بروازرئيسي

الشاب راكان أول طبيب من فئة المهمشين

شباب هاوس.. رأفت الوافي


رغم كل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها المهمشون في اليمن، إلا أن البعض منهم لم يستسلم لتلك الظروف والمعوقات، وواصل طريقه نحو النجاح.
الشاب راكان سعيد أحد هؤلاء الذين استطاعوا أن يعكسوا نظرة المجتمع إلى الفئة المهمشة، بعد حصوله على أول شهادة في مجال الطب العام والجراحة من جامعة تعز.


رحلة كفاح
من وسط قرية صغيرة في مديرية المواسط بريف تعز الجنوبي، بدأ الشاب راكان العزعزي شق طريقه العلمية، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة من مدرسة القرية بمعدل مرتفع، ليتوجه إلى الجامعة مستكملاً دراسته، ومحققًا حلمه الكبير.
في حديثه لـ”شباب هاوس” يقول الطبيب راكان: “بدأت دراستي الابتدائية في قريتي العزاعز وأكملتها حتى الثانوية العامة، وحصلتُ على تقدير يؤهلني دخول كلية الطب رغم كل الظروف المعيشية التي تمر بها عائلتي”.
ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها الكثير من الأسر المهمشة، وغيرها من الأسر في اليمن، إذ إن الكثير من أربابها يعتمدون على الدخل اليومي الذي لا يسعفهم في توفير الرسوم اللازمة لإلحاق أبنائهم في التعليم، إلا أن إصرار العزعزي ودوافعه جعلت النجاح حليفه، ليتمكن من الحصول على منحة دراسية في الجامعة.
يقول راكان: “حصلتُ على منحة دراسية داخلية مقدمة من بيت هائل سعيد أنعم، والتحقتُ من خلالها بكلية الطب والعلوم الصحية في جامعة تعز لكي أحقق حلمي في مواصلة الدراسة”.
لكن، وبعد أن قطع راكان ذلك الشوط الكبير، ورأى حلمه يتحقق على أرض الواقع من خلال التحاقه بالجامعة، وبعد عدة  أشهر من دراسته في كلية الطب – شرق مدينة تعز، اندلعت الحرب بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات الحكومة (المعترف بها دوليًّا)؛ ما تسبب بتوقف الدراسة، ليبدأ راكان حينها مرحلة جديدة من الكفاح في سبيل إكمال دراسته.

 

إصرار مستمر
يضيف راكان: “بعدما تحول مبنى كلية الطب إلى خط تماس، قررت هيئة التدريس بالجامعة استكمال الدراسة في جامعة إب، وكان ذلك مكلفًا بالنسبة لنا نحن الطلاب، لكننا لم نيأس رغم بعد المسافة وتكاليف المواصلات والسكن”.
ففي الوقت الذي عزفَ فيه الكثير من الشباب عن إكمال الدراسة، منخرطين في جبهتي الصراع، استمر العزعزي في تعزيز قناعاته بأن مواصلة التعليم لها ثمارها في المستقبل، لكنها لم تكن قناعاته وحده، فلقد كاد أن يستسلم هو الآخر، لولا أن والدته وقفت له بالمرصاد، مصرة على أن يكمل ولدها مشواره التعليمي.
يتابع العزعزي: “انخرطت في مجال العمل وشقيت على أسرتي، وعندما قررت أن أتوقف عن الدراسة، كانت والدتي قد وقفت لي بالمرصاد، وأصرت على إكمال تعليمي، فلم أستطع إلا أن أواصل الدراسة، وكنتُ كلما توفرت لي الفرصة  أشتغل وأعمل على تقسيم الوقت بين الإجازات الصيفية والدوام الدراسي”.
يرى الطبيب العزعزي أن هناك أسبابًا كثيرة تدفع المهمشين للتسرب من المدارس، ومن تلك الأسباب الطبقية التي ينظر المجتمع من خلالها إلى هذه الفئة، فهي دائمًا في نظر البعض مستضعفة، ولا ضير أن تظل تعاني من نقص في الثقافة والتعليم، رغم أنها قادرة على إيجاد الكوادر والهامات والمواهب، فقط إن توفرت لها الظروف، وبالتالي حرمان تلك الفئة من التعليم هو الذي يجعلها مستضعفة.
وتشير الإحصائيات إلى أنه يقدر عدد أفراد الأسر المهمشة في اليمن بنحو 3 ملايين شخص يعيشون على هامش المجتمع، وفي بيئة متوسطة الدخل، ووضع اجتماعي حرج، حيث لا يحصلون على كثير من حقوقهم في الأوضاع الطبيعية، ناهيك عن أوضاعهم الحالية في ظل الحرب الدائرة في البلاد منذُ مارس آذار 2015، وهو ما دفعهم للانكفاء على أنفسهم وإغلاق الحدود مع الفئات الأخرى بسبب التمييز الحاصل على اللون والعرق والإقصاء من الحياة الاجتماعية.

تحقيق الحلم
بعد سبع سنوات من الدراسة والجد في تحصيل العلم، تحقق الحلم أخيرًا، وأصبح راكان العزعزي دكتورًا، وحديث الكثيرين في اليمن، ليكون أول طبيب من فئة المهمشين.
استطاع راكان خطف الأضواء والأنظار للبيئة التي قدم منها، حاظيًا بتقدير كبير في أوساط مجتمعه، فبالرغم من أن الكثيرين من هذه الفئة لا يشجعون أبناءهم على مواصلة تعليمهم، بقدر ما يجعلونهم ينخرطون في سن مبكرة في سوق العمل والمهن التي لا تتطلب مؤهلاً دراسيًّا، إلا أن قصة الشاب راكان تستحق أن يسعى آخرون للاقتداء بها.
وعن أسباب اختياره مجال الطب، يقول راكان لـ”شباب هاوس”: “دخلتُ الطب لثلاثة أسباب رئيسية: أولاً للمكانة التي يحصل عليها الطبيب حيث يحتل مكانة اجتماعية، وثانيًا تحسين الوضع المادي لأسرتي، خصوصًا أنها كانت تعاني من وضع لا يحسد عليه، أما السبب الثالث فهو حبي لهذه المهنة”.
ويختم الطبيب العزعزي حديثه برسالة إلى الشباب قائلاً: “تمسكوا بالتعليم، فبالعلم تُبنى الحضارات والأمم، والاهتمام به هو المجال الوحيد للخروج من مأزق الجهل والتخلف، وعلى الجميع أن يسعى نحو العلم كونه هو المنطلق للنهوض بهذا البلد، ونحن شركاء ومسؤولون عليه، فلا بد أن نخدمه ونتحمل مسؤوليته، وحلمي أن أكمل الماجستير والدكتوراه، وأكون دكتورًا محترمًا أُفيد وأستفيد”.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى