شُرْفة

الكـلب

كتب/ أوراس الارياني

في الشارع وقفت أمام كلب يده مكسورة ويئنّ..

توقفت ونظرت في عينيه، لم أرَ سوى الألم.. قلت له: أعرف أنك تتألم، والناس تمر قربك ولا تشفق عليك.

أنت لست بحاجة لهذه الشفقة.. وتقول في نفسك كم هم قاسية تلك القلوب..!

أنا حزين، ولا أستطيع أن أساعدك، وهذا أيضًا مؤلم..!

هل يمكنني التحدث معك؟

عيناه يقظة رغم الوجع..

أنا أوراس.. إنسان يبعد النظارة عندما يشاهد نشرة الأخبار.. أعتقد أن الحياة جميلة هكذا.

هل تصدقني لو قلت لك بأني عرفت في وقت متأخر أن البساطة هي الحياة، وعرفت أن كل شيء موجود فيها له حكاية.. حتى وجع يدك له حكاية.

لديّ أصحاب كثر، وأحبهم ويحبونني، ومعي أصدقاء في الحزب الاشتراكي وأحبهم، لكنهم يدعونني: يا “رفيق”، وأنا لا أحب ذلك، لأنها

تقيدني، ولاني – أيضًا – لم أنضم إلى حزب، والبعض يعتقد أنني في حزب التجمع الوحدوي التابع لعمر الجاوي، وأنا لست عضوًا فيه، بل عضو منتدى الجاوي.

ولو كنت عضوًا في حزب ما، لكنت تحدثت معك.

أعرف أن كلامي معك لن يوقف وجعك وألمك.. سأحاول النظر في عينيك لأعرف كيف جرحت يدك..!

عندما أرى فقيرًا كافح ودرس وأنهى تعليمه الجامعي، أفرح له، وأقول كم أنا أحمق؛ مرت سنين وأنا لم أتخرج من الجامعة، وكانت ظروفي أفضل منه، لكن أنا تماديت في الحزن، وكنت أريد أن أصبح في المستقبل حزينًا..!

وضيعت عمري، وهذا يشعرني بالندم.

أحيانًا أرى أشخاصًا نالوا شهادة الدكتوراه، لكنهم لا يملكون الإحساس، والغباء يحتل ملامحهم.

أشياء كثيرة عرفتها في وقت قريب، مثلاً أرى صديقًا حزينًا أحاول أن أجعله يبتسم، وإذا لم أجد صديقًا حزينًا، أحاول أن أدبّر شخصًا من رأسي.

اضحك ياصديقي..

الحرب أنهكتنا..

بلادنا كلها موجوعة، وكل سكان محافظة يعتقدون أن محافظتهم هي أكثر محافظة وضعها تعيس، ومتضررة.. لكن الحقيقة أن البلاد كلها وضعها تعيس.. اليمن متحدة بالوجع فقط.

لديّ معلومة عن الكلاب أنها حين تهز ذيلها تكون فرحانة.

هل أحدثك عن حلم؟

حلمت ذات مرة أني أطير، وأنا أطير كان هناك عصفور يطير بقربي.

قال العصفور: يبدو أنني أحلم..

قلت له: لا.. أنا الذي أحلم.

لا تقل أي كلمة، أنا أفمهمك ياصديقي.

كنت “زمان” لو نُشرت لي قصيدة في صحيفة أفرح..

أنت جائع، لكنك لست نباتيًّا.

أتُصدّق.. أنا وزوجتي إيناس كل يوم نضحك.. “ندبّر ضحكة من أي مكانّ”.

لديّ كلام كثير أقوله لك.

المهم لا تنسى اسمي “أوراس”، بطاقتي الشخصية ضاعت، ولا أملك بطاقة شخصية، رجل كسل حتى في الكراهية كسل، وأنا صغير ربيت سلحفاة.

الشيء الوحيد الذي أراه في غرفة مظلمة هي المحبة، وأسوأ شيء عندي عندما أكون في مقيل يوجد فيه ولد صغير..!

لا أستطيع قول نكتة “سفيهة”.

وأشعر أني بسجن في البوسنة والهرسك، وأشاهد قناة المسيرة.

إلى اللقاء يا صاحبي.. أنت كلب جميل، لونك أبيض، وعيناك سوداوان، ويدك مكسورة، ومستمر في الحياة، وأكيد لديك ذكريات وطفولة جميلة.. أنت مثلي الأعلى.

آخر كلمة.. أعدك، وبعدها سأرحل عنك: أتعرف أنني أحسدكم، وأنتم جراء صغار، عندما تنقلكم أمهاتكم من مكان إلى آخر، بعضّة بفمها، لكن تلك العضة هي الحنان العظيم.

كم استمتعت بالحديث معك.

تمنيت لو كان لديّ بعض الطعام لك، بدلًا من كل هذا الهراء الذي حدثتك عنه.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مقال جميل… شكرا لك ياصديقي، اكتب فنحن نحب بساطتك بكل شي، حتي في نوع السجاره الذي تحرقها، بين الحين والاخر، فهي الحاجه الوحيده التي تحرق نفسها من اجلنا.. رغم علمنا انها مضره
    شكرا مره اخري لهذه الصفحه

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى