شباب هاوس – رأفت الوافي
مع استمرار الحرب وتدني المستوى الاقتصادي وتزايد البطالة في اليمن، اتجهت الكثير من النساء اليمنيات نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتمكين أنفسهنّ، وتوسيع مصادر دخلهنّ.
الشابة هند (32 عامًا) واحدةٌ من النساء القلائل اللاتي تمكنّ من النهوض بأنفسهن، وبناء المشاريع الخاصة بهن، حيث قامت بزراعة مشتل يحتوي على العديد من النباتات والزهور الطبيعية كمشروع اقتصادي لها، سعت من خلاله إلى مواجهة صعوبات الحياة وقساوة ظروفها.
مشروع فتاة
بدأت هند في زراعة النباتات على سطح منزلها بريف تعز الجنوبي بعد نزوحها إلى هناك، من حيّ صالة بمدينة تعز، أثناء اندلاع المعارك بين جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والقوات الحكومية المعترف بها دوليًّا، في مارس آذار 2015م.
تقول هند لـ”شباب هاوس”: عندما جاءت الحرب نزحنا إلى القرية، ومن هناك بدأت بزراعة الأشجار على سطح المنزل، وفي فنائه.
وتضيف: “كانت تجذبني زراعة النباتات، فكنت كلما أزور مكانًا أقوم بأخذ بذور منه، وأزرعها على سطح منزلي”.
وعلى مدى أربع سنوات، ظلت هند تعمل على تجميع بذور وفسلات ونباتات وزهور من أماكن عدة، منتظرةً موسم الأمطار لغرسها في سطح منزلها عبر أوعية بلاستيكية.
تقول هند: “كل هذا الاهتمام في النباتات كان مجرد حب وشغف، وليس من أجل الربح، حتى بدأ التشجيع من الأهل، بعدها عملتُ على زراعة العديد من النباتات الجديدة”.
وأشارت إلى أنها لم تكتفِ بزراعة النباتات على سطح منزلها، بل عملت على إنشاء حديقة خاصة جوار المنزل، بالإضافة إلى شراء نباتات من مشاتل مختصة لتعمل على توسعتها.
إصرار وعزيمة
ليس من السهل على أيّ فتاة، وبجهد ذاتي، القيام بإنشاء مشتل يحتوي على عدد من النباتات والزهور الطبيعية، وخصوصًا في ظل الوضع الراهن، إلا أن هند فعلت ذلك بمفردها رغم العديد من التحديات التي واجهتها كـ قلة الأمطار، وعدم وجود خزانات لحفظ المياه، الأمر الذي يتسبب بتلف البعض من النباتات.
وفي هذا الصدد، تقول هند: “هناك مشكلة في صعوبة توفير الماء لأننا نعتمد على مياه الأمطار، كما لا يوجد لديّ خزانات أستطيع من خلالها تجميع المياه، ولهذا نعاني كثيرًا”.
كما تعد الآفات الزراعية من المشاكل التي تواجهها هند، حيث تتسبب بوفاة وانقراض عدد من النباتات في حديقتها المنزلية.
وإلى جانب مشكلتي الماء والآفات الزراعية، تشير هند إلى أن هناك الكثير من المشاكل الأخرى التي تشكل تحديًا أمامها، كعدم المعرفة الكاملة في زراعة النباتات والحفاظ عليها، إضافة إلى زيادة سعر الصرف والمواصلات، “ليس لديّ خبرة كافية، ولم يكن الإنترنت متوفرًا في البداية، فكان كل شيء صعبًا، أما الآن فنعاني من ارتفاع الصرف والمواصلات، وهذا يتسبب لي في إحراج مع الزبائن”، تقول هند
جرين لاند للنباتات
بعد أن تمكنت هند من إنشاء حديقة تعجّ بالنباتات والزهور الطبيعية، بدأت في عملية البيع على مستوى القرية والمناطق المجاورة، ثم توسعت في مشروعها بعد الترويج له من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كالواتساب والفيسبوك، لتحصد بعدها رواجًا واسعًا، وإقبالًا كبيرًا.
عن ذلك تتحدث هند: “بعد خمسة أعوام تقريبًا من بداية مشروعي، أصلحتُ شبكة الإنترنت في قريتي أنبيان (ريف تعز الجنوبي)، وبدأتُ أتفتح على هذا العالم المليء بالعجائب، وأتابع صفحات مشابهة لمشروعي، مما حمسني للخوض أكثر في هذا المجال، وأنشاتُ صفحة خاصة بمشروعي، لترويج منتجاتي ونشر النباتات التي أهتم بها وأزرعها”.
وتواصل هند حديثها لـ “شباب هاوس”: “ومن خلال الرواج الذي حققته على صفحات التواصل الاجتماعي لمنتجاتي، وردود الأفعال التي لاقيتها من الأهل والأصدقاء، والثناء الجميل من قِبلهم، زاد حماسي، وتشجعتُ أكثر، وانطلقتُ نحو العمل بكل جهد ومثابرة لتحقيق الأهداف التي رسمتها لنفسي منذ البداية”.
المجتمع وبائعة الزهور
أن تجد فتاة ريفية تعمل في بلدٍ كـ اليمن، محكوم بعادات وتقاليد تفرض الكثير من القيود على المرأة، فتلك مسألة ليست بالسهلة، لكن الإرادة والعزيمة اللتين تحلت بهما بائعة الزهور “هند “، جعلتا منها فتاة ريفية تحظى بقبول غير اعتيادي، وشهرة واسعة في بيع النباتات والزهور.
تقول هند: “إصراري على بلوغ الهدف هو الذي سهّل الأمر أمامي لبلوغ المنال وتجاوز الصعوبات المجتمعية التي وقفت عائقًا أمام أغلب الفتيات الصاعدات، وجعلت منهنّ حبيسات البيوت”.
وتختتم هند حديثها لـ “شباب هاوس”، بالقول: “أهلي هم السند، وهم من صنعوا مني فتاة يتهافت على زهورها الكثيرون، كما أنني لم ألتفت إلى الكثير من المحبطات التي وقفت أمامي، وهذا سرّ نجاحي وتفوقي في عملي كـ بائعة زهور ونباتات”.