رئيسيصـالون

حناجر سبتمبر وأصواته الخالدة

شباب هاوس..محمد سلطان اليوسفي

مع انبلاج فجر سبتمبر المجيد شهدتْ اليمن تحولات واسعة في مختلف مناحي الحياة، لا سيما مجالات الفنون، التي كانت في فترة حكم النظام الملكي الإمامي محرمة وممنوعة، وعلى وجه الخصوص الموسيقى والغناء، حيث لم يكن في فترة حكم الإمامة يجرؤ العازفون والمغنون على ممارسة فنهم علنًا، وكانت الموسيقى والغناء موضع احتقار وازدراء، وينظر المجتمع إلى الفنان نظرة دونية، بسبب ما كان يشاع من قِبل نظام الإمامة حول تحريم الموسيقى والغناء، وعلى إثر ذلك كان من وُجد متلبسًا بالغناء يتعرض للملاحقة، ويعاقب بالسجن.

كان الأدباء والشعراء في طليعة موكب الثوار الأحرار في 26 سبتمبر 1962م فكتبوا أروع الملاحم الشعرية في هذا الحدث الكبير، لترتلها نغمًا حناجر كبار فناني اليمن حينها، كالفنان علي الآنسي ومحمد حمود الحارثي ومحمد مرشد ناجي وعلي عبدالله السمة وأحمد السنيدار.. وغيرهم من الفنانين الذين واكبوا الزخم الثوري، وكانوا قريبين كل القرب من الهم الوطني.

كانت الأغنية الوطنية بمثابة زاد للثوار والمناضلين الأحرار، تحمل في جوانحها مبادئ الجمهورية، وتتغنى بالوطن وبالشعب العظيم وانتصاره على النظام الملكي البائد، مجدتْ كل تلك الأغاني ثورة شعب ولم تمجد شخصًا أو جماعة، تغنتْ بالمولد السبتمبري، وهذا ما نجده في كل الأغاني الوطنية السبتمبرية، ومنها قصيدة الشاعر الكبير عبدالله البردوني، التي غناها الفنان الراحل علي بن علي الآنسي (1933ـ1981) “اليوم يا تاريخ قف”، والتي يستوقف فيها الشاعر التاريخ ليسجل في صفحاته نضالات الأبطال ودورهم المشهود في المسار السبتمبري:

اليوم يا تاريخ قفْ            أَشِر إلى اليا بالألفْ

لا تندهش لا ترتجف         ماذا ترى ماذا تصف؟

هذي الجموع تأتلفْ           وكالسيول تنقذفْ

لتسبق الوعد الأكف        مسيرها لا ينحرفْ

طريقها لا يختلفْ

عن عهدها السبتمبري

ماذا ترى أيدي سبا         فوق الربا مثل الربا

عادت تشبُ يحصبا        في كل شبرٍ كوكبا

يا مرحبا.. يا مرحبا      هنا تلاقت موكبا

من الشموخ والإبا         والعنفوان الحميري

والمولد السبتمبري

بأمر أيلول المطاعْ          نمشي ونمضي كالشعاعْ

نعتد نعلو كالقلاعْ           نمر في كل البقاع

نزداد طولاً واتساعْ        وعنفواناً واندفاعْ

إلى الغد السبتمبري

يا شعب كنت المبتدا    والمنتهى لك الفدا

أنت المفدى سرمدا       راياتنا لك المدى

أشلاؤنا لك الهدى         دماؤنا لك الندى

يا موطني يا مفتدى       إليك نهدي المولدا

نختار باسمك الردى      أنت الأعز الأخلدا

في زحفك السبتمبري

وتوالت الأغاني والأناشيد الوطنية فأسهمتْ إسهامًا كبيرًا في الانتصار لقيم الثورة والجمهورية وتوحيد جهود الأحرار في المسار الجمهوري، وشكلتْ عنصرًا أساسيًّا في إذكاء الروح الوطنية من خلال الكلمات المعبرة عن آمال وطموحات المواطن اليمني، والتي كتبها شعراء يحملون على عاتقهم الكثير من المسؤولية الوطنية تجاه وطنهم، ويحدوهم إلى ذلك حبهم الكبير وإيمانهم المطلق بالثورة اليمنية، ومن الأغاني الوطنية التي واكبتْ الزخم الثوري أغنية الفنان الكبير علي بن علي الآنسي “في ظل راية ثورتي” للشاعر أحمد عبدالرحمن العماري (1939ـ 2003)، وقد أصبحتْ هذه الأغنية فيما بعد النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية سابقًا:

في ظل راية ثورتي            أعلنت جمهوريتي

قسمًا برب العزةْ             قسمًا بمجد عروبتي

أني سأحمي ثورتي            وأصون جمهوريتي

وللشاعر العماري أيضًا قصيدة ثورية أخرى ترنم بها الفنان الراحل محمد حمود الحارثي (1935ـ 2007)، وهي الأغنية الوطنية الشهيرة “هذه أرضي وهذا وطني”:

هذه أرضي وهذا وطني           سوف أفديه بروحي ودمي

ثورتي حقٌّ وعدلٌ وبناء          أمتي وحدها رب السماء

أقسم الجيش يمين المؤمنِ         قسمًا بالله أقوى قسمِ

إنني جيشٌ سأحمي وطني         وسأبقى رافعًا للعلمِ

ومن الأغاني الوطنية التي حملت البشارة بفجر سبتمبر المجيد أغنية الفنان الكبير محمد مرشد ناجي (1929ـ 2013) “بالله عليك يا طير يا رمادي” للشاعر الدكتور سعيد الشيباني:

صوت المذيع بكّرْ يدقّ بابي         مثل الصباح أعاد لي شبابي

يعلن على الدنيا على الروابي     شرع السما وحكْمنا النيابي

أنا فدى صنعا فدى بلادي           فدى حقول البن بوسط وادي

أنا فدى السلال بكر ينادي           من الحسن والبدر حرر بلادي

بالله عليك يا طير يا رمادي         تفرد جناح تردني بلادي

تحمل الأغنية بشارة للمغترب اليمني بقدوم عهد جديد، وهذه الأغنية واحدة من الأغاني الوطنية التي قُدمت في ستينيات القرن المنصرم، وإضافة إلى هذه الرائعة الوطنية قدم المرشدي أغنية أخرى للثورة اليمنية وهي أغنية “شعبي ثار اليوم”:

شعبي ثار اليوم جدد ما غبرْ         لن ينال المجد إلا من صبرْ

يا أخي في ثورتك حريتكْ            فيها عهد الحق يحمي عزتكْ

قُم وحيي اليوم جمهوريتكْ            إن رب العرش بارك ثورتكْ

ثورة الحق على الظلم صوابْ       دفنتْ كلَ المآسي في التراب

إن عهد الظلم قد ولى وغاب         وانبرى السلال من فوق السحاب

 

يسكب الخيرات للشعب مطرْ

 

تُبرزُ الأغاني الوطنية التي تتغنى بثورة سبتمبر المجيدة تمسّك الشعب اليمني بأهداف الثورة ومبادئها، وإصراره على تحقيق أهدافها السامية، ورفضه المطلق لعودة الإمامة، وكلما حاولتْ فلول الرجعية الالتفاف على الجمهورية والنيل منها، أتى صوت الجمهورية هادرًا ومزمجرًا:

 

جمهورية ومن قرحْ يقرح         والشعب معجب بأبطاله

 

واعلن بها من على المسرح    واخرج من الشعب دجاله

 

من قارب الظلم ما يربحْ        لازم تغير بها الحاله

 

ذي ما يبى شعبنا ينجحْ            قد عجل الله بزلزاله

 

والبدر ما عاد ذي أصبح       خرج بشرشف وبركاله

 

يحرم على البدر زيد أفلح      يشوف صنعاء ولا صاله

 

شعب اليمن للدول صرح       ما يدخل إنسان في اشكاله

وهي أغنية بديعة وشهيرة للفنان الراحل محمد البصير.

لم تكن ثورة 26 سبتمبر المجيدة وهذا الحدث العظيم بمنأى عن اهتمامات الأصوات العربية الكبيرة وفي مقدمتهم الفنان المصري العندليب عبدالحليم حافظ الذي أتى إلى اليمن في عام 1967م في الفترة التي اشتدت فيها محاصرة قوى الرجعية للعاصمة صنعاء، فصدح العندليب بالعديد من الروائع الغنائية الثورية، منها (فوق الجبل أفراح)، وهي أغنية خاصة بالثورة اليمنية، لمؤازرة الجنود اليمنيين والمصريين المرابطين في المعارك، وكان العندليب قريبًا كل القرب من الأبطال في الميادين والوحدات العسكرية، فكان لصوته العذب تأثير مباشر في نفوس المدافعين عن الجمهورية، وشحذ همم الأبطال، وقوبل العندليب بالترحاب الكبير، وهو يشدو للأبطال في صنعاء والحديدة وتعز:

فوق الجبل أفراحْ     تحت الجبل زغاريدْ

 

طائرة على صنعا     صاعدة على صعده

 

دائرة مسا وصباحْ      طائرة بليالي العيدْ

وكذلك قدم أغاني أخرى “أهلا بالمعارك”، “سواح”، “صورة صورة”.

وبحسب ما ذكر الموثق الثقافي والفني الأستاذ أمين درهم، فإن العندليب رفض أن يتقاضى أي أجر مقابل حفلاته التي أقامها في اليمن.

ومن الأصوات العربية التي غنت للثورة اليمنية الفنانة المصرية فايدة كامل في أغنية “ثورة اليمن السعيد”:

 

بالإرادة والعزيمة والجهادْ

اليمن أشعلها ثورة ع الفساد

ثورة ع النار والحديد ع الطغاة

اللي شربوا سنين طويلة من دماه

ثورة اليمن السعيد

ثورة الشعب المجيد

بالإرادة والعزيمة والجهاد

ومن أبرز فناني ثورة سبتمبر المجيدة الفنان الراحل علي عبدالله السمة الذي غنى لسبتمبر المجيد عددًا من الروائع الغنائية السبتمبرية، ومنها “يا مرحا سبتمبر”:

 

يا مرحا ثورة شعبي الحر على الطغيانْ

يا فجر صنعنا فيه غدَ الإنسانْ

يا همة فلاحينا تكسو الوديانْ

يا عرق العمال أباد على أرضي الحرمانْ

ومن بديع ما قدم الفنان الكبير علي عبدالله السمة في وصف جندي الوطن الذي يحرس مجد سبتمبر وثورته الخالدة، أغنية “فوق الجبل” من كلمات الشاعر مطهر بن علي الإرياني (1933 ـ 2016):

 

فوق الجبلْ

حيث وكر النسر

فوق الجبلْ

واقف بطل محتزم للنصر

واقف بطلْ

يزرع قُبل في صميم الصخر

يزرع قُبلْ

 

يحرس أمل شعب فوق القمة العالية

كما أبدعت، فيما بعد، المجموعة في تقديم رائعة “فوق الجبل” بمصاحبة الفرقة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة بصنعاء.

وهكذا ظلت ثورة 26 سبتمبر المجيدة موطن افتخار معظم شعراء وفناني اليمن، وفي كل عام نردد مع فنان الوطن أيوب طارش عبسي الأغنية الأشهر:

 

دمت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضالِ

ثورة تمضي بإيمان على درب المعالي

تسحق الباغي تدك الظلم تأتي بالمحالِ

وهذه الأغنية واحدة من الأغاني التي سُجلتْ في سبعينيات القرن المنصرم للشاعر عباس الديلمي، ومع أيوب طارش أيضًا نردد كلمات الشاعر الراحل علي بن علي صبرة:

انثري الشهب حولنا يا سماءُ             واسكبي الضوء والندى يا ذكاءُ

عاد أيلول كالصباح جديدًا                سحقتْ في طريقه الظلماءُ

يبعث الروح في الوجود ويسري       في دمانا كما يدب الشفاءُ

ينشر الحب والسلام ويبني             نعْم بانٍ لنا ونعْم البناءُ

وللفنان أيوب طارش أغانٍ وطنية كثيرة عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ومنها:

أهلاً بعيد اليمن سبتمبر الوضاحْ     يا خالدًا كالزمن نفديك بالأرواحْ

 

وأغنية “سبتمبر صدر القرار”، من كلمات الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت (1918ـ2007):

 

سبتمبرُ صدرَ القرارْ          من ربي أمري والخيارْ

الوحدة الكبرى مصير       بل مدار للمسارْ

من حاد عنه جهنمٌ            مأوى مع بئس القرارْ

كما قدم الثلاثي الكوكباني مجموعة من الأغاني الوطنية عن الثورة اليمنية، أبرزها أغنية “سبتمبر المجد”:

سبتمبر المجد والصمودْ    والجود والبذل والفدا

دويها في الفضا رعودْ      وفي أذان الملا صدى

ثورة على الظلم والركودْ   طويلة البعد والمدى

قد أشرقتْ في ليالي سودْ    تذيق أعداءنا الردى

تستمد كل هذه الروائع السبتمبرية حيويتها وخلودها من وهج ثورة غيرتْ مجرى التاريخ اليمني، وما أكثر ما كُتب ولُحن حول هذا الحدث التاريخي من روائع غنائية ثورية على مدى أكثر من خمسة عقود، سواء ما قدمه الفنانون الأوائل الذين واكبوا الثورة بعطائهم الفني، أو ما قدمته الفِرق الفنية كفرقة الإنشاد والفرقة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة، أو الفِرق والمجموعات الأخرى.

وتظل الأغنية أكثر تأثيرًا وتعبيرًا عن مدى عظمة الثورة اليمنية المباركة، وما تزال ثورة 26 سبتمبر المجيدة موطن تغني الشعراء والفنانين، وملهمة لهم، ومازلنا نسمع الكثير من الأغاني الوطنية التي تمجّد هذا اليوم التاريخي العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى