رئيسيشُرْفة

البنّ اليمني.. أغنية الأجيال

كتب/ عدنان القصوص

حكايتي مع البن بدأت عندما ظهرتُ في فيديو كليب شبابي، ذلك كان قبل سنوات.
أتذكر جيدًا أن “همة شباب”، وهي المسؤولة عن إنتاج الفيديو، كانت مهتمة بشكل كبير بأن تصل الرسالة إلى الجميع، وأن توعّي الناس من خلال الفيديو برسائل بأهمية المبادرة والتطوع، وكانت إحدى رسائل هذا العمل حول البن، وأهمية هذا الكنز، وما الذي يعنيه لنا جميعًا كيمنيين.
كان دوري في هذا الفيديو يتمثل برفع الوعي في جانب البن للمزارعين.
العام 2015 كان عامًا سيئًا بالنسبة لي؛ ففيه رحل والدي عن هذا العالم، ولأنه الأب فرحيله يعني أن يفقد الإنسان وجهته، تضيع من حوله الجهات ويشعر أنه قد بدأ للتوّ حياة أخرى لا يعرف عنها شيئًا.
كان عامًا سيئًا كما أخبرتكم، وفيه أصرت الأستاذة فايزة السليماني أن أكون ضمن فريق SMEPS في حملة Yemen Coffee Break.


هذه الحملة، ورغم أنها لم تكلف الكثير من المال، إلا أنها حققت نجاحًا مبهرًا، وساعدت في ظهور مجموعة رائعة من الشباب والشابات المهتمين بدخول سوق البن وتجارته، كما أن الحملة أسست لبداية جديدة حول تواجد البن اليمني عالميًّا، وذلك بسبب الشغف الكبير الذي أظهره كل فرد من أفراد الحملة.. جميعهم أرادوا ذلك.
الحملة، وبحسب إحصائيات مواقع التواصل الاجتماعي، حققت أكثر من 20 مليون تفاعل ووصول، وهذا الأمر حينها كان رائعًا بالنسبة لي؛ كون عملي في هذه الحملة تركز على مواقع التواصل الاجتماعي والحشد.. تفاصيل الحملة، ثم نجاحها قرّبني أكثر من البن.. ومن هنا أصبحتُ من محبي البن اليمني، والمهتمين به.
في العام 2017 بدأت العمل مع  SMEPS، ومعها بدأت وبشكل رسمي رحلتي الأكبر مع البن.
لم يسبق لي قبل هذا التاريخ أنْ زرت مزارع البن، لكنني وما إنْ بدأت العمل مع الوكالة حتى انطلقتُ باتجاه مناطق زراعة البن في اليمن.. تلك الرحلات الأولى ستبقى عالقة في ذاكرتي طويلاً، ذلك الشعور الذي يصعب شرحه، الجبال الشاهقة، المهاجل القروية، الصباح المدهش، ورائحة البن.

أحببتُ وقتها كل شيء له علاقة بالبن، حتى تلك الدورات التدريبية التي حضرتها في مجال البن لم تكن دورات اعتيادية أو روتينية، بل كانت رائعة، وأفادتني كثيرًا، خصوصًا في مجال تحميص وتذوق البن.
الجميل في الموضوع هو أنني، وبصفتي مختص قسم التواصل والمناصرة في الوكالة، ومن مهامي توثيق ونشر مثل هذه الدورات في موقع الوكالة الرسمي، وصفحتي الشخصية، لم أشعر للحظة أن ما أقوم به هو فقط مجرد عمل ومهام رسمية، فقد كنتُ أشعر – وما زلت – بالمتعة والحب تجاه ما أقوم به، وأملك شغفًا كبيرًا للمواصلة والاستمرار أكثر.. فالبن وعالمه المتجدد يثير بداخلي مشاعر وارتباطًا أكبر به، ورغبة بالتعمق أكثر داخل عوالمه المدهشة.
ارتباط الجميع بالبن داخل الوكالة جعلنا نفكر معًا عن طريقة جديدة نروّج من خلالها للبن اليمني.
ولأننا في الوكالة نؤمن بأهمية توفير كل الظروف الملائمة من أجل العمل في بيئة إيجابية، كنا نؤمن بأفكار بعضنا البعض ونستمع باهتمام لكل فكرة.
خضنا نقاشًا طويلاً مع فريق قطاع البن في الوكالة وإدارة الوكالة، حول بعض الأفكار التي بدأنا نصل إليها جميعًا، إلى أن وصلنا لفكرة إعادة وتجديد أغنية الراحل الكبير علي الآنسي (الحب والبن).

وهذه الفكرة، بالمناسبة، لمعت في رأس الصديق مروان محرم قبل الجميع، وهنا أوجه له كل الحب.
بعد الاجتماع، اتفقنا على أن نبدأ العمل على الأغنية ضمن مشروع البن في الوكالة، صحيح أننا واجهنا بعض المعارضة والرفض من قِبل البعض، المقربين من عملنا، وهذا الأمر طبيعي، خصوصًا أنهم كانوا يرون أن هنالك أولويات يجب التركيز عليها في قطاع البن قبل الانتقال لهذه المرحلة، لكننا كنا نثق تمامًا أن الترويج للبن وبهذه الطريقة هو أمر مهم للغاية وسيصنع الفارق، ولا يقل أهمية عن أيّ أولويات أخرى؛ فهو أيضًا من الأولويات، ووحدها النتائج من سيثبت ذلك.

 

كما أن إنتاج الأغنية يعتبر محطة جديدة وخطوة كبيرة أخرى بالاتجاه الصحيح بعد نجاح حملة Yemen Coffee Break.، وفعلاً تمت الموافقة على الفكرة، وبدأنا التحرك في اتجاه التعاقد مع المختصين من أجل تنفيذ الفكرة.
الفكرة لم تكن مقتصرة فقط على إعادة وتجديد أغنية الحب والبن، فقد صاحبَ تنفيذ الفكرة إنتاج مجموعة من الأفكار الأخرى على شكل فيديوهات ترويجية بطابع محلي وطابع آخر، استهدفنا فيه العالم الخارجي.
كان أحد أبطال هذه الفيديوهات شخصية يمنية متيّمة بالبن، وهي إحدى الشخصيات التي قدمتها حملة Yemen Coffee Break.، الأخ والصديق عبداللطيف الجرادي، كان الشخصية الأساسية في واحد من أهم الفيديوهات الخاصة بالبن، ولاقى الفيديو رواجًا واسعًا.
العمل الذي كان بعنوان “حكاية دهشة”، كان مدهشًا حقًّا لدرجة أن إحدى الشركات الجزائرية المهتمة بالبن قامت باستخدام الفيديو لصالحها، وهذا الأمر أسعدنا حقيقةً، وبدا لنا كانتصار معنوي مهم، خصوصًا أن الهوية اليمنية في الفيديو كانت ظاهرة وبقوة.
في نفس الفترة قمنا بإنتاج العديد من الفيديوهات التعليمية، واستعنّا بالمهندس طه فتح الله.
أردنا من خلال هذه الفيديوهات التعليمية إيصال وحثّ مزارعيّ البن والمهتمين به على اتباع الخطوات السليمة أثناء عملية الزراعة، وصولاً إلى مرحلة الحصاد، فالخطوات الصحيحة من شأنها أن تُعلي من جودة المحصول وتحافظ عليه، كما أن مثل هذه الفيديوهات قد تكون مفيدة للغاية بالنسبة للشباب ممن يرغبون في شق طريقهم في مجال زراعة البن.

وبما أننا نتحدث عن الشباب، فدعوني أكمل لكم قصة أغنية “الحب والبن”.
إنتاج هذه الأغنية مثّل لنا تحديًا كبيرًا، وتطلّبَ منّا مجهودًا مضاعفًا بسبب ما تعنيه هذه الأغنية لليمنيين، والتي تعتبر من أهم الأغاني التراثية اليمنية على الإطلاق.
كان قرار اختصار الأغنية قرارًا صعبًا وخطيرًا، لكننا أردنا فعل ذلك لتتناسب مع اهتمامات الشباب في وقتنا الحالي.
قد يسأل البعض لماذا نحن مهتمون بالشباب لهذه الدرجة، والحقيقة أننا كذلك فعلاً، ونملك الأسباب المقنعة جدًّا، وأهمها أننا نريد لفت انتباه شريحة كبيرة من الشباب غير المهتمين بالأغنية التراثية، وجعلهم يستمعون للأغنية التي حرصنا كل الحرص على عدم التعدي على شكلها العام، ثم يستمعون للأغنية الأصلية.
تقديم أغنية عظيمة كهذه بطابع شبابي ستحظى باهتمام الشباب، واهتمامهم يعني اقترابهم من عالم التراث، وما يمثله تراث بلادهم من قيمة عظيمة، وكذلك إعادة إحياء البن اليمني في عقولهم وقلوبهم وتعريفهم بما يحمله البن اليمني من أهمية في ذاكرة وتاريخ اليمن وأهمية العودة لزراعته والاهتمام به.
الأغنية غناها الفنان الصديق أحمد سيف، بعد تشكيل طاقم عمل شبابي، وكان من ضمن الأهداف أن نحصل على أغنية في شكلها الأخير، تتناسب مع ذوق الشباب والأكبر سنًّا، وأن تستمتع لها أكبر شريحة ممكنة، خصوصًا كونها أغنية طربية، وبالإمكان أن تضيع وسط موجة الأغاني الشبابية السريعة المنتشرة حاليًّا.
بعد الانتهاء من إنتاج الأغنية صوتيًّا، بدأ العمل على اختيار المناطق المراد التصوير فيها، ليقع الاختيار على منطقة حراز.. تلك البلاد التي تكتظ بالجمال والأجواء الساحرة.. غادرنا باتجاهها لنعيش أيامًا رائعة، وكما يقال (أيام من العمر)، وكانت كذلك فعلاً. 

عندما وصلنا وبدأنا العمل، صادفنا الأخ، أو كما يليق به “العم” غالب الهماسي، الرجل البشوش والطيب.. هو واحد من منتجي البن في حراز.
ودون مقدمات، ودون أي خطط، تم اختياره للظهور في الأغنية لِما يحمله من كاريزما وحضور وتعاون.
مر العمل بمراحل كثيرة، وواجهتنا العديد من الصعوبات، لكننا تجاوزناها جميعًا حتى انتهينا من تصوير العمل، كما أردنا له أن يكون، خصوصًا أنه لم يكن عملاً تجاريًّا، بل عملاً وطنيًّا.. ولأنه كذلك، فقد حرصت الوكالة وفريق العمل على أن يخرج العمل بصورة مشرّفة تليق بتاريخ وعظمة هذه الأغنية.
ولأنني قضيتُ وقتًا طويلاً مع العم غالب الهماسي، فأتذكر أنني قد سألته في أيام التصوير عن حال إنتاج البن معه.

وفي أثناء الحديث، عرفت أنه يمتلك أكثر من 25 سرير تجفيف، ولكن ما حدث بعد ذلك أصابني بالدهشة..!
وسأخبركم بذلك بعد أن أحكي لكم عن فرحتي وأنا أرى كمية الإعجاب الذي حصل عليه العمل عند نزوله.. كنت متوترًا قبل النشر بدقائق، ولكن كل مخاوفي تبددت وأنا أرى تفاعل الناس في اليوم الأول من نزول العمل. بدأت المشاهدات بالازدياد ومعها التعليقات وردود الفعل الإيجابية.. ومع مرور الوقت، بدأت أقرأ مجموعة من ردود الفعل المميزة، وهي تلك الردود التي عبّر من خلالها مجموعة من الشباب عن إعجابهم بالأغنية، وبأنها كانت السبب في انتقالهم لسماع الأغنية الأصلية، حيث إنهم بعد أن سمعوا الأغنية جرّهم الفضول لسماع الأغنية الأصلية.
لاقت الأغنية رواجًا كبيرًا رغم ما مرّت به أثناء الإنتاج من صعوبات وردود فعل معارضة، خصوصًا تلك الآراء التي اعترضت على إنتاج الأغنية، مبررة ذلك بأننا في حالة حرب – بحسب قولهم، وأن هناك أولويات أهم من إنتاج الأغنية، حتى إنهم توقعوا أن تفشل الأغنية بعد نزولها.

بالعودة للعم غالب الهماسي، فقد تواصلتُ معه بعد تصوير الأغنية بفترة، تذكرتً أنه كان يملك 20 سرير تجفيف، فسألته عن العدد، فأخبرني أن العدد أصبح 200 سرير تجفيف.
أخبرني أن ذلك حدث بسبب تزايد الطلب على البن اليمني، ليس له فقط، وإنما لكل العاملين في القطاع، وأخبرني أن الأغنية وظهوره فيها كانت واحدًا من الأسباب في ازدياد الطلب.
اليوم، وأنا أكتب هذا الكلام، وبعد مرور ثلاث سنوات، تذكرتُ عمنا غالب مجددًا، واتصلتُ به، وهنا أعدت عليه السؤال نفسه، فأخبرني أن العدد أصبح 1000 سرير تجفيف.
وهنا عرفتُ وأدركتُ حقًّا قيمة الأعمال الفنية.. حتى إننا، وعند سؤالنا لمجموعة من منتجي البن عن أهمية هكذا أعمال، جميعهم أجابوا بأنها واحدة من أهم أسباب تزايُد الطلب على البن اليمني.
وهنا يكمن الأثر الفني في القطاع الاقتصادي بشكل عام، وفي جانب الترويج والتسويق لواحدة من أهم السلع النقدية في اليمن بشكل خاص.
في النهاية، أودّ أن أقول بأن علينا الوقوف جميعًا مع هكذا أعمال، وألا نستهين بالجانب الفني والإعلامي في إيصال رسائلنا للعالم، وكذلك في تحسين إنتاج وتصدير منتجاتنا للعالم، وكذلك تحسين صورتها وتقديمها بشكل يليق بها، كما حصل في Yemen Coffee Break والحب والبن كحملة إعلامية وعمل فني.
يجب أن نؤمن بالشباب وبقدراتهم في إحداث التغيير.. شكرًا.

عدنان القصوص

رئيس قسم التواصل والمناصرة في SMEPS 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى