تقرير – “شباب هاوس”
تُشكّل فئة الشباب في المجتمعات رافدًا قيّمًا ومثمرًا، لصناعة السلام والتنمية، على المستوى العالمي، حيث اتجهت العديد من البلدان لاستثمار تلك الطاقات وأتاحت فرص القيادة لها، لتوجيه دفة السلام والتنمية إلى واجهتها الصحيحة.
يختلف الأمر كليًّا في اليمن، البلد الذي مزقته الحروب والنزاعات السياسية، واقتسمت سلطته عدد من الأحزاب والجماعات المسلحة، مستخدمة فئة الشباب وقودًا للحرب، لا وقودًا لصناعة السلام والتنمية.
ظلت الانتماءات والتوجهات الحزبية أحد الأسباب التي عملت على تقويض دور الشباب الفاعل ومشاركته في صناعة القرار، واستبداله بالنظير المؤدلج ضمن دائرة الانتماء الحزبي، تحايُلاً على قرار الأمم المتحدة 2250، الذي يلزمها بإعطاء الشباب أحقية المشاركة الريادية في بلدانها لصناعة السلام والتنمية.
كوادر بناء لا معاول هدم
يعد دور الشباب من أهم الأدوار التي أصبح العالم يتجه نحوها، ويستخدمها في صناعة السلام والتنمية، خاصة في البلدان التي تعيش توترات عسكرية وسياسية.
ولم يعد إشراك الشباب في الأدوار القيادية، وإدخالهم ضمن منظومة الحكم وصناعة القرارات مجرد نصوص مكتوبة، أو مشاريع طامحة، بل أصبح حقًّا يُلزم المكونات السياسية والسلطات الحاكمة.
وبحسب حقوقيين، تأتي هذه الأحقية كمبدأ لا يُحاد عنه، وذلك لِما للشباب من دور محوري في صناعة السلام وتنمية بلدانهم، خصوصًا تلك التي أثقلتها الحروب والتمزقات السياسية، بفعل كيانات عفا عليها الزمن، وأصبحت مشاريعها التدميرية لمصالح شخصية.
والمفارقة هي أن الجماعات والأحزاب، والتي أصبحت هي منبع الفرقة والنزاعات المسلحة والسياسية في اليمن، ترى فئة الشباب مخزونًا بشريًّا يمكن استخدامه كوقود حرب، لا طاقات فاعلة يمكن استخدامها بشكل مؤسسي، للنهوض بمستوى التعليم والعمل الذي يلبي احتياجاتهم، ويترجم أهداف التنمية المستدامة، لجعل الشباب كوادر بناء، لا معاول هدم.
القرار 2250
في مثل هذا اليوم من شهر ديسمبر، وتحديدًا قبل ستة أعوام، في 2015، اعتمدت الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها قرارًا اعتبر الأول من نوعه وحمل رقم 2250 حول “الشباب والسِّلم والأمن”، والذي يدعو السلطات المعنية لأنْ تُراعي مشاركة الشباب ووجهات نظرهم، بما في ذلك عند التفاوض بشأن اتفاقات السلام وتنفيذها، مع الاعتراف بأن تهميش الشباب يؤثر سلبًا في الجهود الرامية لبناء السلام المستدام في جميع المجتمعات.
ويقصد بمصطلح “الشباب” في سياق هذا القرار، الفئة العمرية التي تشمل الأشخاص من سن 18 إلى 29 عامَا.
ويهدف القرار الذي تقدمت به الأردن إلى تعزيز مشاركة الشباب في هذين المجالين، وحث الدول الأعضاء على النظر في السُّبل الكفيلة بزيادة التمثيل الشامل للشباب، في عمليات صُنع القرارات على جميع المستويات لمنع نشوب النزاعات وحلها، وفقًا لبيان إشهار القرار الصادر عن مجلس الأمن.
حينها قالت السفيرة دينا قعوار، الممثلة الدائمة للأردن لدى الأمم المتحدة: إن “ما نشهده من استنزاف لطاقات وإمكانيات الشباب، خاصة خلال النزاعات المسلحة، جعلنا نؤكد في مشروع القرار على دور الشباب في منع النزاعات، وذلك من خلال حث الدول الأعضاء على توفير البيئة المحفزة لهم ووضع سياسات وآليات لتمكينهم من المساهمة بشكل فاعل في بناء السلام وتعزيز ثقافة السلام والتسامح واحترام الأديان”.
ولكن في اليمن، فإن صناعة “السلام والتنمية”، أمر تتوجس منه أطراف النزاع، رُعاة الحرب وتجارها.
وهذا ما تراه هديل الموفق، ناشطة حقوقية، في حديثها لمنصة “شباب هاوس”، مشيرة إلى أن الشباب ذكورًا وإناثًا، لم يلعبوا أي دور ذي مغزى في عملية السلام.
تضيف هديل: نعم، هناك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الشباب والسلام والأمن، لكن لم يكن هناك أي نتيجة ملموسة منه، الشباب ليسوا جزءًا، أو على الأقل لا يتم استشارتهم، في المحادثات التي يمكن أن تؤثر في نهاية المطاف في مستقبلهم”.
وتؤكد بأنه يتم تهميش الشباب وتجاهلهم من قبل جميع الأطراف الفاعلين في الصراع بالنسبة لليمن، سواء أكنا نتحدث عن مكتب المبعوث الخاص الذي يسهل المحادثات بين الأطراف المتحاربة، أم الحكومة والجماعات المسلحة الأخرى، حتى الشبكات المتواجدة اليوم في المستوى الثاني من عملية السلام هي شبكات نسائية، ولا تناقش بالضرورة مشاكل الشباب.
أحزاب سلطوية
الوضع الذي آلت إليه البلاد، وتمزيقها لعدة أجزاء، بحكومات متعددة الأوجه والانتماءات، غيّبت الطاقات الشابة، وحصرتها في زوايا الانتماءات والولاءات الحزبية الضيقة، ليس في الأدوار القيادية وصناعة القرار فحسب، بل على المستوى الوظيفي الصغير.
الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليًّا) أذعنت لقرار الأمم المتحدة وتجارت معه، وذهبت بشكل مستفز لتشكيل حكومة شباب من أبناء مسؤوليها الذين لم يبلغوا الحلم بعد، عديمي الكفاءة.
هذه الخطوة أثارت غضب الوسط اليمني على منصات التواصل الاجتماعي، لِما يحدث من عبث وفساد على مرأى ومسمع الجميع، وتهميش آلاف الشباب المؤهلين، ذوي الكفاءات العالية، وحصر الحكومة بأطفال المسؤولين وأقاربهم، وتركهم يعبثون بالمال العام والمناصب غير المستحقة.
هذه الحكومة، ومثلها حكومة صنعاء، مثالان حقيقيان على حصر الأدوار الشبابية وفقًا للانتماءات والولاءات والمصاهرات، لا على معايير الكفاءات، والقدرات، والأكثر جدارة بها.
ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي يؤكدون أن السلطات، سواء في عدن أو صنعاء، لم تضع أي اعتبار لقرار الأمم المتحدة، في تمكين الشباب من اتخاذ القرار، وقيادة السفينة إلى مراسي السلام والتنمية.
تقول هديل الموفق وهي زميلة وباحثة سياسية: “لقد أتيحت لي الفرصة لإجراء مقابلات مع عدد من الشباب داخل اليمن وفي المهجر حول مشاركة الشباب في عملية السلام.. لقد شعرت بإحساس كبير بالإحباط بينهم؛ لأن قضايا الشباب ليست في الرادار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم مشاركة الشباب في المحادثات حول مستقبلهم”.
وتضيف هديل: أثار البعض، أيضًا، قضية أن الشباب ليس لديهم أصوات مميزة تفصل همومهم وأولوياتهم عن الفئات الاجتماعية الأخرى، مثل النساء، ومع ذلك من المهم التحدث عن هذه الهموم والاحتياجات الخاصة لمختلف الفئات الشبابية في اليمن.. على سبيل المثال، الشباب أكثر عرضة للتجنيد من جميع الأطراف المتحاربة، وغالبًا ما يكونون هدفًا للتلقين العقائدي والرسائل المتطرفة، بالإضافة إلى ذلك يواجه الشباب تحديات اجتماعية واقتصادية تجعلهم أكثر عرضة للعنف والصراع، هم بحاجة إلى فرص للتعليم والعمل اللائق، فضلاً عن بيئة آمنة يمكنهم فيها التعبير عن أنفسهم بحرية دون خوف.
الولاءات الحزبية
تعتقد هديل أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الشباب، اليوم، هو الافتقار إلى رؤية موحدة لهُوية جماعية للشباب.
وتؤكد هديل أن هناك انقسامًا كبيرًا بين الشباب، وهذا يجعل من الصعب عليهم تكوين صوت قوي، مشيرة إلى أن جزءًا من هذا يرجع إلى تقلص المساحات المدنية والسياسية خلال الحرب؛ مما منع الشباب من التنظيم والتعبئة.
وتضيف: التحدي الآخر هو أن هناك العديد من الشباب الذين لا يدفعون باتجاه مشاركتهم في عملية السلام لأنهم لا يعتقدون أنها ستحدث فرقًا، كما يشعرون أن أصواتهم لن تُسمع على أي حال.
هديل ترى بأن هناك حاجة إلى تضافر الجهود لخلق مساحة لأصوات الشباب ومشاركتهم الفاعلة في صُنع السلام من خلال خلق الحوارات الهادفة إلى إنهاء النزاع وبشأن مستقبلهم أيضًا.
كما أن هناك حاجة، بحسب هديل، إلى زيادة الوعي حول أهمية مشاركة الشباب في صنع السلام، وكيف يمكن أن يساهموا في الدفع نحوه، سواء عبر عملية السلام الرسمية التي يقودها مكتب المبعوث الأممي، أو بشكل مستقل خارج الإطار الرسمي لهذه العملية.
الأحزاب اليمنية غيّبت الشباب
المدير التنفيذي لمنظمة شباب بلا حدود، تمّام الشيباني، يقول لـ”شباب هاوس” إن التشكيلات السياسية الحاضرة ليست قادرة على إنتاج قيادات شبابية لتولي مناصب صنْع قرار، سواء على المستوى المحلي، أو على المستوى الوطني، وحتى إن وجدت لا تكون بتلك الكفاءة لتولّي تلك المناصب.
ويؤكد تمّام أن الأحزاب السياسية تفتقر في هيكلها لبرامج تؤهل الشباب المنضوين تحتها تأهيلًا حقيقيًّا؛ لأنها لا تولي أي اهتمام للشباب، وهذا واضح جدًّا؛ لأن قيادات الأحزاب نفسها خالية من هؤلاء الشباب.
ويضيف: “كذلك لا ننسى أن الكثير من الشباب لا يملكون الكفاءات في المشاركة باتخاذ صنع القرار السياسي، وقد يعود ذلك للوضع الاقتصادي الذي يعيشه الشباب، والذي جعل تفكيره يركز على الحصول على فرصة عمل فقط، بعيدًا عن طموحه للمشاركة، على عكس فيما لو توفرت فرص، وحصل على الدخل المناسب، هنا سيبدأ بالبحث عن تحقيق مستوى آخر من تحقيق الذات، وسيتغير تفكيره، وأولوياته، واحتياجاته، وسيطمح للمشاركة في صنع السياسات أكثر”.
وعلق الشيباني على القرار 2250 قائلاً إنه أتى لتعزيز مشاركة الشباب، ويجب النظر إليه ببعد استراتيجي، وليس آنيًّا.. مشددًا على تطبيقه من خلال استراتيجية وطنية، وكذلك تضمينه في كافة السياسات، والاستراتيجيات الوطنية، حتى ينعكس على شكل برامج في كل الوزارات ومؤسسات الدولة.
ويضيف: “نحن في اليمن، كما يعلم الجميع، دولة منقسمة بين المكونات، وسياق غير مؤهل لتطبيق القرار، إلا أن هناك جهودًا محلية بُذلت لتوطين القرار، رغم أنها ما زالت محدودة”.
وأشار إلى أن منظمة “شباب بلا حدود” قامت بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بتشكيل التوافق الشبابي للسلام والأمن كمكون ينبثق عن هذا القرار، ويعمل بمرجعيته، وهو أساس لعمل استراتيجي قادم، يقوم بالعمل على زيادة المشاركة الشبابية في جهود السلام الدولية.
ونوه إلى أن منظمة “شباب بلا حدود” قامت، أيضًا بعمل الكثير من الأنشطة الخاصة بالشباب، منها العمل على استراتيجية وطنية مع وزارة الشباب والرياضة من أجل إنشاء برامج مبنية على القرار 2250.
واختتم الشيباني حديثه بالقول: “الواقع الحالي يقول إنه إذا كنت تريد الوصول لمراكز صُنع قرار، يتطلب ذلك تواجدك في حزب معيّن؛ لأن كل التشكيلات الحكومية السابقة، والحالية، وُجدت وفق ترشيحات حزبية؛ لذا فإن غياب الشباب عن قيادات حزبية، سيحرمهم من تولّي مناصب قيادية بشكل عام”.
النُّخب السياسية غيّبت الشباب
وبشأن العوائق التي تحول دون مشاركة الشباب في اليمن بصناعة القرار، تقول الناشطة الشابة رانيا محمد لـ”شباب هاوس”، إن هناك عائقين رئيسيين، الأول يتعلق بالنُّخب السياسية المسيطرة على صناعة القرار، والثاني يتعلق بضعف تأهيل وتطوير الشباب بكيفية عملية صناعة واتخاذ القرار.
وتشير رانيا إلى أن انحصار صناعة القرار بالنُّخب السياسية الرجعية التي لا تؤمن بالشباب، بالإضافة إلى الاستقطاب السياسي الذي يخلق شبابًا قائمًا على التبعية للنخب، وضعف برامج التأهيل والتدريب التي تعمل على صقل مهارات الشباب في عملية صناعة واتخاذ القرار، كان لكل ذلك دور في تغييب الشباب.
كما انتقدت رانيا ضعف دور منظمات المجتمع المدني في خلق استراتيجية تدفع بالشباب أكثر في عملية اتخاذ وصناعة القرار.
وأوضحت أن “الشباب يمثلون غالبية فئات المجتمع اليمني، والقوة التي تغذي الصراع الحالي، واتجاه الشباب إلى عملية بناء السلام سيسهم في إيجاد حلول معتدلة وأكثر فعالية؛ كونه القريب من الواقع والمتأثر الأول منه”.
وبخصوص مدى تطبيق اليمن للقرار 2250 تقول رانيا إنه “تم تطبيقه بشكل بسيط جدًّا، فهناك شباب يعملون في الجانب السياسي والحقوقي والثقافي والإنساني، لكن خارج الدولة ومؤسساتها الرسمية.
وتضيف أن مشاركة الشباب في اليمن جاءت عن طريق منظمات المجتمع المدني والمبادرات التكتلات والتوافقات.
وهاجمت رانيا الأحزاب السياسية اليمنية، قائلة إنها أحزاب هشة لا تستطيع اتخاذ قرار خاص بها.
وتساءلت: كيف سيستطيع الشباب إيصال اصواتهم من خلالها؟ لذلك لا بد من التأكيد أن الشباب قادرين على صناعة القرار بعيدًا عن أي حامل إذ امتلك العزيمة، واستطاع تحشيد الرأي العام.
أخيرًا، وبعيدًا عن الحوارات وزيادة الوعي، فإن الشباب بحاجة إلى فرص حقيقية ليصبحوا جزءًا فاعلاً في عملية بناء السلام الرسمية، سواء كمفاوضين أو منفذين، من خلال الاضطلاع بأدوار المؤسسات التي يمكن أن تؤثر في صُنع القرار.
بإمكان الشباب، أيضًا، الضغط على الأطراف المتحاربة، وعلى من يدير عملية السلام من خارج الهيكل الرسمي لعملية السلام، ولكن يحتاج ذلك إلى تنسيق وتشبيك كبير بين الشباب داخل اليمن ومع الشباب في المهجر، خاصة أن الأخيرين لديهم مساحة واسعة من الحريات في البلدان التي يتواجدون بها للحشد ومناصرة مختلف القضايا وتشكيل ضغط على المجتمع الدولي من شأنه الدفع نحو سلام شامل وإيجابي، يحدد ملامحه اليمنيون بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، وليس فقط من يحمل السلاح.