كتبت/ رشا كافي
عندما أتحدث عن التنوع الجندري سيتبادر للذهن مفهوم شامل لتمثيل منصف وعادل للأشخاص من مختلف الأنواع الاجتماعية، رجالًا ونساء، ولكنه أيضًا قد يشمل أشخاصًا من الأنواع الاجتماعية غير الثنائية، وسيندرج تحت ذلك المفهوم إشراك النساء بنسب عادلة مع الرجال في المفاوضات أو التشكيلات الحكومية.. ذكرتُ المفاوضات والتشكيلات الحكومية بالذات؛ لأننا في اليمن، وفي هذه المرحلة الحرجة من الحرب، أكثر ما يشار إليه التنوع الجندري، ولحساسية الوضع ستكون المفاوضات والتشكيلات الحكومية هي الحديث الأبرز حاليًّا في خانة التنوع الجندري.
ولأنه للمرة الأولى منذ العام 2001، تخلو الحكومة اليمنية المشكّلة في نهاية ديسمبر 2020 من تمثيل للمرأة فيها، لم يسبق أن تم تجاهل المرأة بهذا الشكل الفج والإقصائي.
همّشت الحكومة والمكونات السياسية والأحزاب التي تدّعي مناصرتها لحقوق المرأة بشكل منظم على المستوى الوطني، وتنصلت لنضالاتها السابقة، فتمثيل النساء في الحكومة بنسبة 30% هو استحقاق حصلت عليه عبر مؤتمر الحوار الوطني، الذي يُعد أحد المرجعيات الثلاث بجانب المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن 2216، وهو حق فرض نفسه من خلال وجودهن في الحكومات السابقة، إلا أن تهميشهن هذه المرة يفاقم من أثر عدم المساواة بشكل كبير، حيث احتلت اليمن قبل الحرب المرتبة الأخيرة من بين 142 دولة في مؤشر الفجوة العالمية بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو ما يعكس تفاوتات معقدة ومتنوعة تواجه النساء والفتيات في جميع مجالات الحياة التي تزيد من تعقيد واقعهن تحت نيران الحرب.. إن تقنين ومحدودية دور المرأة اليمنية اليوم في صنع القرار يتعارض تمامًا مع قدراتها ومكانتها السابقة وتواجدها الكبير والقيادي في احتجاجات اليمن 2011، حيث قادت النساء المظاهرات والاحتجاجات، كما كان لهن أثر كبير في نتائج مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، من خلال نيلها مقاعد في المؤتمر وترؤسها لفِرق شائكة كفريق قضية صعدة الذي ترأسته الأستاذة نبيلة الزبير.
وبما أنه صار الحديث الآن، أو الضغط لأجل إشراك النساء في الحكومة ضربًا من المستحيل؛ كون الحكومة قد شُكّلت منذ عامين، إلا أن الضغط يجب أن يكون الآن على إشراكهن في عملية المفاوضات ومحادثات السلام التي ستحدث، وحتى إشراكهن في الحكومات القادمة، فلأجل تحقيق السلام المستدام في اليمن يجب أن تكون النساء جزءًا من عملية السلام، فالدراسات تشير إلى أن إشراك النساء في عملية السلام يقلص احتمالات فشل الاتفاق الذي ينتج عنها بنسبة 64%، ويعزز فرص سريان اتفاق السلام لمدة 15 سنة على الأقل بنسبة 35%، وبناء على هذه الدراسات فقد سنّت الحكومة الأمريكية قانون عام 2017 لدعم المشاركة الفاعلة للنساء في مفاوضات السلام.
عطفًا على ذلك، فالمرأة اليمنية هي أكثر من يدفع فاتورة هذه الحرب، وتحملت أعباء مضاعفة إلى جانب الأعباء السابقة.. المرأة اليوم هي المعيلة؛ نظرًا لفقدها المعيل، أو لذهابه إلى جبهات القتال، فهي أم جريح وأخت قتيل، وزوجة معتقل، وابنة مختطف، ومع ذلك عملت لأجل السلام وتجاوزت كل الانقسامات وشكلت مجموعة نساء من مختلف الخلفيات والأيديولوجيات تحالفات معنية بالسلام، منها التوافق النسوي اليمني للسلام والأمن، وشبكة أصوات السلام النسوية، وأيضًا شبكة التضامن النسوي، وكان لهن حضور ملموس من خلال عملهن على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق وجدت قوافل المساعدات صعوبات في الوصول إليها، كما شاركنا في لجان فتح المعابر المغلقة بين المدن، وتبادل الأسرى وإخراج المعتقلين، وساعدنا في إخلاء مدارس كانت تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
لا سلام مستدام دون الوقوف بمسؤولية وإرادة سياسية جادة اتجاه تعزيز مشاركة النساء في صنع القرار، ولا توازن سياسي واجتماعي دون إشراك النساء.