دهليزرئيسي

الإعلام الموجه وانعكاساته على وعي الشباب اليمني

شباب هاوس -تقرير/ آفاق الحاج

خلال العقود الماضية شكل الإعلام جزءًا محوريًّا في مختلف التحولات السياسية اليمنية, ولعب دورًا في إحداث تأثير في الوعي المجتمعي عبر خطاب إعلامي موجه كان في معظمه يغلب عليه طابع التحيز والتعصب, حيث كان الشباب وما يزال هم الأكثر استهدافًا فيه, سيما في بلد تتجاوز فيه نسبة الشباب من هم دون سن الثلاثين الـ ٧٥% بحسب دراسة أجريت في العام 2010, وفي الوقت أيضًا الذي تتركز فيه اهتمامات الشباب وأولوياتهم بالقضايا السياسية التي ترتبط بشكل مباشر في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ويعتمدون على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات السياسية بدرجة رئيسية.

خطاب اللا وعي

مع دخول اليمن أتون الحرب وتفاقم حدة الصراع مطلع العام 2015 انقسم الإعلام اليمني بين مؤيد ومعارض لأطراف النزاع, وطغت على مضامينه خطابات التأجيج والكراهية والمماحكات السياسية مع غياب أو ندرة وسائل الإعلام المحايدة ذات الخطاب الإعلامي المتزن, ويرى مراقبون أن الإعلام الحالي فاقد للوعي ومشتت التوجه، ويتحمل مسؤولية جزء كبير مما وصل إليه الشباب والجيل الحالي من فقدان للحس والانتماء الوطني، والوعي بمختلف القضايا الوطنية ومفاهيم المشاركة السياسية.

 وفي هذا السياق يقول الإعلامي والناشط الشبابي محي الدين يحيى: “تلعب الوسائل الإعلامية دورًا مهمًّا في تكوين الوعي السياسي للشباب اليمني، خصوصًا في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد والصراع المستمر منذ أكثر من ثمان سنوات, وفي ظل حضور الإعلام التعبوي الموجه وغياب وسائل الإعلام المحايدة.. التي تسهم في تثقيف الشباب، وبالتالي نجد ندرة في الشباب اليمني المتزن في فكره السياسي, أو في طريقة التخاطب والحوار, وانخراطهم في الفكر التعصبي”.

 ويرى محي الدين أن غياب الوعي لدى الشباب بالتاريخ السياسي والعملية السياسية في المرحلة الراهنة يعد منعطفًا خطيرًا لجيل يعول عليه بالمستقبل بأن يكون مفتاح الحلول للأزمة اليمنية المعقدة، وهذا يأتي وفق اعتقاده بسبب خطاب التحيز والتسييس الإعلامي الموجه, ويضيف قائلاً في حديثه لمنصة شباب هاوس”: تستغل الوسائل الإعلامية عاطفة الشباب وتدفعهم لخطاباتها المتطرفة وأجندتها الخاصة، مستغلة حاجتهم لفرص العمل، فتجعل من الرسائل الإعلامية رسائل تحريضية مبطنة, تحمل أجندات معينة ذات طابع فكري أو طائفي أو عقائدي تتبع أطراف الصراع”، وهذا ما يجعل الشباب من وجهة نظره يندفع خلف الحملات الموجهة لوسائل الإعلام المنحازة, والانخراط في خطاباتها المتطرفة أو بسبب كثافة الرسائل الإعلامية المتحيزة  وندرة الوسائل الإعلامية المحايدة التي تحمل خطابات متزنة، ويعتقد محي الدين أن هذا يتسبب بافتقار في الوعي السياسي للشباب, حيث أصبحت وسائل الإعلام طرفًا في تغييب الوعي المجتمعي، إضافة إلى أنه يخلق فيه نزاعات متعددة, مما يزيد من حدة الانقسام المجتمعي وزعزعة الوعي ما أسهم في افتقار الشباب للحوار ولغة التفاهم واستقطابهم مناطقيًّا وطائفيًّا وحزبيًّا،  حسب قوله.

انعدام الثقة

يجمع  العديد من الشباب بأن على وسائل الإعلام أن تبدي اهتمامًا أكبر بالمشاركة والمعرفة السياسية للشباب بأساليب ترتكز على الموضوعية والصراحة والمعالجة في التناول للموضوعات التي تطرحها الوسائل الإعلامية.

وفي هذا الإطار تتحدث الصحفية والناشطة الشبابية سكينة محمد لمنصة شباب هاوس، حيث ترى أن غياب الوعي ناتج عن قلة ثقة الشباب بالوسائل الإعلامية النشطة على الساحة، وانعدام الثقة بالشخصيات السياسية وتجاربها.

وفقدان المصداقية بالراوي الحديث للتاريخ السياسي اليمني، وكيف يختلف من طرف لآخر ويوظف لحسابات مختلفة، حد تعبيرها.

وتتابع حديثها: “الحروب دائمًا ما تستخدم التأثير من خلال خطاب إعلامي محدد ومركز يخدم أهداف الجهة التي تدير الوسيلة الإعلامية، وبالتالي يؤثر الخطاب المتطرف في الشباب، وخصوصًا المراهقين والمتسربين من التعليم والذين ينتمون لبيئة أقل تعليمًا فتستغل هنا وسائل الإعلام هذه العوامل، وتعزف إما على وتر الدين أو الوطنية أو انتماءات طائفية أو مذهبية أو عنصرية، ويسهل عليها تحقيق ذلك.

وتضيف سكينة: “بطبيعة الحال نحن ننتمي لمجتمعات نامية يعاني فيها الإعلام ما تعانيه مختلف القطاعات، ويصنف إعلامنا بإعلام سلطات، تُحقق منه ما تريد، لذلك يصعب إيجاد إعلام محايد لغياب المال الداعم لهذه الوسائل، إما أن تكون سلطة داعمة وتمرر رسائلها، أو وسيلة إعلامية لا تتطور ولا تنتشر، وتضطر لإغلاق إنتاجها بعد فترة قصيرة.

وحول ما إذا كانت توجد وسائل إعلامية تحمل خطابًا متزنًا تقول سكينة: “في هذه الفترة بالذات أظن أنني لم أصادف وسيلة متزنة، ولو أن هناك الكثير من المحاولات من زملاء جيدين، إلا أنه بالمجمل نستطيع القول إننا في بداية المطاف، وهذه أمنياتنا أن نجد وسائل إعلام محايدة يكون طرفها الأول والأخير هو الجمهور، وتحمل خطابًا متزنًا ومقنعًا، ويخدم السلام المجتمعي، ويرمم ما خلفته الحرب من فجوات نفسية مهولة.

تشكيل الوعي

انعكس الخطاب السائد في وسائل الإعلام على وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت ساحة التراشق الأبرز بين أطراف الصراع اليمنية، والذي لا يتورع روّاده عن توجيه شتائم مباشرة أو استحضار خطابات دينية من قرون مضت.

وقدمت خطابًا إعلاميًّا يصفه كثيرون بالمدمر زاد من حدة الأزمة وأحدث تصدعات خطيرة في النسيج الاجتماعي وقيم التعايش بين اليمنيين.

وبهذا الصدد تؤكد سكينة محمد على الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في تشكيل الوعي السياسي للشباب اليمني، والإسهام في عملية التعزيز والتغيير، من خلال البرامج والرسائل المتنوعة سواء من وسائل الإعلام التقليدية أو مواقع التواصل الاجتماعية.

وتتابع بالقول: “كذلك يعمل الإعلام على تشكيل رأي جمعي تجاه الشخصيات السياسية والبرامج السياسية للأحزاب والتوجهات، وفي ظل الحرب الدائرة عملت وسائل الإعلام على اصطفاف الشباب مع طرف على حساب الطرف الآخر، وظهرت حركات جديدة بانتماءات شبابية واسعة كلها قائمة على وسائل الإعلام،  وهذه الحركات لم تقم بأي فعالية على أرض الواقع، وإنما استخدمت الإعلام.

مشيرة إلى أن وسائل الإعلام خلقت فضاء رحبًا للمناقشة وإبداء الاختلاف في الأفكار السياسية، وحتى شعور الشباب بتغيبهم عن مراكز صنع  القرار  في الحكومات .

التنشئة السياسية

تمعن وسائل الإعلام اليمنية – بحسب مراقبين – في استعداء الآخر، وتكريس خطاب كراهية استعلائي يقفز على كل القواسم المشتركة، لتصنع صورًا نمطية مغرقة في الفصام، وإنتاج معنى اختزالي لا يتسع إلا لوجهة نظر القوى المهيمنة، كما تورطت أيضًا في تأجيج العنف بعد تحوّل المنابر الإعلامية إلى فضاءات لنشر الكراهية والتخوين، وإثارة النعرات المناطقية والدينية والعرقية.

وفي هذا الجانب يقول الناشط السياسي الشبابي محمد الكويحي: “إن ضعف الوعي لدى الشباب بالتاريخ السياسي والعملية السياسية هو أحد النواتج الطبيعية  لضعف التعليم في بلد يعاني من نسب الجهل والأمية المرتفعة, إضافة إلى ضعف التنشئة السياسية، فنجد المناهج التعليمية تكاد تخلو منها مفاهيم التنشئة السياسية واحتوائها على الحوادث التاريخية والمحطات السياسية التي مرت بها اليمن .

مضيفًا: إلى جانب اعتماد الأحزاب اليمنية على التعبئة والإيديولوجية والتضليل للشباب بدلاً عن التعليم والتثقيف السياسي, وما تقدمه وسائل الإعلام من محتوى ينشغل بالتضليل والمهاترات السياسية دون أن توجد برامج حقيقية تناقش المسائل السياسية بشفافية وواقعية.

استغلال وتعبئة

وعن استغلال وسائل الإعلام لعاطفة الشباب ودفعهم لخطابها المتطرف وأجندتها الخاصة, يقول الكويحي إنه من الطبيعي حين يغيب الوعي أن نجد من يستغل هذا الغياب الذي يمثل نقطة ضعف لدى الشباب، وبالتالي تعمل هذه الوسائل على دفع الشباب وتوجيههم نحو قضايا معينة في ظل غياب المهنية والرقابة من قِبل الدولة، وهو ما جعل من السهل برأيه لهذه الوسائل استغلال غياب الوعي لدى الشباب وتعبئة عقولهم بأفكار ومفاهيم تخدم سياساتها بدلاً عن أداء دورها المفترض في عملية التنوير والتثقيف.

حول أسباب افتقار الشباب اليمني للغة الحوار يعتقد الكويحي أن ذلك يعود إلى البيئة المجتمعية التي تنتشر فيها العصبية ولغة التحريض والقبلية, ما يؤثر بشكل كبير على التكوين الفكري والسلوكي لدى الأفراد, ويرى أن العامل الأهم في ذلك هو عملية التحريض التي يتلقاها الشباب باستمرار من وسائل الإعلام والأحزاب والنخب السياسية, وبالتالي يعتبر غياب لغة الحوار نتاجًا طبيعيًّا لهذا الوضع الذي يعيشه الشاب اليمني, وهذا ما يترجم على شكل مهاترات في مواقع التواصل الاجتماعي ليصل إلى التحريض والانخراط المباشر في عمليات القتل والنيل من الآخر والعمل على تدميره، حد تعبيره.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى