رئيسيشبـاك

من عصا الرعي إلى ريشة الفن

شباب هاوس.. رأفت الوافي

لطالما ارتبطت نشأة الكثير من قادة الأمم العظماء برعيهم للأغنام.. غير أن هذه المرة نشأ من رعي الأغنام فنان تشكيلي، حوّل عصا الرعي إلى ريشة فن يرسم بها لوحات بديعة.. لكن كيف استطاع راعي الأغنام اكتشاف الفن الذي بداخله، وأصبح فنانًا تشكيليًّا؟


عادة ما ينشأ الفن والموهبة فطريًّا بمجرد ولادة صاحبه، فهو غالبًا لا يُكتسب بالتعلم.. وهذا ما حدث مع الشاب عزيز المعافري الذي نشأ على رعي الأغنام، وهو لا يعرف أنّ هناك فنانًا تشكيليًّا بديعًا يقبع في داخله، إلى أنْ قادته الأقدار لاكتشاف الفن الذي بداخله بالصدفة.
ففي إحدى الأيام ذهب عزيز، الذي لم يتجاوز حينها ربيعه العاشر، كالعادة لرعي الأغنام، وهو لا يدري أن هذا اليوم سيكون فارقًا في حياته؛ كونه سيشهد ولادة الفن..في ذلك اليوم ذهب لسقاية أغنامه من عين ماء جارية في مسقط رأسه بمديرية جبل حبشي – محافظة تعز، الواقعة جنوب غرب اليمن.
عند عين الماء وجد عزيز أصدقاءه، وأراد التسلي معهم واللعب بالطين المبلل الذي يحيط بعين الماء، فرسم على الطين وجه أحد أصدقائه وتشكيله، واندهش الجميع من براعته في الرسم، وقاموا بجمع الطين له كي يرسم ويُشكل وجوههم، فكان أصدقاؤه حينها الجمهور الأول الذي شهد ولادة موهبته.


يقول عزيز: “كان لديّ شغف وميل شديدان لفعل ذلك، فكنت أقوم بتجميع ما أشكّله من الطين والاحتفاظ به، وشجعني أبي كثيرًا، وأصبح لي رفٌّ خاص في البيت أضع عليه تلك الأعمال”.
ظل الطفل الموهوب، المولود عام 1993، يمارس هوايته وموهبته بشغف، من خلال عمل المجسمات وممارسة الرسم، وبتشجيع من والده الذي ساعده على تنمية مهاراته وتقديمه كطفل موهوب، لتنمو موهبته وتكبر عامًا بعد آخر.
كبر عزيز، وكبرت معه موهبته، وأنهى تعليمه الثانوي والتحق للدراسة بقسم الفنون الجميلة في كلية الآداب، بجامعة تعز؛ بهدف صقل مهاراته وتطوير موهبته، وتفوق في دراسته الجامعية رغم الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها كطالب في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وصعوبة المعيشة جراء استمرار الحرب التي تشهدها اليمن منذُ مارس/ آذار 2015.
عن تفوقه قال عزيز: “حصدتُ المركز الأول لعامين متتاليين في مجال الرسم على مستوى الجامعة: 2019 في مجال الرسم بالقلم الرصاص، و2020 في مجال الرسم بالألوان الزيتية”.
استطاع عزيز المعافري إظهار رسوماته المشكّلة في العديد من المعارض داخليًّا وخارجيًّا، منها المعرض الإلكتروني (لون الورد) الذي أقيم في تركيا، ومعرض تعز (نزف بألوان الحياة) الذي أقيم في الجامعة بقسم الفنون الجميلة، مطلع العام 2018، والمعرض المحلي الدولي (العالم يرسم السلام في تعز) في فبراير 2019، بمشاركة أكثر من 60 فنانًا من اليمنيين والعرب والأجانب، من (تركيا، فرنسا، بريطانيا، السعودية، سوريا، لبنان وفلسطين).

كفاح متواصل
يعمل المعافري بجهوده الذاتية من خلال العمل بالأجر اليومي ليُلبي احتياجاته الجامعية.. وعن ذلك يروي: “أعمل كثيرًا في البناء ليتسنى لي توفير احتياجات مَرسمي البسيط من الألوان والأدوات.. أحيانًا أحرم نفسي من بعض الأشياء؛ لأتمكن من توفير أدواتي”.
يعيش عزيز مع مجموعة من أصدقائه الجامعيين في شقة صغيرها مكتظة بالأدوات واللوحات بسبب ضيق المكان، والذين تزعجهم الروائح الناتجة عنها أثناء الرسم.
ويصف ذلك بالقول: “أحيانًا أشعر بالخجل لأنني أظل أرسم ورفاقي يريدون أن يناموا، وتزعجهم رائحة الألوان، لكنهم مع ذلك يشجعونني، ويتضامنون معي”.
يحلم عزيز بالاستقرار، والحصول على مساحة ملائمة يستطيع من خلالها أن يرسم، ويضع رسوماته الجميلة.. حيث يقول: “أريد حياة مستقرة، ليتسنى لي تقديم أعمالي وتطوير نفسي أكثر”.
رسومات المعافري
تُجسد لوحات ورسومات عزيز المعافري العديد من المواضيع المختلفة، أهمها: حياة الريف والمرأة الريفية، والتي تحتل حيزًا كبيرًا في لوحاته.. معللاً ذلك بالقول: “أنا ابن الريف، هناك أهلي وبيتي، ويجب عليّ تجسيد معاناتهم المعيشية، ونقص الخدمات العامة”.
ويشير إلى أن المرأة الريفية تحتل جزءًا كبيرًا من لوحاته، فهي من يتحمل أعباء العمل في البيت والحقل، وتشارك في العديد من الأعمال الشاقة، وهي بحاجة إلى من يوصل معاناتها.
ومن اللوحات الأكثر رواجًا، والتي شكّلها مؤخرًا من الدبابيس للفنان اليمني الكبير أيوب طارش العبسي، رغم أنها تجربته الأولى في هذا النوع من الرسم، والذي يُعد نادرًا في اليمن، وقد استخدم لرسم هذه اللوحة 17.100 دبوسًا، واستغرق وقتًا طويلًا للانتهاء منها بسبب عدم توفر المواد، إلا أنّ التقدير الكلي للوقت الذي أخذته اللوحة هو 40 ساعة متقطعة.
وعن تجربته الأولى في هذا النوع من الرسم قال المعافري: “إن العمل على تشكيل لوحة بالدبابيس يحتاج جهدًا ذهنيًّا، وتركيزًا شديدًا، فكل دبوس يجب أن يكون في المكان المناسب، ويؤدي وظيفته الصحيحة، وإلا ذهب الجهد هباءً”.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى