحت الخطر بعد تلقيهم إشعارات جامعية تهددهم بالفصل لأنهم لم يسددوا ما عليهم من رسوم جامعية.
في هذا الخصوص يقول معاذ عبدالفتاح، طالب دكتوراه في ماليزيا: “أصبحتُ مهددًا بالفصل إذا لم أسدد رسومي الجامعية المتراكمة.. أبلغت الملحقية الثقافية في سفارة بلادنا، لكنهم يعطوني وعودًا وهمية من يوم لآخر”.
ويضيف عبدالفتاح لمنصة “شباب هاوس” أنه لجأ إلى الاعتصام أمام الملحقية الثقافية في سفارة اليمن بماليزيا بعد أن استنفد كل السبل، وأغلقت أمامه كل الأبواب”.
مشيرًا إلى أنه كان هناك بعض المطاعم اليمنية تقدم لهم وجبات طعام أثناء الاعتصامات التي كانوا ينظمونها، لكنها مؤخرًا توقفت بعد تلقيها تهديدات من قِبل سفارة اليمن في ماليزيا.
الحكومة تُحمّل الحوثي المسؤولية
في المقابل أرجع مدير الإعلام في وزارة التعليم العالي، في الحكومة المعترف بها دوليًّا، زايد بن شهاب، هذه المشكلة إلى جماعة “أنصار الله” الحوثيين.
وقال زايد لمنصة “شباب هاوس”: “إن السبب الرئيسي في المعاناة الحاصلة للطلاب اليمنيين هو استحواذ جماعة “أنصار الله” الحوثيين على الميزانية المخصصة لهم في البنك المركزي عام 2016، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها البلد، ومع ذلك فإن الوزارة تسعى إلى صرف المستحقات وتقليص الفجوة الزمنية”.
وأكد أن الوزارة تعمل على حل المشكلة وصرف المستحقات المالية للطلاب، منوهًا بأن البنك المركزي اليمني يقوم في الوقت الحالي باستكمال إجراءات تحويل مستحقات الطلاب.
وتوقع شهاب صرف تلك المستحقات خلال الأسبوع الجاري.
اتفاقية
في نهاية يونيو من العام الجاري وقّعت الحكومة اليمنية ممثلة بوزير التعليم العالي خالد الوصابي، والسعودية ممثلة بالسفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، على اتفاقية “التعليم من أجل التنمية” لدعم اليمنيين المبتعثين للدراسة في الخارج، وتكفّل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن من خلالها بتقديم المستحقات المالية لطلاب اليمن المبتعثين بالخارج لسنة كاملة، أي الربعين المتأخرين من عامي 2020، و2021.
البرنامج السعودي بدأ بصرف الربع الثالث من مستحقات 2020م، لكنه توقف عن صرف بقية الأرباع المتفق عليها مع الحكومة اليمنية.
في هذا الخصوص يقول عبدالعزيز عبدالغني، طالب مبتعث في تونس، لـ”شباب هاوس”: “نحن نعاني كثيرًا جراء انقطاع مستحقاتنا المالية، وقد سلكنا كل الطرق لتوصيل رسائلنا للوزارة، وخرجنا باحتجاجات إلى السفارات والملحقيات الثقافية، لكنهم يردون بأن البرنامج السعودي لم يصرف بعد”.
ويضيف عبدالغني: تواصلنا مع أحد المسؤولين السعوديين، والذي يعمل في البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ورد علينا بأن السبب يرجع إلى تقصير بعض السفارات اليمنية وملحقياتها الثقافية؛ كونها لم ترفع للبرنامج السعودي بكشوفات تتعلق بالطلاب، وهو الأمر الذي لم توضحه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن، ولم نحصل على رد حتى الآن.
مطالب وإحصائيات
وتُظهر إحصائية رسمية صادرة من وزارة التعليم العالي في اليمن أن عدد الطلاب اليمنيين المبتعثين في الخارج يصل حوالى 6000 طالب وطالبة مبتعثين من قِبل عدد من الوزارات والجامعات وكليات المجتمع اليمنية، موزعين على 38 دولة.
وفي ظل مآسي طلاب اليمن المبتعثين وأوضاعهم المعيشية الصعبة التي يعيشونها في مختلف دول الابتعاث، يطالب هؤلاء الطلاب بصرف مستحقاتهم وإنهاء المعاناة الجاثمة عليهم منذ عام وثلاثة أشهر.
من جهته يرى الدكتور عبدالله عباس، طالب مبتعث في مصر، أن إنهاء معاناة الطلاب المبتعثين مرتهنة في سرعة صرف المستحقات للأرباع المتأخرة بأثر رجعي، والانتظام في صرف مستحقاتهم دون تأخر.
ويطالب الدكتور عباس بسرعة إعادة الطلاب الذين تم إسقاطهم من كشوفات المستحقات المالية وتعويضهم، وكذلك عدم احتساب فترة جائحة كورونا ضمن فترة الابتعاث، وتعويض الطلاب بفترة تمديد تعويضي لا تقل عن ستة أشهر، وصرف مستحقاتها.
كما طالب بصرف تذاكر السفر للخريجين العالقين بالإكراه ليتسنى لهم العودة إلى أرض الوطن، وحل كافة المشاكل الفردية للزملاء والزميلات، وإنهاء معاناتهم.
بين وعود حكومية يمنية ومعونة سعودية لم ترَ النور، يعيش طلاب اليمن في الخارج حياة الكفاف، يتضورون جوعًا على أبواب سفارات بلادهم في وضع ليس أقل كارثية من وضع مَن هم في الداخل تحت الحروب والحصار و المجاعة.