استطلاع.. ضياء العامري
يعتقد الكثير من الشباب اليمنيين أن الأحزاب في بلادهم خرجت عن خارطتها السياسية ومشروعها الوطني، وأصبحت مشروعًا تدميرياً ساهم في جلب الحرب وإطالة أمدها، بحيث أصبح الانتماء إليها عاراً يدفعهم إلى التنصل منها، كنتيجة طبيعية لتراكمات أخطائها السياسية.
منصة “شباب هاوس” أجرت استطلاعًا مع مجموعة ممن كانوا قد انخرطوا في مضمار السياسة، وأصبح موقفهم من أحزابهم موقفا متهِمًا ومُدينًا لها، نتيجة لخروجها عن مشروعها الوطني، بحسبهم.
مشاريع حزبية ضيقة..
تقول الحقوقية وئام أحمد – عضو في مؤتمر الحوار الوطني – إن الكثير من فئة الشباب تنصلوا ،من أحزابهم، بعد أن أدركوا أنها اتخذت منحى آخر بعيدًا عن أهدافها التأسيسية.
وئام احمد
تقول وئام لـ”شباب هاوس”: “الأحزاب اليمنية لم تعد قائمة على ما أسست عليه، بل أصبحت مجرد كذبة مقترنة بالوهم، وتقدم مصالحها الخاصة على المصلحة الوطنية العليا”.
وتشير إلى أن ما جعل صورة الأحزاب مشوهة، هو أسلوب إدارة هذا الحزب أو ذاك من قِبل قيادته وعدم المصداقية؛ مما أدى إلى ظهور الكثير من الفجوات، وكذلك عدم وجود شراكة حقيقية.
ويرى الإعلامي والناشط في حزب الإصلاح صدام الحريبي أن تلك الأحزاب “وصلت إلى مرحلة سيئة من الأداء على كل المستويات، فبينما من المفترض أن تكون أدوات بناء وتنافس شريف، من أجل الوطن، أصبحت عوامل هدم، خصوصًا تلك الأحزاب المرتهنة والتي تتقمص الأدوار الوطنية وتدعي حبها للوطن والدفاع عنه”.
صدام الحريبي
ويضيف الحريبي لـ”شباب هاوس”: “هناك عامِلَان أجبرا الشباب على التنصل من انتمائهم لتلك الأحزاب، هما: الأدوار المخيبة للآمال التي تلعبها، وكذا الخلافات التي تحولت إلى صراعات ومماحكات، ما دفع الشباب وغيرهم من الفئات إلى النفور منها”.
ويشير إلى عامل ثالث هو “ظهور مكونات أخرى كالجماعات الأيديولوجية المذهبية أو المناطقية، واشتغالها ضد الأحزاب وتشويهها”.
غمدان العزب
من جهته، يقول غمدان العزب، إعلامي وناشط سياسي في حزب المؤتمر الشعبي، إن معرفة الشباب بقادتهم الحزبيين وما سببته الأحزاب من فرقة بين الناس دفع الكثير منهم للتنصل من انتماءاتهم الحزبية، بالإضافة إلى أن الكثير يخفي انتماؤه الحزبي بسبب الخطر الأمني الذي قد يتعرض له.
ويضيف العزب لـ”شباب هاوس”: “لقد أصبح الانتماء الحزبي مخجلاً، لأن الوضع الحالي كشف حقيقة ما تقوم به قيادات الأحزاب من أعمال وخطط خارج إطار ما كان يعرفه ويثق فيه المنتمي العادي للحزب”.. معتبرًا أن الأحزاب السبب الأول للحرب.
المشاركة السياسية
وحدة ناشر
ِتقول الناشطة وحدة ناشر: “الأحزاب لم تعط الشباب حقهم في الظهور كقيادات فاعلة، بل استخدمت طاقاتهم وإعدادهم لملء قاعدتها الجماهيرية ولظهورها أمام الإعلام كمكون شعبي جماهيري فقط”.
يشاركها عبدالمجيد أحمد الرأي في كون الأحزاب لم تقم بإشراك الشباب في العمل السياسي، بل جعلتهم يواجهون الوضع السياسي فحسب.
ويضيف عبد المجيد لـ”شباب هاوس”: “حتى لو أن الأحزاب أشركت الشباب في السياسة، فستقوم بالضغط عليهم لتنفيذ أجنداتها”.
في السياق تقول الحقوقية وئام: “إن بعض الأحزاب قد أشركت فئة محددة من الشباب ضمن المقاعد القيادية في الحزب كإشراك نسبي”.
وتشير إلى أن هناك “موانع تقف للحيلولة دون إعطاء الشباب جزءًا من قيادة العملية السياسية والحزبية، أهمها قلة الوعي لدى الشباب أنفسهم”.
يزن القاضي
يزن القاضي، وهو عضو في الحزب الاشتراكي، تحدث لـ”شباب هاوس” قائلاً إن إقصاء الشباب في العملية السياسية يعد أهم عامل من عوامل هشاشة الأحزاب حاليًّا.
وأشار القاضي إلى أن تمسك الأحزاب بقياداتها القديمة دون إعطاء الفرصة للشباب بالمشاركة في بناء القرارات السياسية جعل تلك الأحزاب تشيخ وتهرم، مستغربًا من إصرارها على موقفها وتحججها بعدم وجود الخبرة لدى الشباب.
شوقي نعمان، أحد الشباب اليمنيين ذوي التوجه اليساري، يقول لـ”شباب هاوس” إن الأحزاب السياسية ككل لم تشرك الشباب في صنع القرار بصورة واضحة وعلنية، بل استخدمت وتستخدم الشباب كطوفان وغضب في حال حاجتها لهم.
شوقي نعمان
ويرى نعمان:” أن الموانع التي تحول دون إشراك الشباب كثيرة، منها أن الإنسان العربي بطبيعته ديكتاتوري حين يتولى أي منصب”، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن هناك بعض الأحزاب تشرك الشباب في قراراتها لكن ذلك لا يتجاوز نسبته الـ 3%.
ونوه إلى أن بعض الأحزاب في الآونة الأخيرة تتحجج بالحرب وعدم استقرار الوضع السياسي في البلاد، وتحرم الشباب من المشاركة في صنع القرار.
إفلاس الأحزاب
ويؤكد شوقي نعمان لـ”شباب هاوس” أن الصورة التي أصبحت بها الأحزاب اليمنية لم تأتِ من فراغ، بل لأن تلك الأحزاب وقياداتها لم تقدم رؤية واضحة تخدم الديمقراطية التي وجدت لأجلها الأحزاب، ولم تقدم أي خدمة على كل الأصعدة لأعضائها وخاصة في فترة ما بعد ثورة “الربيع العربي”.
بدوره، يرى يزن القاضي أن “الحزب هو فكرة وعمل من أجل الإنسان والوطن أولا، وما أصبح الانتماء الحزبي معيبًا أو مخجلاً لدى الكثير، إلا لأن تلك الأحزاب لم تقدم شيئًا لا للإنسان ولا للوطن”.
أحزاب شبابية
وبشأن فكرة تأسيس أحزاب خاصة بالشباب، تقول وئام أحمد :”إنه لا يمكن أن يكون هناك حزب شبابي وقد أثبت فشل هذه التجربة في مؤتمر الحوار الوطني؛ حيث كان هناك فئة للشباب ضمن القوائم المشاركة في المؤتمر، ولم يكن لهم دور حقيقي واضح وملموس، حتى إن الكثير منهم كان من ضمن إطار الأحزاب، وليسوا شبابًا مستقلاً حقيقيًّا”.
وتضيف: “ربما قد يكون هناك قيادة شبابية تتحمل المسؤولية تجاه الوطن إذا كانت هذه القيادة مستقلة تمامًا، ولا تتبع أي انتماء حزبي أو سياسي”.
فيما يرى صدام الحريبي أن هناك تجارب كثيرة في تأسيس أحزاب من هذا النوع، لكنها لم تستمر، حتى إن البعض من فئة الشباب وصلوا إلى تلك القناعة الخاطئة، في أن عنصر الشباب غير قادر على القيادة أو اتخاذ أي قرارات سياسية حتى وإن تم تأهيله.
وأكد الحريبي أن هناك قيادات شابة تستطيع تحمّل المسؤولية، وقادرة على تحقيق نجاحات باهرة.
وقال: “أنا شخصيًّا خضت هذه التجربة مع بعض الزملاء والزميلات، لكن وقفت أمامنا الكثير من العقبات، ولا أخفيك أن فكرة الاستمرار فيها لا زالت موجودة وبقوة، لكن ننتظر الوقت المناسب فقط ولا أظنه بعيدًا”.
في المقابل ترى وحدة ناشر أن الشباب المستقل لا يرغب في تأسيس حزب، بل أصبح الغالبية يفكر بالهجرة والخروج من البلد بحثًا عن مكان يحترم آدميته قبل آرائه ومعتقداته وأفكاره الثقافية والسياسية والدينية.
في الأخير.. الكثير والكثير من الشباب تختلف آراؤهم وتتباين أفكارهم، لكنها تتفق على أمر واحد، هو أن الأزمة التي تعيشها البلاد، وليدة المطامع الشخصية والمشاريع الضيقة لقيادات الأحزاب التي أضاعت الرؤية الوطنية، وحرفت بوصلتها من التنمية إلى الصراع على “حصة الأسد” من الوطن.