تقرير/ عمران مصبباح
هناك أحداث تُغير مجرى التاريخ، ويصبح ما بعدها ليس كما قبلها، إنها لحظات مفصلية بكل ما للكمة من معنى، وذلك لِما تؤسسه من واقع مغاير في تاريخ البلدان والشعوب.
وبالنسبة لليمن تأتي ثورتا (سبتمبر وأكتوبر) على رأس تلك الأحداث المهمة والمفصلية، حيث انتزع فيهما الشعب اليمني بلده من أيادي الكهنوت والاحتلال على حد سواء، وأخذ يصنع مستقبله، ويستعيد هويته اليمنية الواحدة.
على الرغم من مضي ما يقارب ستة عقود على تلك الأحداث، إلا أنه كلما مر الوقت، شعر المجتمع أكثر بقيمة ما تم تحقيقه وإنجازه من قِبل ذلك الجيل الذي ناضل وواجه الصعاب للوصول إلى النتائج الملموسة اليوم.
في الذكرى التاسعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، تحاول منصة “شباب هاوس” الوقوف على بعض من الإنجازات الكبيرة لتلك الثورة، في طرد الاحتلال وتوحيد جغرافيا جنوب اليمن تحت سلطة واحدة، بعد أن كانت عبارة عن مجموعة سلطنات تابعة لاستعمار أراد تثبيت ذلك الشتات، وترسيخ الانقسام على المدى الطويل، حتى لِما بعد مغادرته، قبل أن يرفض المجتمع تلك المشاريع، وعلى رأسها التواجد البريطاني نفسه، والذي كان قد طال بقاؤه هناك.
عن ذلك المجد ونتائجه، ومشاعر الجيل الجديد تجاهه، يتحدث لمنصة “شباب هاوس” مجموعة من الشباب، معبرين عن رأيهم في ذلك الحدث العظيم، من لحظته الأولى، حتى تأثيره في الحاضر الآن…
فاطمة الأغبري: ما نعيشه من انتهاك لسيادة بلدنا يجعلنا نستشعر عظمة أكتوبر
عن معنى ذلك الحدث المتمثل بـ (ثورة أكتوبر) بالنسبة للجيل الجديد، تتحدث فاطمة الأغبري، قائلة: “ثورة أكتوبر تعني الكثير ليس للجيل الجديد فحسب، بل لكل مواطن يمني في الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وذلك لِما قامت به من تخليص البلد من الاستعمار البريطاني الذي احتل الأرض وعذّب الشعب.
وذكرى هذه الثورة تجعلنا نقدر قيمتها أكثر، ومدى التضحيات فيها، خصوصًا في ظل الوضع الذي نعيشه كيمنيين انتُهكت سيادة بلدهم، وأصبحنا مستعمرين بصورة غير مباشرة بواسطة أذرع كان يُفترض بها أن تحمي الوطن بدلاً عن بيعه”.
وعن الإنجازات التي صُنعت بفضل التضحيات الكبيرة لأبطال تلك الثورة، تضيف الأغبري: “الإنجاز الأهم هو التحرر من الاستعمار البريطاني، لكن يؤسفني القول بأن معظم هذا الجيل لا نستطيع القول بأنهم سيتعلمون من هذه الثورة، والواقع خير دليل”.
وتضيف فاطمة أن الشباب اليمني حاليًّا يطغي عليه الانقسام، وكل مجموعة منهم تنحاز لطرف ما، وبعضهم يشجّع التدخلات الخارجية معتقدًا أن ذلك هو الوضع الصحيح، وللأسف لم يتعلموا من تلك التضحيات الكبيرة في سبيل الاستقلال.
هناك ارتباط وثيق بين ثورتي سبتمبر وأكتوبر، بحيث لا يستطيع الكثيرون الفصل بينهما.. عن ذلك الارتباط، تعطي فاطمة الأغبري رأيها قائلة: “الارتباط يكمن في أهداف كل ثورة، فالثورتين أرادتا الخلاص من الوضع البائس الذي عاشه المجتمع، سواء على يد المستعمر أو الإماميين، كما أن ثورة أكتوبر هي امتداد لسبتمبر التي ابتدأت الشعلة، وكل نطاق جغرافي كان عاملاً مساعدًا على انطلاق الثورة في النطاق الجغرافي الآخر، وبالتالي فقد جمعتهما أهداف واحدة، ونضال واحد مع اختلاف المواقع”.
وتعلّق فاطمة على السخرية المنتشرة حاليًّا بين بعض الشباب من الواقع، والتي مفادها أن الاحتلال لم يكن أسوأ من الوضع الآن: “من المخجل جدًّا أن يواجه بعض الشباب الواقع بالحنين للماضي، لأن ذلك من وجهة نظري فيه تقليل لتضحيات الثوار السابقين، والذين ناضلوا في سبيل التحرر من الاستعمار الذي أشبع المجتمع هناك بشتى أنواع العذاب”، مشيرة إلى أن التواجد الخليجي في الجنوب حاليًّا هو احتلال وانتهاك للسيادة، مضيفة: “أصبح مصيرنا بيدهم، ويتحكمون بثرواتنا، وأصبحوا محتلين لنا بطريقة غير مباشرة، وللأسف من يساعدهم على ذلك هم من أبناء هذا الوطن“.
إبراهيم عبدالله: هويّة اليمن الحديث تكونت بثورتيّ الـ14 من أكتوبر والـ26 من سبتمبر
يتحدث إبراهيم عبدالله، من وجهة نظر شبابية، عن التأسيس التي أحدثته ثورة أكتوبر، قائلاً: “هويّة اليمن الحديث تكونت بثورتيّ الـ14 من أكتوبر، والـ26 من سبتمبر، لِما شكلتا من معنىً للدولة الحديثة، بشقيها الجنوبي والشمالي، ومنذُ اندلاع الحرب في العام 2014، ظهرت في اليمن مشاريع دخيلة تحاول تفكيك هذه الهويّة وتمزيقها.. الاحتفال بثورة الـ14 من أكتوبر، سواءً في الشمال أو في الجنوب، يعني استرجاع هوية الإنسان اليمني وقوميته، ورفض مشاريع التفكيك التي تحاول العبث بالبلاد، هذا الجيل لديه سرديته الخاصة عن الحرب، والبلد، سردية غير موجهة من أيّ جهة أو جماعة”.
ويضيف إبراهيم: “الاحتفال بثورة الـ14 من أكتوبر هو إحدى صور هذه السردية التي يقول فيها الشباب بأنهم يرفضون أيّ استعمار، كما أعلنوا رفضهم للاستبداد الجديد الذي ظهر في احتفالات الـ26 من سبتمبر الماضي”.
يتابع: “الإنجاز الأهم لثورة أكتوبر هو انتزاع الإنسان اليمني حقه في تحديد مصيره، وذلك من أبسط حقوق في هذه الحياة، كما أن النقطة الأهم في ثورة أكتوبر تتمثل بإعادة الأمل في نفوس اليمنيين بعد 128 عامًا من الاحتلال البريطاني، الأمل الذي قرعت شرارته ثورة سبتمبر في الشمال آنذاك، هذا الأمل مُستمر إلى اليوم في نفوس الشباب اليمني، بأنه مهما غابت شمسُ حرية الإنسان اليمني، فهي ستُشرق يومًا لا محالة”.
ويؤكد أن “السنوات الأخيرة من الحرب في اليمن مثلت مرحلة تعريفية مهمة للشباب، استعادوا فيها رموز الثورة، وبحثوا أكثر عن تاريخ الثورات اليمنية، ومثّلوها في مظاهر احتفالاتهم، لم تمر على اليمن فترة كان فيها اليمنيّ مُتمسكًا بثوراته كالفترة الحالية، وهذه صورة واضحة عن إرادة الشعب، وما يطمحُ إليه من يمن جمهوري مُستقل وحُر”.
وبخصوص العلاقة الوثيقة بين الثورتين، فلا ثورة سبتمبر تمثل الشمال فقط، ولا ثورة أكتوبر تخص الجنوب فحسب، يؤكد إبراهيم عبدالله تلك العلاقة، قائلاً: “الارتباط بين ثورتي أكتوبر وسبتمبر يُعتبر جوهريًّا، بحيث إننا لا نستطيع فصلهما عن بعضيهما، فالجنوب وتحديدًا مدينة عدن كانت الحاضنة الثورية للمفكرين والكُتاب والأدباء والرموز العسكرية أيضًا التي كان لها دور بارز في ثورة الـ26 من سبتمبر، كما دعمت الجنوب الثوار بالشمال بـ12,000 متطوع جنوبيّ، ويتشاركون ذات الهدف (التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما)، وكانت تختلط الدماء الجنوبيّة بالشمالية”، مشيرًا إلى أنه “بعد سنة من انتصار ثورة سبتمبر في الشمال، عاد المُقاتلون الجنوبيون إلى الجنوب مُحمّلين بريح الثورة والحريّة، هؤلاء المقاتلون الذين عادوا إلى ردفان فجّروا شرارة ثورة أكتوبر في الجنوب يترأسهم البطل راجح لبوزة بدعم من رفاقه في الشمال”.
أما الآراء التي تزعم بأن الجنوب كان أفضل في فترة البريطانيين، فيفندها إبراهيم بالقول:” إذا أردت استعباد قوم، قُم بتجويعهم، وهذا المثل ينطبق على الاستعمار أيضًا، وبالتالي فإن “حنين النوستالجيا الساخر هذا، والذي يظهر أحيانًا عند البعض، هو ليس إلا نتيجة وصول إلى قاع الحضيض، قد يكون حقيقيًّا، وقد يكون ساخرًا، إلا أن الإرادة الحقيقية للشباب تظهر في ذكرى ثوراتهم، كما أن التاريخ يقول إن الإنسان اليمني لم يُقايض يومًا لقمة عيشه على حساب حقوقه وحُريته، وكل المشاريع الاستعمارية الدخيلة لن تدوم، هذا ما قاله التاريخ، وما قاله الإنسان اليمنيّ دائمًا”.
علياء خالد: على الجيل الحديث النظر لثورتي سبتمبر وأكتوبر بإمعان من أجل تجنّب الأخطاء التي وقعنا فيها لاحقًا في ثورات الربيع العربي
بدورها، تقول علياء خالد: “الثورة قامت بسبب المعاناة والظلم الذي تعرض له أبناء الجنوب من قِبل الاستعمار، وبعد التراكمات الكثيرة اشتعلت الثورة، والتي تأتي كالكثير من الثورات لرفض الظلم والتعسفات، وتُمثل تلك الانتفاضات التي قامت فيما بعد، وبكل تأكيد هذا الحدث يُمثل للشباب الكثير، كما أن من قام به – آنذاك – هم من فئة الشباب، لأن الشباب لديهم دائمًا النشاط والحماس والطاقة، والرغبة في التغيير والتحرر”.
مهما تعددت الإنجازات التي وُجدت بسبب أكتوبر، إلا أن هناك إنجازًا قد يكون الأهم، عن ذلك تقول علياء خالد: “بالإضافة إلى خروج المستعمر البريطاني، أهم ما جاءت به ثورة أكتوبر هو إيجاد دولة مدنية حديثة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت من أقوى الدول آنذاك، ونشأ عن ذلك الحدث قيادات سياسية قوية، وتطور في كل المجالات، وساهمت في بناء جيش، وتوحيد أبناء الجنوب كافة بعيدًا عن صراعات الانقسامات السابقة التي غذتها بريطانيا”.
وعمّا يمكن أن يستفيده الجيل الحديث من تلك النضالات، تقول علياء إنه يجب عليهم النظر للماضي، وكيف تم العمل على توحيد القوى، وبناء الدولة والتنمية والتطور، والاستمداد من تلك المشاريع التعلم، من أجل تجنب الأخطاء التي وقعنا فيها لاحقًا في ثورات الربيع العربي، حسب علياء.
وتضيف: “قبل انطلاق ثورة أكتوبر بكثير كانت تقام هناك نضالات بشكل متفرق، فتخمد نتيجة عدم التنسيق، أو العملاء، لذا لا يمكن القول بأن البداية كانت بعد ثورة سبتمبر؛ لأن الثورة في الأساس تأتي نتيجة تراكمات، ومثل ما حصل في الشمال من اشتعال ثورة نتيجة لظلم طويل مع الإمام، حصل أيضًا في الجنوب بسبب الاستعمار، وبدون أيّ ارتباط، حتى وإن كان سبتمبر مثّل حافزًا لأكتوبر، إلا أنها ثورة تخص الشمال، كما أن أكتوبر مرتبط بالجنوب فقط، لكن لا نستطيع القول بأن هناك تباعدًا تامًّا، لأنه قد يكون حصل بعض الدعم والآراء والنصائح المتبادلة بين ثوار الجنوب والشمال، واستفاد كلّ منهم من الآخر، وهكذا الثورات في كل مكان تستفيد من بعضها.. أيضًا ثورة أكتوبر استفادت من دعم جمهورية مصر”.
وعن النقمة من الواقع الحالي الذي جعل بعض الشباب يتغزل بزمن بريطانيا، ولو من باب السخرية، تجيب علياء خالد: “البعض قد يقول ذلك من باب السخرية، أو لانتماء معيّن، ولديه أفكار معينة، ولا نعلم ما الغرض من قول ذلك، لكن عمومًا طبيعة الناس لا تكتشف ما هو جيد إلا عند المرور بوضع سيئ، مثلاً: البعض يقول الآن، إن فترة صالح كانت أفضل، بالرغم من أن ذلك الوضع لم يكن مرغوبًا آنذاك، وفي مسألة تمنّي عودة بريطانيا، قد يكون بسبب تذكّر ما فعلته من مصفاة عدن، وكذلك أول مستشفى في الجزيرة العربية والمدارس، والبنية التحتية التي ما زالت كما عملتها بريطانيا، دون أيّ استحداث، لذا هذه الظاهرة طبيعية بسبب سوء الحاضر”.
وحول اعتبار الوجود الخليجي في المناطق الجنوبية بأنه احتلال، تقول علياء خالد: “من يصف ذلك التواجد بالاحتلال يتبع أجندة حزبية سياسية إيديولوجيا خاصة، لأننا نحن الشباب في الجنوب نقول إن دول التحالف والخليج هم شركاء، وحلفاء لنا في القضاء على المد الحوثي، وإعادة الدولة، وداعمون لعودة الشرعية”.
صامد السامعي: أهم القيم التي تُمثلها ثورة أكتوبر إنجاز شرط التحرر الوطني وامتلاك اليمنيين لقرارهم
في ما يخص التجسيد لأهداف ثورة أكتوبر، وما الذي تعنيه للشباب في العصر الراهن، بعد ستة عقود من قيامها، يتحدث صامد السامعي، قائلاً: “بالنسبة لشباب الجيل الجديد، يمكن بوضوح ملاحظة أن ثورة أكتوبر تشكّل الكثير، بشكل أو بآخر يعرف كلّ من تخرّج في المدارس أنه لولا 14 أكتوبر وتضحيات الأبطال في سبيلها لما تحقق له ذلك على الأغلب، وهذا أنموذج بسيط، غير الإنجازات الملموسة والكثيرة لها”.
لا يوجد ثورة تقتصر على هدف وحيد، لكن هناك هدفًا يُمثل أهمية أكثر.. عن ذلك يتحدث السامعي، قائلاً: “الإنجاز الأهم لثورة 14 أكتوبر هو إنجاز شرط التحرر الوطني، وامتلاك اليمنيين للقرار بشأن حياتهم ودولتهم ومستقبلهم، هذا إلى جانب أن الشعب أصبح محور الاهتمام، وجاءت التنمية والخدمات لتُقدم للجميع دون تمييز، وأصبح هناك سلطة وحيدة تحكم البلاد كلها ومسؤولة عن الجميع، ومساءلة أمامهم، عكس وضع الاستعمار”.
وعن الإرث الذي خلّفته ثورة أكتوبر، وهل بالإمكان الاستفادة منه، يضيف صامد: “من المعروف أن ثورة 14 أكتوبر جاءت كفعل كان اليمنيون في أمسّ الحاجة إليه، عندما كان قد وصل الوضع إلى حد أنه يتم التعامل مع البلد وكأنهم غير موجودين عليها، والواضح أن هناك من لا يرى اليمنيين اليوم، واضح أن شباب اليمن اليوم في حاجة ماسة لرفع أصواتهم، والعمل من أجل تخليص البلاد من الشرور التي عاثت فسادًا، وترى أن الإنسان اليمني ليس له قيمة”.
ويتابع: “أستطيع القول إن شباب اليمن في طريقهم لاستلهام تجارب أجدادهم وأبطالهم في الشمال والجنوب، ويمكن ملاحظة هذا بوضوح من ارتفاع زخم الاحتفالات والاهتمام بالثورتين”.
وبخصوص الارتباط الوثيق بين الثورتين، يجيب صامد السامعي: “هي ليست مقاربة، بقدر ما هي حقيقة، حقيقة تؤكد أن اليمن بلد واحد، وأن الشعب اليمني في كل مكان كان يعرف أن مصيره واحد، وإذا كانت هذه الحقيقة تؤكد شيئًا معينًا، فسوف يكون أن وحدة هذا البلد أمر ليس متروكًا للتفاوض والملفات السياسية، هذا قرار كتبه اليمنيون جميعًا بالدم في 26 سبتمبر 1962، وأكدوا عليه بنفس الطريقة في 14 أكتوبر”.
وبخصوص الظاهرة التي تقول بأن عودة الاستعمار أفضل، يقول السامعي: “هناك واقع صعب تعيشه اليمن منذ سنوات، وهذه المرحلة التي نعيشها اليوم لا بد أنها واحدة من أسوأ المراحل التي مرت بها البلد منذ الاستقلال، وليس من المفاجئ أو الغريب أن تظهر مثل هذه الأصوات.
في كل مكان في العالم عندما يكون الوضع مزريًا لهذا الحد، فهناك أشخاص غير محميين بالقدر الكافي من الوعي، ولا يهتمون إلا بأنفسهم، وينظرون للأمور بشكل عاطفي لا يستوعب حقائق كثيرة، لكن الأهم أن هذا الأمر لا يمكن تسميته بالظاهرة، الفارق الذي جعل هذه الأصوات تظهر هو السوشيال ميديا”.