دهليزرئيسي

“الدراما الرمضانية في اليمن.. افتقار للبعد وتسييس للفن”

شباب هاوس – لمياء الشرعبي


في العام الحالي، برز الكثير من المسلسلات اليمنية التي وصفها الجمهور اليمني بالمسلسلات المسيسة، الأمر الذي أضاف نقطة جديدة للقائمة العريضة في تاريخ نقد الدراما اليمنية، وهو تحويل الفن الدرامي من فن يجسد الإنسان والمجتمع إلى فنٍ موجه لصالح أطراف سياسية، فيما لا تزال الدراما اليمنية التي تتصدر في شهر رمضان من كل عام، غير قادرة على تجاوز الأخطاء الفنية.
وبالرغم من الانتقادات الساخطة التي تتعرض لها الدراما في الوسط الفني والثقافي في كل عام، إلّا أنها تستمر في تقديم محتويات غير هادفة، يغلب عليها طابع التهريج والتندر، ومناقشة حكايات قديمة من الذاكرة دون أيّ اهتمام لأوجه الظروف المعيشية التي يواجهها الناس في ظل الحرب الدائرة على مدار ثمان سنوات.
وذهبت الغالبية في مواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد تلك المسلسلات، حيث سلط الضوء على ثلاثة منها: (مسلسل “ليالي الجحملية” في جزئه الثاني، ومسلسل “ربيع المخا”، ومسلسل “طريق المدينة”).

تغييب البعد الاجتماعي

د/ قائد غيلان

أستاذ النقد الأدبي في جامعة صنعاء – الدكتور قائد غيلان، يقول لمنصة “شباب هاوس” إن أبرز مشكلة تواجهها المسلسلات اليمنية، هو افتقارها للعمق، إذ تطرح القضايا بطريقة بسيطة وعادية، مفتقرة للأبعاد السياسية والتاريخية، فتقحم رسائلها السياسية بطريقة مباشرة ومكشوفة.
ويضيف الدكتور غيلان: “عندما تدخل الرسائل السياسية بعد إنجاز العمل، تأتي مكشوفة وسطحية وساذجة، عكس إذا جاءت من قِبل الكاتب مبثوثة داخل العمل بطريقة رمزية وغير مباشرة، فإنه يكون لها قيمتها الفنية”.
ويرى أن “أي معالجة درامية لأي قضية، يجب أن تكون مقنَّعة ومغلفة بغلاف رمزي، وإلا غادرت طبيعتها الفنية، وأصبحت برنامجًا عاديًّا، وليس دراما”.
وتتفاوت الآراء حول الدراما والمسلسلات اليمنية هذا العام، بين إيجابي وسلبي، فالفنانة التشكيلية سبأ عبد الرحمن القوسي، تقول لـ”شباب هاوس” إن مسلسل “طريق المدينة” نجح في كسر تابوهات لم تعتد المسلسلات اليمنية على مناقشتها، وهذه نقطة تُحسب للمسلسل.

الفنانة سبأ القوسي


واكدت القوسي أن ذلك لا يعفي المسلسل من الأخطاء، مثل استخدام اللغة الفصحى، والتي “لم يكونوا مُوفقين بها على الإطلاق، وقد ظهر عدم الارتياح لدى الممثلين وهم يتكلفونها بصعوبة”.
وأشارت إلى أن: “التناقض الأكبر في مسلسل طريق المدينة، هو أن الحقبة الزمنية للمسلسل قديمة، مما يعني أن الناس كانوا يعانون بشكل لافت، وهذا ما لم يظهر في هيئة وملابس الممثلين لحالة الفقر التي كان يعيشها اليمنيون”.
وفيما نسب البعض حكاية مسلسل طريق المدينة لرواية” الرهينة” لزيد مطيع دمّاج، وهي الرواية التي تُرجمت لسبع لغات، علق ناقدون مختصون على السيناريو في مسلسل “طريق المدينة” بالقول إنه قصة ملفّقة وموجهة سياسيًّا، ولا علاقة لها برواية الرهينة.

المخرج/كارو أراراد


يقول الأردني – مُخرج مسلسل طريق المدينة (كارو أراراد) – لـ”شباب هاوس” إن الحقبة الجديدة التي أخرجها تُسلط الضوء على الوضع الإنساني الراهن للانقسام الحاصل في المجتمع اليمني، كما تتطرق لمعاناة المدنيين العالقين بين خطّي التماس لجماعتين متقاتلتين.

أفكار هابطة.. فكاهة وتندّر
يظهر جليًّا في معظم الأعمال الدرامية اليمنية، بروز فن المسرح والنكتة والحوار الطويل، على حساب الصورة الدرامية، وذلك لتغطية قصور كاتب السيناريو لدراسة البعد النفسي والاجتماعي لشخصيات المسلسل، فيلجأ الممثل بدوره لتغطية ذلك من خلال شخصية المسرح التي تسكنه، أكثر من غيرها.
وتعليقًا على هذا، يقول الممثل كمال طماح، وهو أحد أبطال مسلسل “عيال المرحوم”، لـ”شباب هاوس” إن المسلسل هذه السنة ناقش أهم قضية اجتماعية من وجهة نظره، وهي المشاكل الأسرية التي تناولتها أحداث المسلسل، ووضعت لها بعض الحلول، بالإضافة إلى اهتمامهم بالجمع ما بين الفائدة والابتسامة في الدراما.
ويضيف طماح في حديثه لـ”شباب هاوس” أن الهدف الأسمى للمسلسل هو رسم الابتسامة في زمن الحرب، مشيرًا إلى أنه “لا يجب أن نسمي المسلسل تهريجًا، فلو خرجنا من المسلسل بهدف رسم الابتسامة لكفى”.

“ليالي الجحملية” ومشكلة الممثلين مع السيناريو
مسلسل ليالي الجحملية تعود أحداثه إلى حقبتين، الحقبة الأولى تركز على تسعينيات القرن الماضي، أما الحقبة الجديدة فيتحول المسلسل لمناقشة الصراعات السياسية والدوران حول لعبة الكنز المفقود، مع إهمال كبير للقضايا المجتمعية التي تمر بها اليمن حاليًّا، وهو ما جعل المسلسل يخرج إلى المشاهد بفكرة هابطة تكشف افتقار الدراما اليمنية للأفكار المركزة وكتّاب السيناريو المتمرسين.

هديل مانع

وفي هذا الخصوص، تقول الممثلة هديل مانع لـ”شباب هاوس” إن أكثر عقبة تواجه الممثل أثناء أداء دوره هي عدم انتهاء الكتّاب من كتابة السيناريو والحوار قبل تصوير أي مشهد.
وتضيف هديل أن هذا الأمر يتسبب في انعدام الرؤية الواضحة لدى الممثل عن أبعاد شخصيته التي يؤدي دورها.
المصور التلفزيوني نائف الوافي، بدوره يقول لمنصة “شباب هاوس” إن أولى العقبات التي تقف أمام الدراما اليمنية، هي عدم وجود كليات متخصصة في تدريس ما يتعلق بالإنتاج السينمائي، وذلك يعني أن العقبة الكبيرة تتمثل بافتقار كبير لكتّاَب السيناريو المحترفين.
وفي تصريحه للمنصة يقول الوافي إن “التمويل الشحيح لطواقم الإنتاج يؤثر سلبًا فيهم، ولا يخلق حب التأهيل والتطوير والإبداع لديهم، ومنهم كاتب السيناريو، والذي يعتبر عملاً ثانويًّا لا يُهتم لأمره كثيرًا؛ لأنه عمل موسمي يستمر لشهر في السنة وينتهي”.
وأكد أنه: “رغم أن اليمن بلد فقير بكُتّاب السيناريو ومليئ بالقصص والمشكلات الاجتماعية، إلا أنه يفتقر لصانعيّ الأفكار المحترفين”.

حكايات من الذاكرة
مسلسل “ربيع المخا” ذهب لمناقشة أحداث تدور في القرن التاسع عشر، منذ عهد الحكم العثماني، والاستعمار البريطاني في اليمن، وهو ما يكشف عن اتجاه الدراما لمناقشة حكايات قديمة من الذاكرة مع تغريب شامل للواقع الحالي.

المخرج وليد العلفي

مُخرج مسلسل ربيع المخا، وليد العلفي، يقول لـ”شباب هاوس” إن أبرز مُعوق أمام الدراما اليمنية، هو غياب النص الدرامي، حيث إن اليمن يعاني من شحة كبيرة لكُتَّاب السيناريو، وهم بعدد الأصابع.
ويضيف العلفي: “بخصوص مسلسل ربيع المخا، فإن أكثر من 70% لأحداث المسلسل تناقش البعد الاجتماعي، والتي دارت أحداثه في القرن التاسع عشر، حسب المصادر التاريخية، في ظل تواجد العثمانيين في اليمن، وكان من الطبيعي وصف هذا التواجد”.
وتابع: “خلال مسيرتي الفنية في الإخراج التلفزيوني لم أجد نصوصًا جاهزة، وكل الأعمال التي أخرجتها، لم يكن فيها نص سيناريو جاهز، نبدأ بالتصوير، ويكون النص في منتصفه، وغير جاهز، كما أن أغلب الحوارات تكون غير مرتبة، وهذا هو أبرز مؤثر في الدراما اليمنية”.
ويرى العلفي: “أن الدراما اليمنية تجاوزت الكثير من المعوقات، إلا أن هناك نقصًا كبيرًا في التخصصات، مثل المتخصصين في المايك آب، الديكور، الملابس”.

خليل البريهي

أما خليل البريهي، وهو مهتم بجانب الدراما، فيقول لـ”شباب هاوس” إنه يلمس تقدمًا في مسلسل ربيع المخا من الناحية الفنية فقط، بينما لا يزال السيناريو غير مترابط، والحوار ليس متماسكًا.
ويؤكد البريهي :”أن الدراما اليمنية لم تصل بعد للممثل المحترف الذي يتغير أمام الكاميرا حسب الشخصية التي يقدمها، كما أن أغلب الأدوار ليست مقنعة، ولا يوجد إثراء للشخصية، ووقفة الممثلات أمام الكاميرا لاتزال فيها كمية من الخوف والرعب”.
وأوضح أنه: “بالمجمل الدراما اليمنية لا تزال حبيسة كوميديا دحباش وكشكرش، أي أنها تشتغل على قالب كوميدي ومحاولات لإضحاك الناس”.

 

قصور في الدراما اليمنية
تلعب الثقافة المجتمعية دورًا كبيرًا في قصور الدراما اليمنية عن توصيل الرسالة الكاملة للمشاهد، الأمر الذي يولّد فجوة بين النص الدرامي ومحاكاة المشاعر والانسجام لدى المتلقي.

أسامة عفيف

الصحفي أسامة عفيف يقول إن الدراما اليمنية لم تستطع حتى الآن ملامسة واقع الأسرة اليمنية، على سبيل المثال تظهر الزوجة محتشمة بلباسها في غرفة النوم مع زوجها، وهذا أمر غير واقعي، وأيضًا الأخت مع أخيها، ووجود الحاجز المجتمعي المتمثل بالعادات والتقاليد، التي لا تزال الدراما اليمنية أسيرة له.

أماني المقطري

من جانبها، تقول أماني المقطري، بكالوريوس في العلوم السياسية، إن الفن يجب فصله عن العادات والتقاليد، خاصةً في المشاهد التي تتطلب إظهار المشاعر والتعبير عنها بشكلها الطبيعي والبديهي.
وتضيف المقطري في حديثها لـ”شباب هاوس”: “لا تزال السينما والدراما في اليمن بحاجة لمراحل ومراحل لصناعتها ولتأسيس تاريخ فني خاص بها، مع العلم أن التاريخ في أي مجال لا ينشأ بدون ثغرات أو هفوات تجعل الرؤية الفنية تتسع للعاملين، لذا يجب على العاملين في هذا المجال أن يكونوا أكثر حنكة وتواضع لاستيعاب النقد “السنوي” الذي يوجه لهم بعد كل مسلسل يتم عرضه وتوجيهه في مسار التطوير”.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى